أشرف الوظائف لو كانوا يعلمون

أشرف الوظائف لو كانوا يعلمون

حسن قاطرجي

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلوات وأزكى السلام والتحيات للمبعوث رحمة للعالمين, وعلى أهل بيته الطيِّبين وصحابته المباركين ومن تابعهم في الإيمان والدعوة والجهاد بصدق وإخلاص ويقين.

وبعد, فإن كثيراً من الناس يغيب عن علمهم أن الدعوة إلى الله وسياسة الناس بشريعة الله هي أشرف الوظائف وأخطر المهمات وأغلى الرسالات: الوظيفة التي قام بها أميَزُ الناس وأشرفُهم, وأذكاهم وصَفوتُهم, الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, والمهمة التي تقحّموا مخاطرها وتكبّدوا متاعبها ليس طمعاً بجاه ولا توصُّلاً إلى مال وإنما إرضاءً لله وشفقةً بعباد الله, والرسالة العظيمة التي يتشرف الإنسان أن يعيش لأجلها ويموت في سبيلها.

ولذلك قال الله عزّ وجلّ:

﴿ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين﴾؟ أي: لا أحد.

وأناط سبحانه وتعالى خيرية أمة النبي صلى الله عليه وسلم بقيامها بهذه الوظيفة فقال عزّ مِنْ قائل:﴿كنتم خيرَ أمة أُخرجتْ للناسِ تأمرون بالمعروف وتنهَوْن عن المنكر وتؤمنون بالله﴾.

وجاءها تكليف واضح صارخ بوجوب قيامها بهذه الوظيفة: ﴿ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأَمرون بالمعروف وينهَوْن عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾.

وعظّم الرسول صلى الله عليه وسلم أجر الهداية ترغيباً منه للاهتمام بالدعوة والطمع بالإجر الجزيل المُدْهش فقال:(( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها)) رواه البخاري في عدة  مواضع من صحيحه, أحدها في كتاب الجهاد والسِّير باب فضل من أسلَمَ على يديه رجل.

إننا على يقين أن البشرية لن تسعد إلا برسالة الإسلام, وأن كل واحد من أفرادها لن ينجُوَ في الآخرة إلا بالإسلام, وأن الدين الحق والدين المقبول عند الله عزّ وجلّ هو دين الإسلام وهو منهج الحياة الأمثل للناس والقانون الرباني لنظام حياتهم.

وهذه ليست قناعات وَضْعية التزمناها بالانتماء الطائفي أو بالتعصب التاريخي أو الجغرافي وإنما هي حقائق ربانية عظيمة يترتب عليها مصير البشرية وخيارات سعادتها أوشقائها في دُنيا هذا العالم المليء بضجيج الأديان والفلسفات والأفكار, كما يترتب عليها مصير كلِّ إنسانٍ في آخرته. ولذلك أعلنها القرآن صريحة صارخة حاسمة:

﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾

﴿ومن يبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقْبَل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾

﴿فمن اتَّبع هُداي فلا يضِلُّ ولا يشقى﴾

﴿إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شرُّ البريّة﴾.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لايسمع بي أحد من هذه الأمة ـ يهودي ولا نصراني ـ ثم لا يؤمن بما جئتُ به إلا كان من أصحاب النار)) رواه الإمام مسلم, والأمة هنا هي كل الناس لأنهم أُرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة, وهي التي يسميها العلماء (أمة الدعوة).

وهذه الحقائق فَهِمَها أحد أعظم حكّام الدنيا في التاريخ البشري وأميَزُ عبقريِّيها وثاني أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم من صحابته الكرام y ـ الإمام الراشد سيدنا عمر بن الخطاب ـ فعبّر عنها بقوله:((نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام, وإذا ابتغينا العزّة بغيره أذلّنا الله)) أخرجه الحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)) وصححه ووافقه الذهبي.

والدعوة الإسلامية في العالم الإسلامي وكل البلدان لا زالت بحاجة إلى المزيد من الدعاة المتميِّزين والجهود الدعوية المُبْدعة, وإلى الحكمة والأناة في التعاطي مع الواقع المعقَّد بتركيبته السياسيّة والفلسفية والطائفية والاجتماعية, وإلى روح الإخلاص والتجرُّد تماماً كما تحتاج إلى روح التضحية والتفاني في العمل لأجلها, كما أنها بحاجة إلى خطوات جادة نحو التقدم إلى الأمام في تلبية حاجات كل الشرائح العُمرية والانتقال بالطاقات من الهامشية في الارتباط إلى الفاعلية في المشاركة, ومن صورة الحضور إلى روح الجندية, ومن الجمود والتقليد إلى الإبداع والتجديد, ومن السلبية في مواجهة التحديات إلى الجرأة والإيجابية والذكاء لتخطِّيها أو لتطويعها في مصلحة الإسلام.

وإن هذا التقدّم فريضة شرعية وضرورة إنسانية وأخلاقية لأن البشرية بحاجة إلى الإسلام مهما عتا مفكِّروها وأجرم سياسيّوها؛ فها هو الأمريكي (فوكوياما) بعدما أصدر كتابه ((نهاية التاريخ))  في أواسط التتسعينيات وقد كان مقالة نشرها في إحدى الصحف أواخر الثمانينيات وأحدث حينئذ ضجة كبيرة واعتبره المهزومون روحياً في بلاد المسلمين فتحاً فكرياً: تراجع الآن عن قناعاته وخاب أمله في الديمقراطية الأمريكية التي اعتبرها في كتابه أمل البشرية ونهاية ما يمكن أن يتفتق عنه التفكير الإنساني.

فهل نُحسن ـ نحن المسلمين ـ استثمار آيات الله في الأنفس والآفاق، وفي التاريخ والواقع، لهداية الناس إلى الحق ﴿سنُريهم آياتِنا في الآفاقِ وفي أنفسِهِمْ حتى يتبيّن لهم أنه الحق﴾.

وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿قل: هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني﴾. اللهم اقبَلْنا منهم والحمد لله رب العالمين.