ليذهب (الميكيافيليّون) إلى حيث يرغبون

ليذهب (الميكيافيليّون) إلى حيث يرغبون..

ولنواجه العالَمِين بمنهجنا الإسلاميّ الحضاريّ

د.محمد بسام يوسف*

[email protected]

من وجهة نظرٍ دعويةٍ إسلامية: كيف يستطيع الإنسان المسلم أن يكونَ صديقاً وفياً للناس، وفياً لدينه ودعوته؟!.. فما أعظم الخير الذي يمكن لهذا الإنسان أن يحقِّقَه لدينه وأمّته، عندما يكون مقبولاً في مجتمعه، محبوباً في كل بيئةٍ يتحرّك فيها، مشهوداً له باستقامته، ومحترَماً يحترمه خصمه قبل صديقه.. فمن المفترض في صاحب القضية النبيلة، أن يتحلّى بصفاتٍ آسِرة، تجعل الناس مشدودين إليه، متابعين لما يعرضه من فكرٍ وثقافةٍ وإنتاج قلم.

 الناس لا يثقون إلا بالفكرة المتوهّجة، ولا يحترمون إلا أصحاب الفكر النيّر المتطوّر الأخّاذ.. فمن يتكلّم في أمرٍ ما، ليكن واثقاً من أقواله.. ومَن يكتب كلمةً، فليكن واضحاً في هدفه.. والمسلم المؤمن صاحب الهدف البنّاء، عليه أن يعيشَ حياته مطمئناً إلى أفكاره التي تعتمل في عقله، وإلى عواطفه التي تعمر قلبه، وليكن ثابتاً راسخاً لا يعرف التردّد إلى نفسه سبيلاً، ولا يتزحزح عن مواقفه التي يؤمن بها تمام الإيمان مهما بلغت العواصف من حوله، ومهما كانت الأعاصير عاتيةً قربه.

 صاحب الهدف السامي، رجل مبدأٍ سامٍ متميّز، يستحق الثقة والمحبة والتقدير والاحترام.. لأنه في كل سلوكه يبرهن على حُسن إيمانه الذي يتغلغل في أعماقه، وعلى اليقين الذي يؤمن به.. وأول ذلك أنه جبل أشمّ لا تهزّه الرياح الصاخبة من حوله، مهما بلغت من عُتوٍّ وجبروت.. إنه يواجه الناس بقلبٍ سليمٍ منفتح، وبمبادئ واضحة، فهو لا يساوم على حساب الحق مهما كانت التضحية، ومهما كان الثمن الذي عليه أن يدفَعَه.. لأنه يعلم أنّ ذلك من الشرف الرفيع، ومن ركائز الفضيلة والمروءة والقدوة الفذّة.. ومن صلب منهجه الذي يرعاه بين جوانحه.

 فالإسلام منهج حضاريٌ علميّ..

 - والداعية الذي يخطف الأضواء عادةً، هو الذي يحترم آراء الآخرين ويقدّرها، لأن من حقهم أن يعبّروا عن وجهة نظرهم، لكنه يضع قول أي قائلٍ في موضعه ورتبته المناسبة، فلا يغمط لقائلٍ حقاً قاله، ويستفيد مما يمكن الاستفادة منه، ويُعرِض عما ينبغي الإعراض عنه.

 - والداعية الحقيقيّ الذي يمكن أن يلجَ بفكره إلى قلوب الناس، هو الذي يدعوهم بأسلوب الأخذ والعطاء، والفعل والاستجابة للحق.. وهو الذي يحرص على تمتين الروابط معهم، وعلى جذب الأصدقاء، فيحافظ على ودّهم ومكانته بينهم، ويراعي مشاعرهم.. لأن اكتساب الصديق الصدوق أمرٌ صعب، لكن المحافظة على الصداقة أصعب بكثير.

 - والداعية اللامع، الذي ينتزع لنفسه مكانةً مرموقةً بين الناس، هو الذي يضبط نفسه عند مواطن الغضب، ولا يتشفّى بهم، فلا يهدم ما بناه خلال زمنٍ طويل، ولا يذهب بجهودٍ ضخمةٍ بذلها معهم.. فهو يُضفي على سلوكه نصيباً وافراً من نور العقل وسموّ المنهج الذي يسير عليه ويبشّر به العالَمِين.. وهو يسعى دائماً إلى فهم مواقف الآخرين، فإذا فهمها يستطيع تحديد مقدار الخلاف بينه وبينهم، ويتمكّن من تحديد مقدار الشقّة معهم، فإن فعل كل ذلك يجعل هدفه تقريب هذه الشقة إن استطاع.. حتى تزول، وخلال ذلك يحرص على مراجعة نفسه، وتصحيح مواقفه، فيزيل بذلك أي سوء فهمٍ يعلق بالأذهان، ويتخلى عن أي موقفٍ ثبت له أنه خاطئ، وتبيّن له وجه الحق فيه.. وهو الذي لا يفتعل بينه وبين الآخرين سدوداً من الوهم والهوى، ولا يحفر القنوات والأخاديد بينه وبينهم، ولا يشهّر بهم.. وإنما يتعامل معهم باحترامٍ وتقديرٍ لعقولهم ومداركهم.. طالما التزموا هم بذلك، لكنه يعرف كيف يضع كل صاحب شطط، في موقعه الذي يجب أن يكون فيه، وبحجمه الذي يجب أن يكون عليه.

 والإسلام منهجٌ أخلاقيّ..

 يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 (خَيرُكُم: الموطَؤونَ أكنافاً، الذين يَألفون ويُؤلَفون.. ولا خيرَ فيمَن لا يَألف ولا يُؤلَف) (مجمع الزوائد).

 ويقول عليه الصلاة والسلام :

 (إنّ المنافقينَ لا يَألَفونَ ولا يُؤلَفون) (أحمد) .

 - فالداعية صاحب الهدف السامي، إنسانٌ مسلم، من أكثر الناس عملاً وبذلاً وحُنكةً، وأشدّهم التزاماً.. فهو قائدٌ للناس وخادمهم في آنٍ واحد، وهو مذلّل لعقباتهم، ومعهم بقلبه وروحه وساعده وجوارحه في السرّاء والضرّاء.

 - إنه أحسن الناس أخلاقاً، يمارس طاعة الله عز وجل بلا حدود، فهو من زمرة : (الموطَؤون أكنافاً)، وهم: المتذلّلون لله عز وجل، والمتواضعون للناس، الذين يجعلون أنفسهم في خدمة غيرهم: (كانت الجارية تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لِيُعينها في بعض عملها)!..

 - وإنه من (المطاوعين)، الذين يقدّمون كل ما يمكن تقديمه من وقتٍ وبذلٍ وعونٍ للآخرين، دون أي نفورٍ أو تذمّرٍ أو مقابلٍ أو ثمن.

 - وإنه كذلك من زمرة : (الذين يَألفون ويُؤلَفون).. و(يَألفون): هم الذين يُقبِلون على الناس بكل جوارحهم وصدقهم وعفويّتهم، فيتعاملون معهم بكل صدقٍ وثقةٍ واحترام.. أما (يؤلَفون): فهم الذين يُزيلون كل الحواجز والحدود التي بينهم وبين الناس، ويُخفونَ كلَ مِيزةٍ أو صفةٍ تميّزهم عن غيرهم، ويقدّمون من ذوات نفوسهم، ومن سلطانهم وموقعهم.. ما يؤدي إلى حرص الناس على محبّتهم وإدامة الصلة بهم.

 بهذا -أيها الدعاة المخلصون- نفتح مغاليق القلوب، ونسبر ثغرات النفوس.. فنفتح الدنيا كلها بأخلاقنا وبمنهج إسلامنا الحضاريّ الأخلاقيّ، وليس القلوبَ والعقولَ والأرواحَ فحسب!..

              

*عضو مؤسِّس في رابطة أدباء الشام