القواعد السنية في بناء السعادة الزوجية

خواطر متفرقة

القواعد السنية في بناء السعادة الزوجية

أحمد أحمد عبد الجواد

الشواشنة / الفيوم / مصر

الخاطرة الأولى :-

السعادة الزوجية بناء جميل وقصر منيف  تقوم أركانه ويستند بناؤه إلى قواعد مستمدة من الدين الحنيف ، نوجزها فيما يلي :-

القاعدة الأولى : ( بركات الطاعة ) :-

 أهناك أسعد من المطيع لسيده ومولاه ؟ ! لا .. وألف لا ، فالطاعة مجلبة الرضا ، والرضا سر السعادة ، فإذا رضي الله عن عبد يسر له أمره وجمع عليه شمله وملأ صدره طمأنينة وثقة فيما عند الله ، فلا يقلق على الغد القادم ولا يحزن على الماضي المنصرم ولا يغتم بحاضره .

إن العبد المطيع يسير في رحاب الوهاب وهو يأخذ بالأسباب وقلبه متعلق بربه ، مطمئن إلى فضله وعدله ، فإذا استحضر الزوجان بركات الطاعة ، وعلما أن لها نوراً في الوجه وانشراحاً في الصدر ، ومحبة في قلوب الخلق ، وبركة في الرزق والأجل على السواء حرصا عليها ولم يفرطا فيها ، وبهذا ينالان السعادة من أوسع أبوابها ، ولله در القائل :

ولست أرى السعادة جمع مال        ولكن التقي هو السعيد

القاعدة الثانية : ( الحياة أخذ وعطاء ) :-

هنالك من الأزواج من يرى أن الحياة أخذ فقط ، فهو يعيش ليأخذ كل ماله ، والويل – كل الويل – لمن قصر في حقه ، وأما ما لغيره عليه فلا يفكر فيه إلا مع الإلحاح والضغط النفسيين ، فالزوج الذي لا يرى للزوجة حقاً عليه بينما يرى أن الحق – كل الحق – لهو زوج لا يفهم طبيعة الحياة ، والزوجة التي لا ترى في زوجها إلا المطعم الكاسي القائم بأعباء الأولاد كأنه علاف فقط ، زوجة تجهل طبيعة الحياة الزوجية ولا تعرف قدرها ومقدارها .

إن الحياة الزوجية حقوق وواجبات ، فالحق يقابله الواجب ، فمن الظلم أن ترى السعادة في أخذ حقك ممن لك عليه الحق ، ولا ترى أن سعادة غيرك أيضاً في أداء الواجب الذي له عليك .

إنها القسمة الضيزى والمعاملة الآثمة والكيل بمكيالين ، إنه التطفيف الذي ذم الله أهله في قوله تعالى : " ويل للمطففين ، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون " .

ألا فليتق الله الزوجان ، وليقم كل منهما بحق صاحبه ، وليعلما أن معادلة السعادة الزوجية موجزة في تلك العبارة : " أعط لتأخذ " .

إننا لنذهب إلى أبعد من هذا ، فنقرر أن الحياة الزوجية تغمرها السعادة إذا قامت على أساس الفضل لا العدل  ، وصدق الله : " ولا تنسوا الفضل بينكم " ، إنها أكبر من أن تكون شركة تجارية ، إنها بيت المسلم وأسرة قوامها المودة والرحمة ، وليست مجرد حقوق وواجبات .     

***************************

الخاطرة الثانية :-

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ...... وبعد ............

فنحن مع استكمال قواعد بناء السعادة في الأسرة المسلمة .........

القاعدة الثالثة : ( إذا لم تجد ما تحب فأحب ما تجد ) :-

كثير من الأزواج حين يفشلون في تحقيق سعادة لأنفسهم وأولادهم ، يلقون تبعة ذلك على الزوجة ويرجعون إليها أسباب الفشل في تحقيق الحلم المنشود وهو السعادة الزوجية ، وإذا سألته : لماذا جعلت الزوجة سبباً في الفشل ؟ أجابك بقوله : لأنني لم أجد فيها ما كنت أنشده من الآمال والأحلام ، ونقول : إن هذا عذر أقبح من الذنب ، فهو يريد أن يخدعنا بدعوى أنه كان يجهل صاحبته التي مكث معها فترة خطبة وتعرف عليها بما يكفي لإبطال دعواه ، وعلى فرض أن فترة الخطبة لم تك كافية ، فإن عذره لا ينبغي أن يكون سبباً في الوصول للفشل ، لأن الناجح من الناس حقاً هو الذي يستثمر الممكن المتاح ليصبح فرصاً سهلة لتحقيق النجاح في الحياة ، والزوج والزوجة ليسا آلة صماء مبرمجة على وضع معين لا تحيد عنه ، بل هما نفس بشرية فيها استعداد للخير والشر ، كما قال تعالى : " فألهمها فجورها وتقواها " ، والفالح من يبذل الجهد لتزكية نفس صاحبه بلا يأس ولا ملل ، والزوج الماهر الناجح هو الذي يحب ما يجد من الخير عند زوجته وإن كان قليلاً ويقوم بتنميته وتزكيته وتسليط الأضواء عليه حتى يكبر وينمو فيتضاءل بجواره ما عندها من الشر ، وبهذا يخطو البيت خطواته ناحية السعادة ، ومن سار على الدرب وصل ، وبنحو هذا تقوم الزوجة الناجحة ، فليس هناك أقبح من سلاح التشهير ، كما أنه ليس هناك أجمل من دواء الستر والصبر وسياسة النفس الطويل .

القاعدة الرابعة : ( ضعي أصابعك في أذنيك ) :  

من النساء من همها نقل أخبار البيوت إلى غيرها من حيث سعة العيش ورغده بعبارات تنم في الغالب عن حسد لمن تنقل عنهم الأخبار ، فهي تأتي جارتها التي تعيش الحياة راضية بما قسمه الله لها ولزوجها من العيش ، فتقول لها تلك الإذاعة المتحركة : فلانة عندها في الثلاجة والمطبخ ، وزوجها يدخل كل يوم محملاً بما لذ وطاب من طعام وشراب ، ونحن ننظر – كان الله في عوننا -، وتظل تدندن بهذا الحديث حتى يتغير قلب هذه الراضية وتصبح ناقمة ساخطة ، وتبدأ في مقارنة حال بحال ، مقارنة يضيع معها الحمد ويتوارى الرضا ويحل السخط الذي ربما أدى في النهاية إلى الكفر والشك ، نسأل الله العافية .

لذلك ننصح الزوجات المسلمات أن يضعن أصابعهن في آذانهن أمام هذه الإذاعات المسممة للحياة والأحياء وليذكرن وصية النبي للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري بأن ينظر في الدنيا لمن هو دونه ، وفي الدين والآخرة لمن هو فوقه ، وهو بهذا يضمن دوام الشكر والاجتهاد في طلب الرضا من الله عز وجل ، وهذه هي السعادة في أسمى معانيها .

القاعدة الخامسة : ( دوام أداء الواجب لا يتوقف على حصول الشكر ) :-  

وهذه قاعدة هامة في تحقيق السعادة ، فقد تبتلى الزوجة بزوج لم يفقه حديث رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله " ، فهو لا يعترف لها بفضل ، ولا يثني على جهد تبذله ، وربما كان ذلك سبباً في توقفها عن عطائها ، لكننا نقول لها : لا تقفي وواصلي أداء الواجب ، حصل الشكر أم لم يحصل فأنت مأجورة من الله على كل حال .

وكذلك الزوج إذا ابتلي بزوجة تجحد فضله ، عليه أن يواصل أداء الواجب ، ولا عليه بعد ذلك شكرت له أم لم تشكر ، وليعتبر كل منهما صاحبه بلاءً وامتحاناً يصل بالصبر عليه لأحسن العمل وأحسن الجزاء ، وليتذكر كل منهما قول الله تعالى : " ليبلوكم أيكم أحسن عملاً " .

**************************

   الخاطرة الثالثة : -

 الأسرة الزوجية بنيان عظيم تزداد عظمته ويشتد تماسكه إذا اتخذ طرفاه – الزوج والزوجة – المودة والرحمة منهجاً للتعامل ، ذلك لأنهما ملاط البناء الذي إذا زال انهار ، وإن وجد تماسك وأصبح شامخاً .

فما المودة ؟ وما الرحمة ؟ وكيف نحافظ عليهما ؟

قال الإمام السدي المفسر المعروف : المودة المحبة والرحمة الشفقة ، وقال ابن عباس : المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها بسوء ، وقال أيضاً : المودة الجماع والرحمة الولد ، قلت : ولعل هذا من تسمية الشئ بأثره وما ينتج عنه لأن الولد لا دخل لأحد فيه ، إنما هو رحمة من الله بهما .

والمودة والرحمة اللتان جعلهما الله بين الزوجين هما المحبة والرأفة كما يقول العلامة ابن كثير ، وأما صاحب الظلال – رحمه الله – فله تعبيره الخاص حيث يقول : والناس يعرفون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصلة بين الجنسين وتدفع خطاهم وتحرك نشاطهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتجاهات بين الرجل والمرأة ولكنهم قلما يتذكرون يد الله التي خلقت لهم من أنفسهم أزواجاً وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر وجعلت تلك الصلة سكناً للنفس والعصب وراحة للجسم والقلب واستقراراً للحياة والمعاش وأنساً للأرواح والضمائر واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء ، والتعبير القرآني اللطيف الرقيق يصور هذه الصورة تصويراً موحياً كأنما يلتقط من الأعماق في القلب وأغوار الحس " لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ( الروم 21 ) .

وقد ختم الله الآية بقوله :" إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ليؤكد – والله أعلم – أن الغاية من الزواج ليست مجرد قضاء الشهوة ، فهذا يحصل من البهائم ، بل لإيجاد نسل عاقل مفكر يتفكر في عظمة الخالق ويقوم بعبادته ، لهذا ناسب أن يكون الختام : " لقوم يتفكرون " .

وحتى تدوم المحبة والمودة وتستمر الرحمة لا بد من الحرص على الآتي : -

1-      ترك العتاب أو تقليله ما أمكن : لأن العتاب يوغر الصدور ويفتح للمكروه كل باب وخصوصاً إذا كان في جو مشحون بالغضب أو بألفاظ لم يحالفها حسن اللياقة والأدب .

2-      التغافل عن العيوب ما لم تكن قادحة مدمرة : فالتغافل تسعة أعشار حسن الخلق كما قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، والبحث عن تافه الأمور والمعاتبة عليها لا يبقي على ود صديق ولا حب رفيق لأنه لا يوجد أحد بلا خطأ أبداً ، ورحم الله من قال :

من ذا الذي ما ساء قط ؟                ومن له الحسنى فقط ؟

فهل لك – أيها الزوج – أن تتخلق بخلق رسولك ؟ وهل لك – أيتها الزوجة – أن تتخلقي بخلق رسولك – صلى الله عليه وسلم - ؟ ، فقد كان لا يواجه أحداً بشئ يكرهه . رواه أبو داوود والترمذي والنسائي .

3- معاونة الزوج زوجته وحرص كل منهما على مشاعر صاحبه وانتقاء أحسن الكلام كما تنتقى أطايب الثمر .

والخلاصة : إن المعاشرة بالمعروف من أعظم ما يديم المودة ويبعث على الرحمة ، وقد امرنا الله بها في كتابه العزيز حيث قال : " وعاشروهن بالمعروف ".