د. محمد بديع مرشداً للإخوان المسلمين

مقالة بمناسبة اختيار

المرشد العام د. محمد بديع

عبد الرحمن يوسف بريك

الشواشنة / الفيوم /مصر

[email protected]

طيور الهنا والمنى رفرفي .... للدكتور بديع

كان يجلس على كرسيه الذي أعددناه له في مصلى عنبر ( 8 ) بسجن الفيوم العمومي بدمو ونحن نجلس بين يديه –  ليس الإخوان وحدهم ، بل كافة التيارات الدينية داخل السجن –  عصر يوم من أيام شهر أبريل 2008 إبان انتخابات المحليات ، وهو يفيض علينا من علمه الغزير وأفقه الواسع ، وبعد فترة أحس أنه تحدث كثيراً ، فقال : نقطع الحديث بأنشودة صغيرة ، وبدأ بصوته العذب الحنون ينشد :

طيور الهنا والمنى رفرفي              وغني نشيد الهدى واعزفي

وخُصي بلحنك من يقتفي           بسنة طــه عليه السلام

عليه الصلاة وأزكى السلام    

انساب صوت د. محمد بديع الحنون حتى أحسسنا أنه حلق بنا في فضاءات واسعة وطار بنا إلى عنان السماء ، لم نكن نحس بأجسادنا بل أحسسنا أننا في ملكوت سماوي رحب ، كنا نردد خلفه هذا المقطع وهو يكمل إنشاده :

أعزك يا شرق هـذا اليتيم              بنهج قويم وخلق عظيم

فسيروا على نهجه المستقيم          لنرقى ونسمو بين الأنام

عليه الصلاة وأزكى السلام

تهامسنا فيما بيننا : لماذا تأخر مجيئه حتى أواخر أيامنا التي رأينا عندئذ أنها قاربت على الانتهاء داخل السجن بعد أن حسمت الحكومة أمر المحليات تماماً بطريقتها المعروفة ؟ أندعو الله ألا يفرج عنا ؟ وهل يصح أن ندعو بذلك ؟ كنا نريد أن ننهل أكثر من نبعه الرقراق الصافي ، تزودنا في أيامنا القليلة تلك بزاد لم ننهل مثله من قبل ، صحح لنا الكثير من المفاهيم التي كانت تغيب عن الكثيرين منا ، أهمها حين سألناه عن سيد قطب وكيف يقرأ الكثيرون كتاباته وآراءه بصورة تكفيرية تصبغ المجتمع بصبغة الجاهلية – كما يحلو للبعض تفسيرها – فقال د. محمد بديع : لقد مكثت عدة أشهر في زنزانة واحدة في أزمة 1965 مع سيد قطب وسألته عن مقصده من كتاباته تلك ، وهل – فعلاً – يقصد تلك التفاسير التي فهمها البعض من تكفير للمجتمع ؟ فكان رده – رحمه الله – بليغاً حيث أجابني ( والكلام لا زال للدكتور بديع ) : حين يرى الأب ابنه يقوم بفعلة ينكرها عليه أبوه فقد يقول له بلهجة الغاضب : لا أنت إبني ولا أعرفك ، فهل قصد الأب أن هذا الولد ليس ابنه فعلاً ؟ قلنا : لا ، قال : أجابني الأستاذ سيد رحمه الله : فهكذا أريد أن أقول للمسلمين ، أيعقل أنكم مسلمون وتقومون بكل هذه المنكرات والأفعال التي يأباها الإسلام ؟!!

أراحنا جواب د. بديع الذي نقله عن سيد قطب ، وأراحنا كثيراً بمفاهيمه عن معاني أسماء السور في القرآن ، ولماذا اختار الله لكل سورة اسمها دون غيره من الأسماء ، أحسسنا كما قلت بمداركنا تتفتح على يديه ، وقلوبنا تصفو ، وأرواحنا تخف ، والدنيا كلها تصغر بين أعييننا .

أما الموقف الأكثر تأثيراً فكان عند عودتنا من العرض الأخير أمام نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس حين قررت إخلاء سبيلنا ، عدنا بعد صلاة العصر بقليل ، لم نعد إلى حجراتنا في عنبر ( 7 ) ، بل ذهبنا أولاً إليه في عنبر ( 8 ) ولما دخلنا مصلى العنبر وجدناه جالساً كعادته على كرسيه وحوله الكثيرون ، فلما رآنا قال : ما الخبر ؟ قلنا بصوت واحد : أخذنا إفراج ، ظنناه عندئذ سيقول الكلمة المشهورة : مبروك ، أو يقوم بتهنئتنا بالإفراج عنا ، بل بادرنا بقوله : اسمعوا ..  اللي اتعلمتوه هنا أمانة في أعناقكم ، أول ما تخرجوا تعلموه لإخوانكم برة ، ثم قام بعناقنا وتهنئتنا بعد ذلك .

فكرت طويلاً في كلمته التي بادرنا بها ، رجل كل همه دعوته ، كل همه أن يتعلم الناس الفهم الصحيح للإسلام ، لا يقف أمام هدفه عائق ، لا السجون تحول بينه وبين هدفه ، ولا العوائق تمنعه عن مواصلة طريقه .

أما لسانه فهو دائم الذكر لكتاب الله ، كثير الاستشهاد بآيات كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقيم الليل رغم تقدم سنه ، يقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم :

نبيُ بهيً ندي الجبــين              تقلب كالبدر في الساجدين

ومن مثل أحمد في العالمين         نبي الهدى ورسول السلام

عليه الصلاة وأزكى السلام

لم نره أبداً منفعلاً ، بل كان هدوءه سمة لازمة له، لديه إجابة عن كل ما نسأل كأن عقله قد حوى العالم كله .

خلاصة القول أنه ملك علينا قلوبنا ، ليس ذلك فقط ، بل إن إخواننا من باقي التيارات الإسلامية جاءت إليه في عنبره يسمعون منه ويستفسرون عن الكثير من المعاني والمفاهيم التي غابت عنهم ، ندم الكثيرون منهم على عمرهم الذي قضوا كثيراً منه خلف الأسوار عندما ساروا خلف أفكار خاطئة لم تحمل من الإسلام إلا اسمه .

هذا هو المرشد الثامن كما عرفته عن قرب ولأيام قلائل ، يحب الشباب ويأمل فيهم الخير والمستقبل لجماعة الإخوان المسلمين وللأمة بأسرها :

نهوضاً نهوضاً شباب الحمى           ولبوا النـداء لرب السما

وأحيوا النفوس بزاد التقى             لننجو من هول يوم الزحام

عليه الصلاة وأزكى السلام