إنه ينادينا -14
إنه ينادينا -14
د.عثمان قدري مكانسي
خوطب أهل الكتاب في هذه السورة – سورة المائدة - خمس مرات أن يؤمنوا بالله الواحد ويصدّقوا النبي محمداً عليه الصلاة والسلام . وأن لا يغالوا في دينهم فيخرجوا إلى الإشراك، وأنهم بدلوا دينهم فغيّروا وغلبهم الهوى ، ولو ظلت كتبهم سليمة غير محرفة لعلموا أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم حقٌّ فاتبعوه، لكنهم فسقوا وضلوا ،وطغوا وبغوا.
1- يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15)
2- يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
3- قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
4- قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)
5- قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77)
ونودي المؤمنون في سورة المائدة ست عشرة مرة راوحت بين :
ما فرض عليهم في الحج و وجوب الطاعة في ذلك ،
والطهارة للصلاة.
والامتناع عن الصيد في الحج، وعقوبة ذلك.
وأن يشهدوا بالقسط.
وأن يشكروا نعمة الله عليهم.
وأن يجاهدوا في سبيل الله .
وأن لا يأمنوا إلى أعداء الله .
وأن يثبتوا على الإيمان الحق
وأن يبتغوا الوسيلة إلى الله .
وأن يجاهدوا في سبيل الله .
وأن لايُلحوا في الاسئلة ، بل ينتظرون ما يقوله الرسول لهم.
وأن يكونوا دعاة إلى الله .
وأن يشهدوا بالحق فيصل المال لى أصحابه الشرعيين.
1- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)
أتى رجلٌ عبد الله بن مسعود فقال : اعهد إلي. فقال إذا سمعت الله يقول " يا أيها الذين آمنوا" فأرِعْها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه . وهذه لفتة رائعة من مُرَبٍّ مشهود له بالفهم والدراية وحسن الصحبة .
وإذا سألنا عن العهود فهي ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حدَّ في القرآن كله ،فلا غدر ولا نُكثَ ثم شدد القرآن في ذلك فقال تعالى " والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل " ويدخل فيها ما أحل الله وحرم وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم . وعلمنا الالتزام بالنظام من أوامر ونواهٍ ، فإذا سألنا عن السبب في هذه الأوامر والنواهي فالجواب أننا عباد لله نفعل ما نُؤمر وننتهي عما نُهينا عنه. وما يريد الله تعالى بنا إلا الخير سبحانه من لطيف بعباده.
2- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
فإذا وفّينا بالعقود لزمنا حدود الله فلم نتعدّها وعملنا بما رسمه لنا من شعائرالله ومناسك ، فلا قتال في الأشهر الحرُم " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير.." إلا إذا استبيحت بيضة المسلمين فيها. وهذا ما يفعله الكفار في المسلمين إذ لا عهد للمشركين ولا ذمّة
وعلى الحجاج أن لا يتركوا الإهداء إلى البيت الحرام فإن فيه تعظيم شعائر الله ويميزونها عما عداها من الأنعام ليُعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتشجعُ على الإهداء إلى البيت بمثلها ،لما حج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين ثم أشعر هديه وقلده وأهلَّ للحج والعمرة وكان هديه إبلا كثيرة تنوف على الستين من أحسن الأشكال فكان هذا تعظيماً لله " ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"
كان أهل الجاهلية يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون فنهى الله عن قطع شجره. ومن امّ البيت الحرام من المشركين فلا يُستحل قتاله وقد نُسخ هذا الحكم بقوله تعالى تعالى" يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " وقد أمّرَ رسولُ الله الصديق ثم أمر علياً أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان لقوله تعالى " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر " فنفى المشركين من المسجد الحرام ،فإذا فرغ المسلمون من إحرامهم وأحلّوا منه منه فقد أباح لهم ما حرّم عليهم في الإحرام ،
ولما منع المشركون المسلمين في الحديبية من العمرة أراد المسلمون بعد فتح مكة أن يقتصوا منهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك" ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا " وقال بعض السلف : ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه والعدل به قامت السموات والأرض.
ويأمرنا الله تعالى أن نتعاون على فعل الخيرات من البر وترك المنكرات يأمرنا بالتقوى وينهانا عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم.
ومن التناصر قولُه صلى الله عليه وسلم - " انصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما ؟ قال تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره " . وما أروع قوله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " .ورأس الأمر في هذا التقوى ، وقد افلح من كان تقياً.
3- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
يريد الله تعالى بنا اليسر ويحضنا على الطهر، فنشكره، فيتم نعمته علينا. ولا بدّ للصلاة من طهارة ووضوء فإذا عزَ الماءُ فالتيمم يجزئ ولكل مريض يؤذيه الماء أن يتيمم أو يمسح على الجبيرة ،وملامسة النساء غير لمسهنّ فالملامسةُ أكثر عرضة لنقض الوضوء ففيه التفاعل بين الطرفين وللمسافر أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام غير المقيم فله المسح خمس صلوات،وشُرع التيمم ليُزل المولى سبحانه الحرج عن عباده ،فيبقى المسلم على اتصال بخالقه في صلاته المكتوبة وقراءته القرآنَ.
4- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)
من سمات المسلم أن يحكّم الحق في كل تصرفاته وانفعالاته حتى مع أعدائه أو ظاميه، ويريد المولى لنا أن نكون قوامين بالحق للحقّ لا للسمعة والرياء وأن نشهد بالعدل وننبذ الجور حتى في صغار الأمور وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال : نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال : أكل ولدك نحلت مثله ؟ قال لا قال : " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم - وقال - إني لا أشهد على جور " قال : فرجع أبي فرد تلك الصدقة ، إن التقوى تتجلى في إحقاق العدل بين الناس جميعاً أحببتَهم أم كرهتَهم،لذا قال تعالى" اعدلوا هو أقرب للتقوى " والتقوى سمة المؤمنين وعنوان الرجال العاملين.
5- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا( للقيلولة) وتفرق الناس في العضاه( شجر الصحراء) يستظلون تحتها وعلق النبي سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يمنعك مني قال : الله عز وجل قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : الله قال فشام الأعرابي السيف ،( تركه)فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه.
أما بنو النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ووكلوا عمرو بن جحش بن كعب بذلك وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤوا عليه فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية أنّ من توكل على الله كفاه الله ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدوا إليهم فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم .
فإذا عرفنا نعمة الله وحفظناها ،وتوكلنا على الله كان معنا وكفّ أيدي الناس عنا.وما أحوجنا هذه الأيام إلى ذلك.
6- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
يأمرنا الله تعالى في هذه الآية بثلاثة أمور :
1- تقوى الله سبحانه وتعالى ، والأمر بالتقوى يتكرر دائماً لأنه السبيل السليم الصحيح لرضا الله تعالى
2- وأمر بعدها بطاعته فهي الوسيلة إلى مرضاته" وابتغوا إليه الوسيلة"وهي التقرب إليه " أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة " وهذا الذي قاله الأئمة والوسيلة ما يُتوصل بها إلى تحصيل المقصود ،والوسيلة أيضا أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وداره في الجنة وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة "
3-وأمر بالجهاد ،قال ابن كثير :لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم والتاركين للدين القويم ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة : من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة الحسنة مناظرها الطيبة مساكنها التي من سكنها ينعم لا ييأس ويحيا لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه.
7- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
موالاة اليهود والنصارى الذين –و هم أعداء الإسلام وأهله – انحراف خطير،يقع فيه من لم يخالط الإيمان قلبه ،فهؤلاء اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض فمن تولهم وأطاعهم فقد دخل في زمرتهم وباء بالخسران ، إنه تهديد ووعيد يقصمان الظهر ويؤديان إلى غضب المولى " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "
وقد أمرعمرُ أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد( كتاب واحد)وكان لأبي موسى كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال : إن هذا لحفيظ هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام فقال : إنه لا يستطيع فقال عمر : أجنب هو قال لا بل نصراني قال : فانتهرني وضرب فخذي ثم قال : أخرجوه ثم قرأ " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" وأبو موسى استعمله ولم يوالِه ، فماذا نقول بمن أحبهم وأطاعهم وأعانهم على المسلمين وكان في صفوفهم يضرب بسيوفهم؟!
8- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
إنّ من يودُّ أهل الكتاب على ودّ المسلمين ويخدم مصالحهم ويعمل بامرهم خائن لله ولرسوله وللمؤمنين ، نصرَ غيرَ المسلمين ووالى أعداءهم ، فماذا بقي له من الإسلام ؟ ، لقد جاءت هذه الآية بعد أختها مباشرة لتوضح أن أمثال هؤلاء في خانة المرتدين ،فمن تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خيرٌ لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا يحبهم الله تعالى ويبادلونه سبحانه حباً بحب وينصرونه وينصرون دينهم وإخوانهم ويعملون لخدمتهم بكل إخلاص ويدفعون عنهم أذى أعدائهم ويجاهدون في سبيل الله
هذه صفات الكمال في المؤمنين، أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه ،وصد ق فيهم قولُه تعالى " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " وفي صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه وقوله " عز وجل يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم "
قال ابن كثير رحمه الله: لا يردهم - عما هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل. عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم " تفرد به" أحمد وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقالٌ فلا يقول فيه. فيقال له يوم القيامة : ما منعك أن تكون قلت في كذا وكذا ؟ فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف . ورواه ابن ماجه
إن الثبات على الحق والعمل به والدفاع عنه ورفع رايته سمات المؤمن الذي هداه الله إليه ورزقه الخير ، نسأل الله أن يزينّا بالحق ويجعلنا من أهله.
9- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)
وكيف يوالي المسلم – لوكان مسلماً حقاً – من يهزأ بدينه ويسخر منه ويظهر عداوته للإسلام وأهله جهاراً نهاراً إلا إذا كان مسخاً ليس في قلبه ذرة من إيمان ، ألم يصفهم المولى سبحانه بالغدر وسوء الطوية ( لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ،وأولئك هم المعتدون) إن التقيّ من يوالي الله ورسوله والمؤمنين ، فهل نعي هذا؟ وقد فعل اليهود ما نُهينا عنه ونُهوا عنه فعجّل الله تعالى لهم العقوبة في الدنيا فجعلهم قردة وخنازير فكانوا عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال تعالى :
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (60)
10- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87)
وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
عن عائشة رضي الله عنها أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في الدنيا فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء وقال بعضهم لا أنام على فراش فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما بال أقوام يقول أحدهم كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأنام وأقوم وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " فنزلت" يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم "
إن الله تعالى أعلم بنا منا فهو خالقنا وفرض علينا ما ينفعنا ونهانا عمّا يضرنا، والعمل بشرعه إرضاء له سبحانه والبعد عن ذلك اعتداء على أمره وعصيان له فمن بالغ في التضييق على نفسه بتحريم المباحات فحرم الحلال فقد اعتدى على حق الله تعالى
بل نأخذ من الحلال ما يكفينا، ولا نتجاوز فيه الحد ،إن الله تعالى يقول: " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا" ومدح المقسطين فقال: " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " فلا إفراط ولا تفريط بل يسر وتسهيل ما لم نتجاوز ذلك.
11- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91)
وللحفاظ على الإنسان ، عقله وصحته وماله ودينه وضح الله تعالى ضرر الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وقال : إنه من عمل عدوّنا وعدوّ الإنسانية ( الشيطان ) الذي نذر نفسه أن يضل الناس جميعاً فيدخلوا معه جهنّم والعياذ بالله . فالخمر يُذهب العقل – والعقل زينة ابن آدم- ومن ضيّع عقله استوى والحيوان ، فآذى نفسه وغيره ، والميسر يبذر العداوة ويزرع الكره والبغضاء في المجتمعات ، فيأكل الناسُ بعضُهم أموال بعض ، وتأخذهم حُميّا الميسر للاستمرار في تضييع الوقت – وهو العمر الذي ينبغي الحفاظ عليه واستغلاله بما يفيد ، فتضيع الصلاة ويضيع العمل المفيد . والأنصاب تبعد البشر عن خالقهم وتدعوهم إلى عبادة غيره ، والأزلام تعوّدهم على حياة الوهم والتواكل .
وكان تحريم الخمر والميسر على سبيل التدرّج بعد أن كان المجتمع غارقاً فيهما لا يكاد يتركهما .وهذا اسلوب تربوي رائع يستل من نفوس القوم ما اعتادوا عليه ، إنه الانتقال خطوة خطوة إلى سبيل الهداية والنور ، فلما جاء السؤال المشوب بالنهي قالوا : انتهينا ، انتهينا .
12- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
لا بدّ من الابتلاء والاختبار ، هكذا الحياة ، وهكذا يعيش المرء إلى أن يلقى ربّه، وكان الصيد دَيدَن العرب وسمة حياتهم، فابتلاهم الله فيه مع الإحرام والحرم , كما ابتلى بني إسرائيل في ألا يعتدوا في السبت , ابتلاهم ببعض الصيد وهو الصيد البريُّ فقط فمن التزم أثبت تقواه حين خاف ربه فأطاعه ، ومع الطاعة يربح المرء رضا الكريم ، ومع العصيان العقوبة .لا بدّ من الثواب والعقاب.
13- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور " وما عدا ذلك فلا يجوز مما يُؤكل ويدخل في الكلب العقور الحيوانات المفترسة ، ويدخل مع العقرب الحيّةُ يقتلها المحرم في الحرم. فإن فعل قدّم هدياً مثليّاً في الحرم أو وزّع ثمنه بين فقرائه، يحكم بالجزاء في المثل أو بالقيمة في غير المثل عدلان من المسلمين ، فإن لم يجد صام وللعلماء آراء في الصيام حسب حجم الحيوان المرميّ " عفا الله عما سلف " في ايام الجاهلية ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة ، ونلاحظ التشديد في العقوبة فالله عزيز ذو انتقام يفعل ما يشاء .
14- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101)
من الأدب الذي أدب الله تعالى به عباده المؤمنين أن لا يسألوا عن أشياء لم تُذكر لهم ولم تُفرض عليهم ، فقد تسوءهم إن ظهرتْ ويشق عليهم سماعها ،فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال " لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم " فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه فقال يا نبي الله من أبي ؟ قال " أبوك حذافة " قال ثم قام عمر أو قال فأنشأ عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا عائذا بالله أو قال أعوذ بالله من شر الفتن قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لم أر في الخير والشر كاليوم قط صورت الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط" أخرجاه من طريق سعيد ورواه معمر عن الزهري عن أنس بنحو ذلك أو قريبا منه . قال الزهري : فقالت أم عبد الله بن حذافة ما رأيت ولدا أعق منك قط أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رءوس الناس فقال والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . ولما نزلت هذه الآية " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قالوا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي كل عام ؟ فسكت قال : ثم قالوا أفي كل عام ؟ فقال " لا ولو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم " فأنزل الله هذه الآية تنبه المسلمين إلى عدم اللجاجة في السؤال
15- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
واجب المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم ويفعلوا الخير ما وسعهم ، فمن أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس. كل امرئ بما كسب رهين، إن خيرا فخير وإن شرا فشر وعلى المسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكنا .
قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " وإنكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه "وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودعِ العوام فإن من ورائكم أياما ،الصابرُ فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون كعملكم
وقال سعيد بن المسيب : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فلا يضرك من ضل إذا اهتديت . رواه ابن جرير .
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم إلى يوم القيامة.
16- يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ (106)
قد يدرك الموتُ الرجل في طريق سفره أو تجارته ، فيعطي المال لرجلين يظنهما قادرين على إيصال المال إلى ورثته فإذا ارتاب أهل الميت بكلامهما ساءلوهما بعد صلاة العصرعند اجتماع المصلين، فيحلفان بالله أنهما ما خانا ولاغلاّ فيحلفان حينئذ باللهأنهما لا يبيعان الآخرة الباقية بالدنيا الزائلة وأنهما لا يكتمان شهادة الله، فإن فعلا فإنهما آثمان، ولن يكونا كذلك.
فلا بدّ من التمحيص واستجلاء الأمور ، كما أن المسلم يحسب للآخرة حسابها ويحرص على رضا الله وعفوه وغفرانه حيث لا ينفع - هناك - مال ولا بنون.
إنه سبحانه وتعالى ينادينا ، ويحثنا على طاعته فهل سمعنا النداء؟!