عقوق الوالدين
رضوان سلمان حمدان
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}الإسراء23-24.
قرن الله تعالي شكره بشكر الوالدين.. فالآية الكريمة:
{.. أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث, لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها:
*إحداها، قول الله تعالى:
{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ
فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }المائدة92
فمن
أطاع
الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه.
*الثانية، قول الله تعالى:
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ..}البقرة43
فمن صلى ولم يزكِّ لن يقبل منه.
*الثالثة، قول الله تعالى:
{.. أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14
فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد" سنن الترمذي.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ألا أنبئكم بأكبر
الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس
فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يقولها حتى
قلت لا يسكت"
وعنه صلى الله عليه وسلم قال:
"لو علم الله شيئا من العقوق أدني من الاُف لنهي عنه, فليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنه, وليعمل البار ماشاء فلن يدخل النار".
وقال صلى الله عليه وسلم:
"كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء الي يوم القيامه الا عقوق الوالدين فانه يعجل لصاحبه - أي عقوبه الدنيا قبل يوم القيامة –".
** كان في زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم شاب يسمي علقمة وكان كثير الاجتهاد في طاعه الله في الصلاة والصوم والصدقة فمرض, واشتد عليه المرض، فأرسلت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زوجي علقمة في النزع, فأردت أن أعلمك يارسول الله بحاله، فأرسل النبي صلي الله عليه وسلم عمارًا وصهيبًا وبلالاً، وقال: امضوا إليه, ولقنوه الشهاده, فمضوا إليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع فجعلوا يلقنوه (لا اله الا الله) ولسانه لاينطق بها، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لسانه لا ينطق بالشهادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل من أبويه أحد حي؟ قيل يارسول الله, له أم كبيرة السن، فأرسل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للرسول: قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقري في بيتك حتى يأتيك.. قال فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: نفسي لنفسه فداء, أنا أحق بإتيانه. فتوكأت وقامت على عصا، وأتت رسول الله صلى عليه وسلم: فسلمت فرد عليها السلام، وقال لها: يا أم علقمه، اصدقيني, وإن كذبت جاء الوحي من عند الله, كيف كان حال ولدك علقمه؟، قالت يارسول الله, كثير الصلاة, كثير الصيام, كثير الصدقة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما حالك؟ قالت: يارسول الله أنا ساخطة عليه، قال: ولم؟ قالت: يارسول الله, كان يؤثرعلي زوجته ويعصيني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة.. ثم قال يا بلال انطلق واجمع لي حطبا كثيرا.. قالت يارسول الله وماتصنع؟. قال أحرقه بالنار بين يديك، قالت يا رسول الله ولدي! لايحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي.. قال يا أم علقمة, عذاب الله أشد وأبقي, فان سرك أن يغفر الله له فارضي عنه فو الذي نفسي بيده لا ينتفع بصلاته ولا بصيامه ولا بصدقته ما دمت عليه ساخطة، فقالت: يا رسول الله إني أشهد الله تعالي وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني رضيت عن ولدي علقمة.. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: انطلق يا بلال إليه وانظر هل يستطيع أن يقول لا اله إلا الله, أم لا؟ فلعل أم علقمه تكلمت بما ليس في قلبها حياء مني، فانطلق فسمع علقمة من داخل الدار يقول لا إله إلا الله، فدخل بلال فقال: يا هؤلاء إن سخط أم علقمه حجب لسانه عن الشهادة وإن رضاها أطلق لسانه ثم مات علقمه من يومه.. فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بغسله وكفنه ثم صلى عليه وحضر دفنه، ثم قام على شفير قبره وقال: يا معشر المهاجرين والأنصار من فضّل زوجته على أمه فعليه لعنه الله والملائكه والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليها ويطلب رضاها فرِضا الله في رضاها وسخط الله في سخطها.
فنسأل الله أن يوفقنا لرضاه.. وأن يجنبنا سخطه.. إنه جواد كريم رؤوف رحيم.