من أخلاق النبوّة
من أخلاق النبوّة
حسن قاطرجي
نقل لنا أحد الصحابة الكرام ـ هو عبد الله ابن أبي أَوْفى رضي الله عنه ـ بآلة تصويره البيانية بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر الذكر ويُقلّ اللغو, ويُطيل الصلاة وَيْقَصُر الخُطْبة, ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي لهما حاجتهما)).
تخريج الحديث: أخرجه الإمام الحافظ أبو محمد الدارِمي في السنن (برقم 75), باب في تواضع النبي صلى الله عليه وسلم, والإمام النَّسائي في سننه 3: 108 ـ 109 (برقم 1414) في باب ما يُستحبّ من تقصير الخطبة, وصححه الإمام ابن حِبّان في صحيحه (برقم 6423 و 6424 من ترتيبه: الإحسان), والحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه 614:2 عنه وعن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنهما وصحح كِلا الحديثين على شرط الشيخين وأقره الإمام الذهبي.
ورواه أيضاً الإمام البيهقيُّ في ((شُعَب الإيمان )) 6: 269 و ((دلائل النبوة)) 1: 329, والحافظ أبو الشيخ ابن حَيَّان في ((أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم)): ص 34.
الفوائد: هذا من حيث تخريج الحديث ودرجته أما الفوائد المستفادة منه فهاكم أهمَّها:
الأولى: فضل كثرة الذكر لله عز وجلّ, فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتصر على القليل من ذكر ربه سبحانه وتعالى في ليله ونهاره, بل كان ـ فداه آباؤنا وأمهاتنا ـ كثير الذكر لله تقدّستْ أسماؤه وعلا شأنه.
الثانية: أنَّ من خُلُق النبوة الإقلال من اللغو وهو ما لا يُفيد من الكلام, والمعنى هنا: أنه صلى الله عليه وسلم لا يلغو أصلاً: فقد قال العلامة ابن الأثير: القلّة تُستعمل في نفي الشيء.
وقد يُراد ظاهرها إن كان المُراد بها هنا الدُّعابة والُمزَاح.
الثالثة: الاهتمام بالصلاة والأُنس بها وإطالتُها والتقصير من الخطب ومنها:(خطب الجمعة). وللسلف اقتداء لافت بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاهتمام بالتنسُّك والعَمَل, والتقليل من الكلام والجَدَل, كما بيّن الإمام الواعظ الربّاني ابنُ رَجَب في جزئه القيِّم جداً: ((فضل علم السلف)).
الرابعة: بروزُ النبي صلى الله عليه وسلم للناس وقربُهُ منهم ... وصبرُه على تحمُّل المشاقّ لأجلهم, كما قال المُناوي رحمه الله.
الخامسة: خُلُق التواضع المُدْهش الذي كان يتحلى بهِ سيد العالمين صلى الله عليه وسلم على ما هو موصوف به من رفعة المنزلة بين الناس وعند ربه عز وجل, وكمال صفاته صلى الله عليه وسلم العقلية والخُلُقية والنفسية والجمالية, وهذا يدلّ عل أنّ التفُّوق في الصفات والتألّق في المواهب لا يَنْقُصُهما ولا يُناقضهما التواضع.
السادسة: أن من هَدْي النبوّة وسياسةِ النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة خدمة الناس وقضاء حوائجهم, ولا يخفى ما لذلك من دلالة على أصالة الخُلُق في شخصية المرء, وماله من أثر واسع في الكسب الدعوي للناس وتأليف قلوبهم.