إني مهاجر إلى الله

جمال سعد حسن ماضي

[email protected]

ليست الهجرة مرة في العمر , وليست الهجرة من مكان إلى آخر , بل هي هجرة في كل لحظة , مادامت إلى الله , فهي استمساك بالدين , ودعوة إلى الله , والتزام بالأخلاق , ومواجهة للفتن , وتحقق بالإيمان وتحصن بالتقوى , فليكن شعار مرحلتنا اليوم  :

( إني مهاجر إلى الله )

فهل نحن قادرون على ترك السيئات ؟ ومفارقة المعيقات ؟ والخروج من المثبطات ؟ , ما كانت كلمة الهجرة ترد في القرآن أكثر من عشرين مرة , إلا لحكمة أراد الله منا , أن نفهمها , ونتدبرها , وننفذها , فهي مخرجنا اليوم مما يحاصرنا من صعاب وأزمات .

 حيث نعلن  :

 رفضنا لغير التمسك بديننا منهجاً للحياة , ولو تعاظمت الأقاويل , وكثر العصاة , فقول الله الصريح : ( واصبر على ما يقولون , واهجرهم هجراً جميلاً ) , ولو تناثرت العادات وتفاقمت الأخلاق السيئة , وانتشرت المعاصي وتقابحت الذنوب , فنداء الله القريب : ( والرجز فاهجر ) , ولو تخبطت بنا المواقف , وادلهمت بنا الحوادث , فصوت القرآن يطمئن القلوب : ( ومن يخرج من بيته مهاجراً , ثم يدركه الموت , فقد وقع أجره على الله ( النساء 100 .

ففي الهجرة حياتنا :

 وفي الهجرة انطلاقنا , من الكسل إلى التضحية , ومن التواني إلى البذل , ومن الإدّعاء إلى الصدق , فبشارة الله تستقبل المهاجرين : ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم , وأوذوا في سبيلي , وقاتلوا وقتلوا , لأكفرن عنهم سيئاتهم , ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار , ثواباً من عند الله , والله عنده حسن الثواب ) آل عمران 195 , ( والذين هاجروا في الله , من بعد ما ظلموا , لنبوئنهم في الدنيا حسنة , ولأجر الآخرة أكبر , لو كانوا يعلمون ) النحل : 41 , فهل نحن للبشارة راغبون ؟ .

 ولمَ لا .. ؟

وقد عقدنا العزم على ابتغاء فضل الله ورضاه ؟ وقد تعاهدنا على نصرة الله وافتداء رسوله ؟ لنحظى بمرتبة الصادقين , في عالم يموج بالزعم , وينتصر للزيف , لنتشبه بجيل الهداة المهديين : ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم , وأموالهم , يبتغون فضلاً من الله ورضوانا , وينصرون الله ورسوله , أولئك هم الصادقون ) الحشر 41 .

 فأين أهل الإيمان العميق ؟

 أين أصحاب التكوين الدقيق ؟

 أين مُلاك العمل المتواصل ؟

 أين راغبي الدرجة العلياء ؟

(  الذين آمنوا , وهاجروا , وجاهدوا في سبيل الله , بأموالهم وأنفسهم , أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ) التوبة 20 .

إني مهاجر إلى الله :

لا هفوة صلة , بل تواصل مع كل الناس لا ينقطع , فالمهاجر الحبيب , يحذرنا : ( لا هجرة بعد ثلاث ) , أفٍ لمن لا ينهض فيواصل أحبابه , ويصفو مع خلانه , من الآن .

إني مهاجر إلى الله :

لا تهاون بُرهة , بل عمل ودعوة , وجهاد ونية , ومقاومة ونضال , فالمهاجر الحبيب , قد أفصح وأبان : ( لا هجرة بعد الفتح , ولكن جهاد ونية ) , فعلام التواني , والمتربصون لا ينامون ؟

إني مهاجر إلى الله :

 لا غفلة خفقة , بل قلب حي , وفؤاد مستيقظ , وروح وثابة , فالمهاجر الحبيب , يعلمنا ويربينا ويزكينا , فيقول صلي الله عليه وسلم  : ( ومن الناس من لا يذكر الله إلا مهاجراً ) , يريد هجران القلب , وترك الإخلاص , في الذكر والمناجاة , وكذلك يرشدنا , فيقول صلي الله عليه وسلم : ( لا يسمعون القرآن إلا هجراً ) , يريد الترك والإعراض عن فهم معانيه , فهل نحن منتبهون لقوله تعالى : ( وقال الرسول : يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) الفرقان : 30.

إني مهاجر إلى الله :

لا توقف لحظة , بل استمرار دائم , فلا عذر مع نَفَس نبديه , فالمهاجر الحبيب يقول : ( لا تنقطع الهجرة , حتى تنقطع التوبة , ولا تنقطع التوبة حتي تخرج الشمس من مغربها )  , فهل هجرتنا عارضة أم دائمة ؟ وهل هجرتنا ممدودة أم مقطوعة ؟ .

إني مهاجر إلى الله :

لا تراجع حال , بل هجران لكل ما يكرهه الله , إلى ما يحبه الله , فهي هجرة كل وقت , والتقهقر فيها محال , فالمهاجر الحبيب , قد أرسى القاعدة : ( المهاجر مَنْ هجر ما نهى الله عنه ) , فهل تحركت إرادتنا , وقويت عزيمتنا , وعلت همتنا ؟ .

إني مهاجر إلى الله :

نجعلها شعارنا من اليوم , ونرددها في كل حين , ونطرب لها في كل لحظة , ونتأسي بشيخ الأنبياء إبراهيم , عليه وعلى مهاجرنا الحبيب الصلاة والتسليم , وهو يقول : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) أي مهاجر إلى ربي سيهدين , وصدق الله العظيم : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا , وإن الله لمع المحسنين ) العنكبوت : 66 .