خواطر حاج
خواطر حاج
البحث عن المشعر الحرام
د. نعيم محمد عبد الغني
المشعر الحرام مسجد بمزدلفة التي سميت باسم الحدث الذي يكون فيها؛ فمعناها الاجتماع، أو جمع، والناس يجتمعون بها ليلة الأضحى ويجمعون فيها بين المغرب والعشاء ثم يبيتون حتى تسفر الشمس، لينطلقوا بعدها إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى.
وقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم فيها عند المشعر الحرام ثم قال: (هذا الموقف، وكل مزدلفة موقف). وفي لفظ (وجمع كلها موقف).
والمشعر الحرام ورد ذكره في قوله تعالى: (فإذا قضيتم
مناسككم فاذكروا الله عند المشعر الحرام) وذكره النبي صلى الله عليه وسلم
فقال في الحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، فحمد الله، وأثنى عليه.
ثم قال: (أما بعد، فإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من
ها هنا عند غروب الشمس، حين تكون الشمس على رؤوس الجبال، مثل عمائم الرجال على
رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع
الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها، فهدينا مخالف لهديهم).
ذهبت إلى مزدلفة فصليت المغرب والعشاء بها إماما قارئا آيات الحج والنسك في هذا المكان، وبعد الصلاة جلست مع الرفقة التي كنت أسير معها فمنهم من أخذ بالرخصة ولم يبت الليل كله بمزدلفة، وآخرون رفضوا الأخد بالرخصة؛ لأنهم ليسوا من ذوي الأعذار وكنت واحدا منهم، فقلت لهم: لست متشددا فالنبي قال إن مزدلفة كلها موقف، ولكني أريد أن أستشعر وقوف الرسول في هذا المكان، فذهبت معي طائفة من الشباب نمشي تحت قيادة أحدهم الذي قال إني أعرف المشعر الحرام، فتبعناه حتى وصلنا على حدود منى، وضللنا طريق المشعر الحرام، وعندها تعبنا من المشي، وقرر الجميع الوقوف قرب نهاية مزدلفة لينطلقوا إلى منى بعد صلاة الفجر. قلت لهم ولكن لعلي لا أستطيع العودة إلى هنا مرة أخرى، وسأذهب إلى المشعر الحرام.
مشيت إلى المشعر الحرام سائلا الشرطة فلم يعلم أحد ما معنى المشعر الحرام، ولا مكانه، إلا أن بعضهم يعلم أن بمزدلفة مسجدا وحيدا، فقلت لعله هو، وظللت أسير في طرقات مزدلفة المليئة بالحجاج الذين لبسوا جميعا ثيابا بيضاء ومنهم النائم، والقائم يذكر الله، وظللت أسير تارة في النور وأخرى الظلام وتارة في طرق خالية وأخرى في الزحام؛ حتى وصلت بعد مشي استمر ما يزيد على ساعة ووصلت إلى بغيتي المشعر الحرام الذي جهله حتى الذين يجلسون بجواره.
تفحصت المسجد جيدا، فوجدت اللوحة مكتوب فوقها المشعر الحرام، فسررت لأني وجدت بغيتي، وقررت الدخول إلى المسجد لعلي أجد مكانا أصلي فيه أو أنام فيه قليلا، فوجدت طوفانا كبيرا من الحجاج يملأ المسجد الذي لم تغن المكيفات في تلطيف أجوائه شيئا، فخشيت على نفسي من إصابة بعدوى أو مرض يقعدني عن إكمال المناسك، وخرجت بعد أن ألقيت نظرة سريعة على المسجد من الداخل، فهو على شكل مستطيل طويل، لم أعرف لون سجاده لأنه فرش بالحجاج المتلاصقين، واكتفيت بالوقوف عند المشعر الحرام دقائق معدودات ثم رجعت أدراجي إلى حيث يقطن رفقائي، فاستوقفني أحد الحجاج الجالسين عن المشعر الحرام لا يتكلم العربية ولا الإنجليزية ويبدو أنه من باكستان أو من شبه القارة الهندية، فحاولت إفهامه أنه طبق السنة ووقف حيث وقف النبي ولا أدري إن كان فهم كلامي أم لا إلا أنه عندما قلت النبي، تمتم مبتسما فرحا صلى الله عليه وسلم وابتسمنا ثم افترقنا، وحاولت بعدها أن أسلك طريقا مختصرا إلى القرب من منى حيث يجلس رفقاء الرحلة ولكن يبدو أن الله أنعم علي في رحلة البحث بطريق مختصر، فلم يكن الإياب بأقصر من الذهاب، إلا أني عدت متعب الجسم، ولكني كنت فرحا، بما ظفرت به، إلى أن نمت قبيل الفجر قليلا ثم انطلقت إلى رمي جمرة العقبة الكبرى، وبعدها طرت فرحا بأن منَّ الله علي بنعمة الحج ولم يتبق لي إلا السعي والطواف والحلق أو التقصير ليتم الله علي حجة الإسلام الأولى.
لقد رأيت في مزدلفة معنى المساواة بين الغني والفقير، فالكل فيها سواء، فبعض الأغنياء اتخذ لنفسه حجرة خاصة في عرفات ومنى، بها كل وسائل الراحة والرفاهية، ولكنهم في مزدلفة نزلوا إلى العراء وناموا على الأرض وتساوى الكل، فلم تعد تميز بين رفيع ووضيع، فالكل سواء في هذه اللحظات؛ لتتحقق بعض مقاصد الحج في المساواة بين الناس كأسنان المشط في مشعر مزدلفة