أفضل المهاجرين
عبد المعز الحصري
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على على سيدنا محمد الذي كانت هجرته بعث أمة و نصراً مؤزراً و نواة حضارة و دولة .
قال سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري- رحمه الله - في أحد دروسه في الجامع الكبير ( معرة النعمان ) لو أمسكتَ بالقلم وقريباً من الورقة تتهيأ لوضع رقم صفر وقيل لك ضع على الورقة الرقم صفر وارفع القلم هذا الوقت الذي استغرق وضع الرقم صفر على الورقة تكون الشمس قد سارت 360 كم
قلت أن الكون وما فيه يهجر موقعه ويتركه ربما ليعود إليه أو لا يعود
(رب المشرق ورب المغرب )(رب المشرقين ورب المغربين)( رب المشارق ورب المغارب)( وكل في فلك يسبحون) القرآن الكريم
الكون كله في حركة وهجرة حتى الطيور تهاجر والحيوانات تهاجر أيضاً حتى أوراق الأشجار الدائمة الخضرة ( الزيتون وغيره ) ما أن تصل الورقة الى طور الشيخوخة حتى تغادر إلى لا رجعة وتنمو أوراق جديدة وكأن شيئا لم يكن يتجدد شباب ونشاط وقوة الشجرة من جديد
كنت و اثنان قد خرجنا من المسجد للتو فتكلم أحدنا عن المهجرين من بلادهم ويعيشون في الخيم فقلت له كلنا مهجرو ن فأبونا آدم خلقه الله في الجنة وهُجًر من الجنة بمعصيةٍ ونحن نعيش في هذه الدنيا حياةً مؤقتةً وهي أشبه بحياة أهل المخيمات والمشردين والمطرودين بل أقل بالنسبة لحياة أهل الجنة فعجب من هذا الكلام وفهمه
فالدنيا سوق ونحن فيه مجبرون ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر فلا تكن فيه أخي العاقل المؤمن من الخاسرين فتكون في أسفل سافلين
حين يُضيق على أهل الإسلام في بلد يهجرها بعضهم حفاظاً على دينهم" ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها " لقد هاجر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام وعلى نبينا أفضل وأزكى صلوات ربي وسلامه - حفاظاً على دينهم ولنشر دينهم يهجرونها حتى ينشروا الإسلام ويحرروا العبادة والبلاد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور السلطان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ونعيمها
فالمؤمن يهاجر وغايته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
والمؤمن وهو مقيم في بيته وبلده عليه أن يهاجر بكل جوارحه بل وبكل قلبه وفكره يهاجر بمجاهدة نفسه في إجبارها على الجهاد في ذات الله فللمؤمنين هجرة وللمهاجرين هجرة وللمجاهدين هجرة فإن ( أفضل المؤمنين إسلاماً من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل ) .
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
« المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده و المهاجر من هجر ما نهى الله عنه " . رواه البخاري تحت رقم (6337) .
- حَدَّثَنَا مُطَّلِبُ بن شُعَيْبٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِي الْخَوْلانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بن مَالِكٍ الْجَنْبِيِّ، عَنْ فَضَالَةَ بن عُبَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:"أَلا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبَ"
رقم الحديث 15191
المعجم الكبير للطبراني 12/145
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بن الْفَضْلِ الأَسْفَاطِيُّ، قَالَ: نا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: نا أَبَانُ بن يَزِيدَ، عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:"الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَاصِمِ ابْنِ بَهْدَلَةَ إِلا أَبَانُ بن يَزِيدَ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ عَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو
رقم 1471
20/113
إنما الهجرة لتجديد شبابية الدعوة ولزيادة قوتها وتمكينها في الأرض قال تعالى " و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً و سعة .. " سورة النساء الآية 100 .
إننا نجد في أنفسنا في كل لحظة وثانية ودقيقة وساعة ؛ ملايين الخلايا من جسدنا تغادره مهاجرة بلا عودة لتموت وتحيا من جديد خلايا جديدة وما هي إلا شهور حتى يتغير الجسد كله تقريباً سيأتي وقت على الكون وما فيه يهاجر إلى الله شاء أم أبى هجرة بلا عودة " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات" ... ليعود خلقا آخر .
الهجرة ولادةُ أمة :
ستظل الهجرة نبراساً وشعاع نور لمن أراد قيام دولة الإسلام وإسعاد البشرية وقيام حضارة تسعد بها البشرية لأن أساسها الكتاب والسنة الشريفة وقوامها العدل والمساواة وشعارها ( اقرأ ) واكتب وعلّم وتعلم وجاهد ولاتضيع وقتك ( خيركم من تعلم وعلم ) ( اغتنم خمسا قبل خمس ...وفراغك قبل شغلك ...) .
هذه الشمس وما يحصل فيها من انفجارات ليتجدد شبابها ، هذه الشمس ما أن تغيب حتى تشرق من جديد - شروق و غروب - في آن واحد هنا وهناك- على قوم آخرين لتتولد الحياة بثوبها الشاب الجديد وهكذا الهجرة إنما شرعت لتتولد منها أمة جديدة أمة القمة والقيادة والقوة في كل شيء في العلم والأخلاق والمعاملات أمة قائدة للأمم في كتابها الرباني وفي سنتها المطهرة الشريفة أمة قائدة في رجالها على مدى العصور فالنبي صلى الله عليه وسلم قائدها ثم الخلفاء الراشدون فالسلف ثم الخلف ثم العلماء الربانيون الصالحون ( ولكن كونوا ربانيين ..) ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنواالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة الاية 55 أمة في وحدتها وتمسكها في كتاب ربها تقود الأمم ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ). وفي تفرقها تصبح كزبد البحر الذي تدافعه الأمواج لتلقيه على الرمال ليتلاشى أو كالقصعة التي تتداعى عليها الأمم لتنهش من لحمها وقوتها وكرامتها وما ذلك إلا لابتعادها عن كتاب ربها وقد يصبح الحذاء حين يرفع في وجه الظالم شعاراً لها .
القرآن والسيف هذا التوأم لقوة الأمة وحضارتها فبالسيف تقام حدود الله وتحفظ حدود الدولة وبالقرآن ترجع الأمة الى ربها الرجوع الصحيح والسليم وتسلك به طريق الحضارة إلى أن تصل إلى قيادة العالم فتسعده وتسعد به ولو تمسكت الأمة بكتاب ربها لعمت السعادة والحياة الطيبة ولدفن الفقر ولعم السلام الأرض ومن عليها ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).. ولكن المغضوب عليهم والضالين لن يرضوا أن يكون الإسلام والسلام أن يعم الأرض لمآرب في نفوسهم غلبت إبليس في مكره وخبثه ،
فالرجوع الرجوع إلى كتاب الله تلاوة وترتيلاً وفهماً وتدبرًا وتطبيقاً وإلا كانت الحسرة والندامة يوم القيامة ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) ،
وسترفع عليك دعوة من الرسول صلى الله عليه وسلم وعنوانها ( يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) فلتهيئ دفاعاً قوياً يدافع عنك أساسه إتباع النبي صلى الله عليه وسلم ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .. ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) وصدق القائل : أقم الإسلام في نفسك وبيتك يقم على أرضك بهذا ترجع البلاد إلى أهلها محررة ، أقم الشريعة على نفسك وتحقق على أبناء جنسك إن أردت سلامة رأسك ( فأمه هاوية وما أدراك ماهي نار حامية ) يوم يهوي في نار جهنم على رأسه .
لنهجر اللا إحسان في استغلال الوقت و الإهمال في الواجبات و إضاعة الحقوق .
و لنهجر اللا ميزان في الصلاة و سائر العبادات و المعاملات ، و لنعمد على الأخذ بأسباب القوة كتصنيع الحديد و قرنائه بهذه الأركان الأربعة ( ميراث الأنبياء والكتاب والميزان والتصنيع العسكري ) نكون قد أخذنا بأسباب النصرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويكون لنا النصر بإذن القوي العزيز .
إن آية واحدة من كتاب الله لو عملت الأمة بها لكان لها التمكين في الأرض .
( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسلهُ بالغيب إن الله لقوي عزيز ) . سورة الحديد الآية 25
أتساءل في نفسي ...
هل نسيت الأمة أنّ في كتابها سورة الفيل ؟ .
هل نسيت الأمة المعركة الفاصلة بين طيرِ من أبابيل والفيلة ؟ .
هل نسيت الأمة أن نبيها – صلى الله عليه و سلم – ولد في عام الفيل ؟ .
هل فطن اعداؤنا أن القوات الجوية – حتى ولو كانت على مستوى طير من أبابيل - يكون لها النصر المؤزر على القوات البرية – حتى لو كانت بحجم الفيل بالنسبة لطير من الأبابيل ، ولهذا تبداء الحروب الحديثة بتدمير كل ما على الارض عن طريق القوات الجوية ثم تدخل القوات البرية شبه آمنة .
هل نسيت الأمة حرب النجوم الذي كان يتغنى به أعداؤنا ربما أنها أغنية سقونا من خلالها الخمر والسكر حتى لا نفيق من سباتنا العميق وما أن تم استعدادهم حتى انقضوا علينا يحاربونا بطائراتهم وهي لاتبدوا للعين سوى شبه نجوم
اللهم اجعلنا هادين مهتدين لا ضالين ولا مضلين سلماً لأوليائك حرباً على أعدائك لا نخاف في الله لومة لائم وإنا لله إنا إليه راجعون وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد و آله وبارك .