وأدِم اللهم وُدَّها

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

المودة في الإسلام رزق من الرحمن , فإن رزقك الله مودة أخ , فحافظ عليه , وتمسك به :

فإن صد عنك أقبل عليه

وإن بعد عنك ادن منه

وإن حرمك ابذل له

حتى يكون ركناً من أركانك .

فإن من أعظم العيب التلون في الوداد ، فأف لذي الأخ :

يضاحكني كرها كيما أوده              وتتبعني منه إذا غبت أسهم

فمن أعجز الناس من ظفر بالإخوان ثم لا يحافظ على ودادهم ، وأضاع المودة التي هي ماء الحياة .. بأن يكون ذا لونين ، وذا قلبين ولم يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، فلا خير في متآخين ينمو بينهم الخلل..

ومن هو ذو قلبين أما لقاؤه                فحلو وأما غيبه فظنين

وهذه العلامات تبدو في سحابة المودة الصافية بوضوح وجلاء :

   فالعين تنطق والأفواه ساكنة            حتى ترى من ضمير القلب تبيانا

ولا خير فيمن:

          يبادر بالسلام إذا التقيا              وتحت ضلوعه قلب سقيم

فعلى العاقل أن يحافظ مهما كان على ماء مودة الإخوان أن تدوم ..

 وليس السبيل إليها في الاجتماع والمؤاكلة والمشاربة فحسب ، بل يمكن اجتماع هذه الأسباب ولا يزداد المجتمعون بذلك مودة !! وإنما الأسباب كما بين ابن حبان :

( في القصد ، وخفض الصوت، وقلة الإعجاب ، ولزوم التواضع ، وترك الخلاف ، وعدم الإكثار على الإخوان بالأعمال فيملوا ويسأموا ، لأن المرضع إذا كثر مصه ربما ضجرت أمه فتلقيه ) .

ولذا عليك .. عليك .. بالإخوان.. فإنهم زينة في الرخاء , وعدة في البلاء ، خرج ابن مسعود يوماً على أصحابه , فقال :

" أنتم جلاء حزني "

فصحبتهم سرور، ومجالستهم حياة ، وإنهم لخير من كنز الذهب والفضة ، يفنى الكنز وهم كنز لا يفنى ..

سأل إياس بن معاوية شيخاً : ما أفادك الدهر؟ قال : العلم به .

فقال إياس : فماذا رأيت أحمد ؟

قال: أن يبقى المرء أحدوثة حسنة بعده ..

ولقد .. عشناها

ولقد عشناها , هذه الحلاوة ، عشناها خلال التقوى الخاشعة :

ولا تحسبن الله يغفل ساعة                ولا أن ما يخفى عليه يغيب

فعشناها بحراسة القلب عند إقباله وإدباره ، وحركته وسكونه , وعلمنا أن في فساده تكدر الأوقات وتنغص اللذات , فكم ذهبت زينة الأخوة .. بفساد الأفئدة وخواء القلوب :

وإن أخاً لم يصف لله قلبه                 لفي وحشة من كل نظرة ناظر

 " جالسوا التوابين، فإنهم أرق أفئدة "

فعلمنا أنه من رقة الأفئدة تبدأ المودة .. بل وتدوم ..

وقد عشناها ... هذه الأخوة كذلك ... بالبشاشة والبسمة ، وبسط الوجه وانفراج الأسارير فكان :

  أخو البشر محبوب على حسن بشره        ولن يعدم البغضاء من كان عابساً

قيل لسعد بن الخمس: ما أبشّك ؟

قال: إنه يقوم عليّ برخيص

نعم ما يكلفه صعباً أن يبش في وجوه إخوانه وأحبابه .

عن حبيب بن أبي ثابت قال :

( من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يبتسم )

أخٌ مثل صفو الماء أما لقاؤه        فبشر وأما وعده فجميــل

عيّي عن الفحشاء، أما لسانه        فعف ، وأما طرفه فكليل

عشنا هذه الحلاوة ، في ممشانا لله وإلى الله ...

 ولقد علمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن الله أرسل رسولاً للأخ الذي زار أخاً .. لا لشيء .. إلا لأنه يحبه في الله .. فقال له الرسول :

( إني رسول الله إليك وإن الله تبارك وتعالى أحبك كما أحببته ) .

فأي جلال فوق هذا الجلال ؟ وأي كمال يفوق هذا الكمال ؟

تعرفك السماء .. يحبك الله .. يباهي بك الملائكة ... إن زرت أخاً تحبه فقط .. في الله.

عشناها كذلك بالتلذذ .. بالمؤانسة بالأخ .. وجميل المعاشرة ..

فما كان إلا حسن الظن رائدنا ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث , ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا , وكونوا عباد الله إخوان ) .

وما كان إلا النظر إلى عيوبنا , قبل النظر إلى عيب إخواننا :

   وما خير من تخفي عليه عيوبه                   ويبدو له العيب الذي لأخيه

وما كان من معاتبة إلا عند الإساءة ، وما كان من مغفرة عند الاعتذار .. يقول ابن سيرين : فما أروع ما كان بين أخوين قد تغير ودهما فقال الأول :

ما لي أراك كالمعرض عني؟

قال: بلغني عنك شيء كرهته.

فقال الأول: إذاً لا أبالي.

قال: ولم ؟

فقال: لأنه إن كان ذنباً غفرته ، وإن كان باطلاً لم تقبله..

ثم عاد الاثنان إلى المؤانسة وسحرها ... وإلى الأخوة وجمالها .. ويا لله حين يقول أخ لأخيه :

مثلي هفا ومثلك عفا

فيجيبه أخوه :

مثلك اعتذر ومثلي اغتفر ..

وينتهي ما لم يبدأ .. لتدوم مودتهما ..

عشناها من خلال تربية ربانية اختارنا الله بفضله ونعمته لنكون في صفها

 فمن المعاني الأساسية التي رُبي عليها (الإخوان المسلمون) الأخوة في الله ..

فالاسم لا يحمل إلا هذا المعنى .. الإخوان..

ومن ثم جعلها مرشدنا – الإمام الشهيد - أحد أركان البيعة العشرة.

وفيما بلغنا أن الإمام رحمه الله كان يبدأ أحاديث الثلاثاء بالمركز العام للجماعة بترغيب ساحر، فتقوى أواصر الحب بين الإخوان ، يؤيد ذلك بالنصوص ووقائع السلف , وكان الإخوان يطلقون عليها : " عاطفة الثلاثاء ".

وكان من ثمرات التربية الإخوانية هذا الانصهار العجيب اليوم ، في دار الأرض حيث تجتمع النبضات الحية في عالم رحب لا يعترف بحاجز أو فارق ، وتلتقي عبر الأثير أصدق نبرة في الوجود : " إني لأحبك في الله "

والتي كلما قويت دب الرعب في قلوب الأعداء ، فقديماً حين ركب المسلمون البحر في جهاد , ويسقط من أحدهم إناؤه فيصرخ : إخوتاه.. إنائي إنائي !! ... فيغوص الجميع في الماء بحثاً عن إناء أخيهم .. فيدب الرعب في قلوب الروم ويقولون في شدة فزع :

انظروا إليهم كيف يصنعون حينما يسقط إناء أحدهم .. فكيف يصنعون بنا حين نقتل أحدهم ؟!! ... ثم فروا .. كما يفرون اليوم أمام جبل الأخوة .. فبعد أن استعملوا كافة أسلحتهم ، وجدوا أن الإخوان :

 في النفي تغريد.. وفي السجن تأليف.. وفي السحل تنظيم ..

في السلم عاطفة وإخاء .. وفي الجد صف وجهاد..

وهكذا كان الإخوان ولا يزالون .