نقطة الخير

محمد نجيب بنان

حلب الشهباء

[email protected]

كل الناس يجيدون النقد ويتقنونه وهذا أمر لا بأس به إن لم يزد عن حده , فهو امتثال أمر الله في النهي عن المنكر , لكننا في بعض الأحيان نسرف في النقد لدرجة أننا نشعر أو نُشعر من أمامنا أنه لا خير فيه وأنه إلى النار مباشرة .

هذا الأمر منشؤه حب الخير للغير والطمع في أن نصل بهم إلى أعلى المراتب , ولكن حسن النية لا يكفي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة مبدأ يرفضه الإسلام بكل أشكاله , فرغبتك في هداية الناس لا تبيح لك العنف معهم أو الحكم عليهم بالضلال بل عليك بالرفق قال صلى الله عليه وسلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه " وإذا كان سيدنا وسيد المرسلين وهو الذي من طبعه الرفق قال له الله : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " فواجب المسلمين إذاً عظيم لأن اللين فيه صلى الله عليه وسلم طبع وفينا تطبع وفارق كبير بين الأمرين .

مما تجدر الإشارة إليه أن نزعة أو نقطة الخير موجودة في الجميع حتى في الكافر  لكنها تنتظر من يظهرها ومن يقرأ حديث الرجل القاتل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً ثم سأل عن التوبة يدرك ما أقول فمن يقتل يفعل كل شيء من الموبقات لكن هذا الرجل رغم كل هذا السواد الذي خيم على قلبه راح يسأل عن التوبة مع أنه غير محتاج إليها , إن الذي دعاه لذلك هي نقطة الخير نقطة الإيمان التي أودعها الله فيه حيث كان الذنب يؤرقه فراح يسأل عن التوبة , حتى عندما أخبره الراهب بعدم توبته وقتله لم تهدأ نفسه بل راح يبحث من جديد عن حل لأرقه حتى دُلَّ على الراهب العالم حيث أخبره بإمكانية التوبة وأنها متاحة لكل صادق وحصل ما يعرفه الجميع .

لعل نقطة الخير هي مراد قول الله عز وجل " فطرة الله التي فطر الناس عليها " وهي المفهومة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " لكن مع ما يفعله الأهل لا يستطيعون محو تلك الفطرة ولا إزالة تلك النقطة بل كل ما يحصل أنها تغيب أو تعطى حبوباً منومة ويوشك أن تصحو عند أول منبه , وواجب المسلمين بشكل عام والدعاة والمصلحين بشكل خاص أن يبحثوا عن تلك النقطة وأن يحاولوا إنعاشها وأن يبدؤوا مع من يريدون دعوته بإيقاظ تلك النقطة لتكون لدعوتهم آثار إيجابية أكثر وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول إذا سمعت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم " بضم الكاف بمعنى أنه الأهلك إن اعتقد أنه الأفضل وأن ما عداه هالكون , أو فتحها بمعنى أن قوله هذا هو سبب هلاكهم لأنك إذا وضعت لهم هذه الصفة لم تطمح لدعوتهم أو هدايتهم وهذا حال كثير من دعاة ومصلحي اليوم أنهم يطلقون أو يبنون أحكامهم على تصورات مسبقة ربما تكون خاطئة ويتعاملون مع من يريدون دعوته وإرشاده وفق تلك الصورة التي وضعوها لأولئك المدعوين وبالتالي يكون الفشل حليفهم .

وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم القائل : " إن مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره " .

والشمس تغيب لكن لتشرق في مكان آخر , تغيب ولكن لتشرق في الغد .

و والله لقد جربت ما أقوله في هذه السطور فرأيت له مفعولاً كمفعول السحر وقد استجاب لي أناس قد حكم عليهم بالفساد والضلال وما شابه من ألقاب سيئة , لكن عندما حاولت إنعاش تلك النقطة انتعشت وانتشت وآتت أكلها والحمد لله فداعب هذا الوتر تسمع أجمل الألحان .