رسائل المراقب العام
الرسالة الحادية والثلاثون
في 17 من ربيع الثاني 1430 الموافق 13 من نيسان 2009
تعالوا بنا نؤمن ساعة..
من المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية، إلى إخوته وأخواته أبناء الجماعة وأنصارها وأصدقائها في كلّ مكان.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأحمدُ الله إليكم، وأصلّي وأسلّمُ على حبيبنا وقُدوتنا سيدنا محمدٍ سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهَدْيهم إلى يوم الدين..
أما بعدُ أيها الإخوةُ الأحبةُ والأخوات.. فقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسكُ أحدُهم بيد أخيه قائلاً: اجلسْ بنا يا أخي نؤمنْ ساعة.. وجلسةُ الإيمان تلك، لم تكن في تعليم جاهل، أو تنبيه غافل، إنما كانت في استحضارٍ لحقائق الإيمان، ومباني الإسلام، في إطار الذكرى التي أمر الله بها، وقال إنها تنفع المؤمنين (وذكّرْ فإن الذكرى تنفعُ المؤمنين)..
أيها الإخوةُ الأحباب.. لقد اجتازت جماعتُنا بعون الله وفضله، ثم بوعي أبنائها وتماسكهم وتلاحمهم، وصبرهم ومصابرتهم، أطولَ وأقسى محنةٍ تمرّ بها حركةٌ إسلاميةٌ في العصر الحديث.. فعلى مدار ثلاثين عاماً هي عمرُ المحنةِ بأبعادها، والقرحِ بعمقه وآلامه.. ثبتَتْ جماعتكم في معركة بقائها، وانتصرتْ في الدفاع عن وجودها، وقاومَتْ مشروعاتِ تفتيتها وتذويبها، مع مكر السوء وتقلّب الأحوال..
وإنه لمن طبائع العقول وحقائق الأشياء، أن تنشأ التبايناتُ في الرؤية وفي الفهم وفي التقدير، وفي احتساب المصالح والمفاسد في كلّ أمرٍ قابلٍ للاجتهاد.. ويكونُ العاصمُ دائماً في حسم هذه التباينات، وتبيّنِ ما يقاربُ الحقّ فيها، هو الشورى في أهلها المتمثلين في مؤسّسات الجماعة التنظيمية، وفي أهل العلم والرأي والمشورة، من خاصّة رجالِ الفكرِ والفقهِ والدعوة، في عموم بلاد المسلمين، تأكيداً لانتمائنا إلى أمة الإسلام، واستئناسنا بفقه الفقهاء ورأي الحكماء.
وإنه لمن قبيل التحدّثِ بنعمة الله علينا وفضله وتأييده، أنّ إخوانكم القائمين على أمر الجماعة، لم يندفعوا إلى قرارٍ أو موقف، إلا بعدَ تقليبٍ وتمحيص، واستئناسٍ واستشارةٍ واستخارة، لكلّ قرارٍ بحسبه وظروفه وما نظنّ أنه الأولى به..
إنه منهجٌ للشورى ارتضيناه جميعاً، ونزلنا على حكمه، وما زلنا حريصين على توسيع دائرته، واستثمارٍ أفضل لمعطياته، في ظرفٍ أنتم خيرُ من يقدّرُ عوائقَه وعواقبَه..
أيها الإخوةُ الأحبةُ والأخوات.. خلالَ ثلاثين عاماً هي عمرُ محنتنا، مرّ فيها على جماعتنا عسرٌ ويُسر، تقلّبَ بنا الزمان، واستجدّتْ لنا مواقفُ ومصالح، وكانت تنشأ في كلّ مرحلةٍ من المراحل، تبايناتٌ في التقدير، واختلافاتٌ في الرؤية، وكانت هذه الاختلافاتُ والتبايناتُ دائماً موضعَ اعتبارٍ وتقدير، ومدعاةً لإعادة النظر والتمعّن في الأمر، كما كانت توضَعُ في نصابها، تعبيراً عن واقعٍ صحيّ يجب أن يُؤسّسَ له ليستثمر، لا أن يواجَهَ ويُكبَتَ ليصبحَ مدخلاً من مداخل الشقاقِ والخلاف..
أيها الإخوةُ الأحباب.. إنها لساعةٌ للإيمان، نستذكرُ فيها المعانيَ التي تربّينا عليها، يومَ حفظنا حديثَ الصحابيّ الجليل عُبادةَ بن الصامت يخبرُنا: (بايعْنا رسولَ الله صلّى الله عليه وسلم، على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشَط والمكرَه، وعلى أثَرةٍ علينا، وعلى ألاّ ننازعَ الأمرَ أهله، إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله تعالى فيه برهان..)
وعند كلّ مفترَقٍ على طريق الدعوة الطويل، يستذكرُ الأخُ المسلمُ معانيَ هذه البيعة المباركة، فهذا أخٌ يستبدّ به عسرُ موقف، وذاك يخيّلُ إليه - وقد يكونُ محقّاً - أنه قد استُؤثرَ عليه، وثالثٌ يخالُ أن الجماعةَ إذا لم تأخُذْ برأيه فقد فارقَت الطريقَ أو جانبَت الصواب؛ ثم تنجلي في قلوب الإخوة الصادقين كلماتُ سيدنا عبادةَ ابن الصامت، رويناها وحفظناها وتربّينا عليها، لنعتصمَ بها فتعصمَنا في ساعة محنةٍ أو في موقف ضنك: في العسر واليسر.. والمنشَط والمكرَه.. وعلى أثرةٍ علينا.. وعلى ألا ننازعَ الأمرَ أهلَه..
وكلّ واحدٍ فينا قادرٌ في جلسة الإيمان التي بدأتُ بالدعوة إليها، أن يستحضرَ آفاقَ هذه البيعةِ واستحقاقاتها ومقتضياتها، وكلّ أخٍ من أبناء هذه الدعوة المباركة قادرٌ في جلسة الصدق هذه، أن يميّزَ فيما يدورُ بينه وبين نفسه وقلبه، بين لمة الملَك ولمة الشيطان. (الشيطان يعدُكم الفقرَ ويأمرُكم بالفحشاء، والله يعدُكم مغفرةً منه وفضلا، والله واسعٌ عليم).
أيها الإخوةُ الأحبةُ والأخوات.. في جلسة الصدق والإيمان هذه، نستذكرُ جميعاً النهايةَ البائسةَ لذلك الذي حدثنا القرآنُ الكريم عنه: (ومنهم من عاهدَ الله لئن آتانا من فضله لنصّدّقنّ ولنكوننّ من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به، وتولّوْا وهم معرضون، فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يومِ يلقَوْنه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون..)
إنّ يدَ الله مع الجماعة، وإنّ ما يُلقيه الشيطانُ على ألسنة البعض، من تشكيكٍ أوتلبيس، ما هو إلا من مداخلِ شياطين الجنّ والإنس، لتفتيتِ هذه الجماعة، والنيل من بركة اجتماعها ووحدتها. فلا نسمحْ للشيطان وجنودِه أن يخترقوا الصفّ المرصوص، ويفسدوا العلاقةَ الأخويةَ التي عقدها الله عزّ وجلّ بين قلوبنا، أو يزيّنوا لنا مواقفَ الفُرقةِ والانقسام، فكلّ واحدٍ منا على ثغرة، فلا تؤتيّنّ الجماعةُ من قبله. (لو أنفقتَ ما في الأرضِ جميعاً ما ألّفتَ بين قلوبهم، ولكنّ الله ألّفَ بينهم..)
وإنه لا تخفى على إخوتنا وأخواتنا - بتاريخهم وتجربتهم - إراداتُ الشرّ التي تحيطُ بالجماعة، والتي لا توفّرُ أيّ فرصةٍ للنيل من الجماعة ووحدتها وتماسكها..
وإنه من مؤشّرات التوفيق ودواعي الارتياح والبشرى، أن نُنهيَ إلى إخواننا ما استُقبِلَت به قراراتُ الجماعةِ الأخيرة، من استحسانٍ وتأييدٍ وتشجيع، من أهل ثقتنا من رجالاتِ العمل الإسلاميّ في كلّ مكان.
وإنّ من حقّ البيعةِ التي بايعْنا، والعهدِ الذي عاهدْنا، والطريقِ التي سلكْنا، والأخوّة التي جمعتْنا على غيرِ أنسابٍ ولا أموال.. أن نحدبَ جميعاً على قرارات الجماعة ومواقفها، بصدقٍ وإخلاص، وحماسةٍ تعينُ على حسن تنفيذها وتحقيق أهدافها. (وأوفوا بالعهدِ إنّ العهدَ كان مسئولا). (وتعاونوا على البر والتقوى.. ولا تعاونوا على الإثم والعدوان). صدق الله العظيم.. والله أكبر ولله الحمد.
وإلى رسالةٍ قادمةٍ.. أستودعكم الله أيها الإخوة والأخوات.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
17 من ربيع الثاني 1430 الموافق 13 نيسان 2009 أخوكم: أبو أنس