قلب وفكر الشيخ احمد الحصري رحمه الله

قلب وفكر الشيخ احمد الحصري رحمه الله

الشيخ أحمد الحصري

عبد المعز الحصري

[email protected]

"ماسبقكم ابا بكر بكثرة صلاة أو صيام ولكن سبقكم بشيءوقر في قلبه"  . لايشك اثنان في أن القلب محل نظر الله ،عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ان الله لا ينظر الى أجسامكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم "رواه مسلم .  امتاز قلب الشيخ بحبه لبلده والمسلمين والنصح لأئمة المسلمين وعامتهم  ، التقى بالرئيس جمال عبد الناصر اثنا ء زيارته للمعرة فقال له الشيخ (ان الامة تتطلع الى مستقبلها وترى فيك زعيمها فاتق الله واحكم بالاسلام يستقيم أمرها ويكن لك الشرف بذلك فأجابه الرئيس سنعمل على ذلك  )  . كان حين يطلب القرآن يقوم واقفا ويأخذه بيمينه تعظيما واجلالا له (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32) الحج .  ولم أره يمس المصحف بشماله قط ، كان الشيخ عندما يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم مودعا و يرجع القهقرى تأدبا مع حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لم أره يوما يمد رجله تجاه الكعبة المشرفة ، وكان يامرنا أن نجلس جلوسنا للصلاة عندما نقرأ القرآن الكريم ، كنت وأنا في عمر البراعم ولا اعرف معنى رمضان أتمنى السنة كلها رمضان حتى نجتمع مع الشيخ على مائدة الافطار وما ذلك الا لكثرة أشغال الشيخ واهتمامه بامر المسلمين   .كان الشيخ حين يسمع ذكر الله _القرآن _ بقلبه وعقله تصيبه قشعريرة ثم يلين قلبه لذكر الله  قال تعالى( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (23) الزمر

 قلت ان نشاط الجسد في خدمة مولاه ليلا ونهارا بلا كلل ولا ملل من رجل بلغ سن الشيخوخة لأكبر دليل على الهمة العالية وعلى القلب والفكر الكبيرين اللذين يدفعان للعمل فوق طاقة الانسان وتحمله ابتغاء مرضاة الله وبلا أجر دنيوي ،  قال الشيخ محمود الغانم (أزهري ،ومن تلاميذ الشيخ الحصري ) : ( كان الشيخ يعمل في نشر العلم وجباية الزكاة من القرى _ في الصيف _ من أذان الفجر حتى الساعة الثانية عشر ليلا بلا كلل ولا ملل )

 و صدق الشاعر في قوله

له همم لا منتهى لكبرها                     وهمته الصغرى اجل من الدهر  

وقال آخر

واذا حلت الهداية قلبا                              نشطت للعبادة الاعضاء

لقد حفظ الله قلب الشيخ وعينيه عن الزيغ ، قالت الشيخة حنيفة - رحمها الله – وهي التي عملت على تحفيظ القرآن للشيخ وهو بعمر ست سنوات : ( كان أحمد أول الحاضرين لدرس القرآن قبل شروق الشمس وكان يجلس جلوسه للصلاة تجاه الجدار وأنا أخدم زوجي فلا يلتفت حتى اذا ذهب زوجي قلت ياأحمد التفت لأحفظك القرآن )

كان قلب الشيخ وفكره  لله و مع الله وكان يحمل هموما تعجز الجبال حملها ، وصدق المثل القائل _في الامارات _ اذا همت الرجال نقلت الجبال  . قال الشيخ الدكتور نور الدين : (...الفراغ الذي تركه الشيخ يلزمه عشرة من العلماء العاملين ليملؤوه )  ، امتاز قلب الشيخ بالعزيمة والصبر والاخلاص قال الشيخ العلامة عبد الله سراج الدين (حلب ) : لمست في الشيخ الحصري قوة العزيمة والصبر والاخلاص لله تعالى فكانت هذه العوامل سببا في احياء العلم في المعرة .انتهى قوله رحمهما الله .  دافع  الشيخ عن الاسلام في جميع المجالات وبين خطر الشيعة على المسلمين  فقال : ان الشيعة يتصالحون مع اليهود ولايتصالحون مع أهل السنة وغدا يستحلون العراق ..وفي لبنان شيعة ويحيطون بالحرمين كفكي كماشة .  ان المطلع على فكر الشيخ وقلبه عن قرب يعرف ان الشيخ كان كما قال عنه الشيخ محمد عز الدين خطاب (أزهري ومن طلاب الشيخ ) : "ان الشيخ كان  أمة في رجل اذا طلعت هيبته أفلت نجوم الكون "

كان الشيخ   يرى انهيار الخلافة الاسلامية وتكالب الاستعمار على نهش الامة وتمزيقها اربا اربا ، فلا بد من اعادة اللحمة الى الامة الاسلامية ، فكان قلب الشيخ  يعتصر ألماً و حزنا ً- فتخرج دمعات من عينيه - مما يصيب المسلمين من حزن و هوان و جهل و ضياع فقدم روحه و جسده لله و صدق الشاعر محمد جميل جعفر الشردوب  في رثاء الشيخ حين قال    :

مازال يطعم من روح و من جسد                    حتى تساءلت ماذا يأكل الدود

لقد اقتاتت قلب الشيخ فكر جمة ، ترجمها إلى صروح شامخة ، تمثلت في نشاطاته العلمية و إنجازاته  منها على سبيل الذكر لا الحصر 

1-                      نشاطه العلمي اليومي والذي يبدأ من شروق الشمس الى بعد العشاء  

2-                       انشاء المعهد النووي الشرعي بالمعرة

3-                      توسعة الجامع الكبير 30 بالمئة

4-                        انشاء جمعية النهضة الاسلامية الخيرية  

5-                       اعادة فتح المساجد المغلقة في القرى المجاورة ونشر العلم هنا وهناك  .  

6-                      نشر العلم وجباية الزكاة من القرى  التابعة للمعرة حتى منتصف الليل بلا كلل ولا ملل

سمعته مرة و هو يرسم الطريق للوصول إلى القائد الرباني قائلاً : ( إذا أصلح العلماء الناس خرج الرئيس صالحا ً ، لأن الرئيس هو من الناس ) . قال  أحدهم للشيخ أيام الاحداث  تفضل يا شيخي لآخذك الى مورك (قرية بين المعرة وحماة ) لترى ا لناس كأنهم في منى فأجابه الشيخ أنا مرضت من سماعي لأخبارالاحداث في سورية ، لم يهدأ قلب الشيخ وفكره وهو يرى الجيش قد أحاط بالبلد فقام بنفسه يستنهض همم المسوؤليين (العسكريين والمدنيين ) للذهاب ومفاوضة قائد الجيش المحيط بالبلد فلم يذهب مع الشيخ أحد – غير واحد من كرام أهل المعرة – ودخل الشيخ على القائد المحاصر للبلد وفاوضه وتم بحمد الله رفع المحنة عن البلد . كان الشيخ يستبق الاحداث في بلده والقرى المجاورة قبل استفحال أمرها ووقوعها كالدماءوالمنازعات هنا وهناك قال عنه مدير منطقة المعرة العميد كيخيا : ( عرفنا الشيخ أحمد الحصري مصلحا بين الناس يستنهض هممنا ويسبقنا الى حل المنازعات والدماء في المعرة والقرى التابعة لها )

قال الأستاذ الكبير محمد الصافي – أبو الناجي – لقد كانت عند الشيخ أفكار جديدة لتطوير الجمعيات الخيرية يجدر الأخذ بها و تنبئ عن فكر و عقل كبيرين.

يقول الدكتور مصطفى السباعي  ان القلب هو الميل والعاطفه  والنفس والروح  وانه الموجه الاول لاعمال الانسان  ويخرج من صراعه مع العقل منتصرا  في معظم الاحيان ويجب ان نحرص على سلامة قلوبنا  ليوم البعث  قال تعالى " الا من اتى الله بقلب سليم "  الشعراء 89    منقول من جريدة المدينة عدد202 تالايخ 28  9  2009 عن مجلة حضارة الاسلام عام 1967 م
كان قلب الشيخ وفكره وهو على فراش الموت معلق بالله ونشر دينه يقول الشيخ وهو على فراش الموت : (انني يادكتور أثير لاأخاف على أولادي وأنت تراهم صغار حولي وانما خوفي على المدرسة ومستقبلها وهي رأسمالي من هذه الدنيا )  لم يجزع الشيخ عند الموت وانما كان فرحا لأنه ترك أشياخا يكملون مشواره على نهج وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فرحه أكبر بلقاء الله.