ماذا يريد منا رسول الله
في ذكرى مولده الشريف ؟
وواجبات عملية
إعداد: عادل هندي - مكتب القاهر
نزف إلى أنفسنا وإلى أمتنا الإسلامية ذكرى مولد حبيبها محمد r، وهى تلك الذكرى التي تحبها النفوس، ويجتمع على محبتها عموم الأمة وخواصها؛ لأنه ميلاد لكل معاني الحب، والود، والصفاء، والإخاء، والكرم، بل: وكل معاني الخير والحق، فإلى: كل مسلم ومسلمة، وإلى: من يحب الله ورسوله، وإلى: الأمة الإسلامية، الباحثة عن العزة والكرامة. ها قد حلَّت علينا أعظم مناسبات الدنيا، وأشرف موسم شهدته هذه الحياة، موسم ميلاد خير عباد الله –محمد– عليه الصلاة والسلام. ولا أخفيكم سرًّا أني أجد في قلبي انشراحا وسرورا، وأنا أكتب الآن هذه الكلمات عن رسول الله.
أيها الإخوة الكرام ... بعد أيامٍ عدَّة تُطِلُّ علينا ذكرى ميلاد سيدنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلَّم-، هذه الذِكرى العطرة التي تملأ قلب كل مسلمٍ غِبْطَةً وفرحاً، ولكن ماذا يريد منا رسول الله في ذكرى مولده ؟ وهذا هو السؤال، الذي سنجيب عليه في هذه الكلمات.
ثم قبل كل شيء: إليك سيدي يا رسول الله، أُهْدِي كلماتي: فالقلب يشتاق لك، والعين تهوى رؤياك، واليد تتمنى مصافحتك، والجسم يطلب رفقتك، ومجالستك، حبك يا رسول الله دمٌ يجْرِي في عروقنا.
فإنه ليس ميلادًا لشخص فحسب؛ بل ميلاد لرسالة سماوية متميزة. فلم يكن كأي مولد، بل مولد لرسالة يحملها رسول، إنها: رسالة ختم بها الله رسالاته لخلقه، وأنهى بها الله وحيه الذي لم ينقطع عن البشر منذ آدم عليه السلام.
وما إن أُذِن بميلاد الحبيب محمد r : حتى أُذِنَ مَعهُ بميلاد كل مكارم الأخلاق. وأُذِنَ معه بميلاد الحرية للضعفاء والمستضعفين. وأُذِنَ معه بميلاد التوحيد الحق، وكلمة الصدق. وأُذِنَ معه بميلاد أسمى كلمات الود والتصافي والإخاء. وأُذِنَ معه بميلاد قوة أهل الحق، والمظلومين. وأُذِنَ معه بميلاد العزة والكرامة .ولقد كانت لحظة مولده، إيذانًا بـ: عودة الحقوق لأصحابها. عودة الناس لربها وخالقها. وضبط الميزان البشري في الحياة، ولقد أَذِنَ الله للدنيا أن تنير بعد ظلامها:
· نعم: أَذِنَ الله لبيته الحرام أن يُنَادَىَ فيه بعد طول شرك وعناد، بنداء العزة والتوحيد.
· أَذِنَ الله للمظلومين والمقهورين أن ينتصروا ويعيشوا حياة الأحرار، لا حياة العبيد.
· لقد أَذِنَ ربنا U أن يكون مولد حبيبه r مولداً لِكُلِّ معاني الخير، والود، والرخاء.
· هنا وهناك: الكون مبتسم وفرِحٌ، الكُلّ مستبشر بقدوم أفضل مولود.
· وكان الرسول r من بعد: بسمةً وبلسماً للبائسين، وأملًا لليائسين، وكانت حياته قدوة للمقتدين.
وأكاد أكون جازما إذا قلت أنه ما من مسلم إلا وهو: محب لنبيه، ورسوله، ويشتاق للقائه، ويحب التمسك بما ورد عنه، لكن المشكلة أننا نسى، وتُلهينا دنيانا عن سنته ومنهجه وشرعه؛ لذا كان لا بد من التذكرة أولا بأول بما يجب نحو رسول الله r، وصدق الله حيث يقول: ]وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ[(سورة الذاريات: 55)، وها هي ذكرى مولده الشريف تُقْبِل علينا بنسماتها العطرة، وكلنا يريد أن يُفرِح نبيه، فإليك أخي القارئ بعض الوسائل، والمعينات، التي يُمْكِن من خِلالِها أن نحتفل بمولد رسول الله، وهذا هُو مَا يُريدُه منا رسولُنَا في هذه الذكرى.
وسائل في الاحتفال بمولد الرسول يحبها الحبيب r
م |
الوسيلة |
كيفيتها |
1 |
يريد: إعلان الحب لله جل وعلا أولا، ثم للرسول. |
كثير منا يدعي حب النبي r –ونظن بالمسلمين خيرا في هذا الحب- ولكن لا يكفي الكلام، والادعاء باللسان؛ بل لا بد من إظهار هذا الحب مترجماً في الأفعال والتصرفات، ومن علامات الحب الحقيقي: 1. الإتباع للمنهج النبوي في كل مجالات الحياة، وصدق الله جل وعلا حيث قال: ]قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (آل عمران:31)[ فلنعلن حبنا لله ورسوله في حياتنا عملياًّ. فإعلان المحبة الخالصة والحقيقية لرسول الله، وتفضيل كلامه وفعله على غيره، دليل حب، ولك أخي المسلم، عندها أن تتلذذ بحلاوة الإيمان، وليكتمل إيمانك. 2. كثرة الصلاة والسلام عليه r ، فإن الله يحب من يصلي على نبيه، وكذا رسوله. ** واجب عملي: لا تنس وردك كل يوم من الصلاة والسلام على رسول الله محمد -r-. |
2 |
يريد مناَ الصلاة على وقتها |
فأحب الأعمال إلى الله ورسوله الصلاة على وقتها، و الصلاة نور، فهي تنير الطريق للعبد؛ ليمضي في طريق واضح نحو ربه سبحانه وتعالى. ü ولقد حذر النبي rمن التهاون في أداء الصلاة ورمى تاركها بالكفر فقال: "بين الرجل والكفر ترك الصلاة". ü بل حذر النبي r من التهاون في أداء الصلاة قائلا: لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم. ü و ذكر فضل صلاة الجماعة قائلا: "صلاة الجماعة خير من صلاة الفذ بسبع و عشرين درجة". ** واجب عملي: قم إلى الصلاة متى سمعت النداء مهما تكن الظروف. |
3 |
معايشة سيرته في كل حدث |
وهذا دليلٌ عمليٌّ على الاحتفاء بمولده r، ففي كل حادثة أو حدث سنجد أنه كان للنبي فيها كلاما وموقفا مَّا، فنعود إليه، ولنعلِّم أبناءنا سيرته ومغازيه، كما كانوا يقولون: كنا نحفظ أبناءنا مغازي الرسول كما نحفظهم السورة من القرآن. ** واجب عملي: ليكن لك ورد قراءة ودراسة مع أبنائك من سيرة النبي، ولو كل أسبوع، ولو كان وقتا بسيطاً، واعقد لهم فيها مسابقة بجوائز، فتربطهم بسيرة النبي r . |
4 |
التخلق بأخلاق الرسول |
يقول النبي r "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس أحاسنكم أخلاقا"، ولما سئلت عائشة عن خُلُق النبي r فقالت: "كان خلقه القرآن"، فكيف ندعي حبه شخصيا، وننكر محبة أعماله وأخلاقه، فلا بد أن نحبه ونحب عمله وسلوكه. فلمحبيه ومريديه، ومن يريد الاحتفال بمولده -حقا- أن يتخلق بخلقه في: · معاملته لزوجاته . · معاملته لأبنائه وبناته. · معاملته للأطفال. · معاملته للخدم . · معاملته لأصدقائه وأصحابه.
** والنبي صلى الله عليه و سلم يريد منا في يوم مولده: أن يكون كل مسلم صاحب أخلاق حسنة مهذبة..فحُسْن الخلق طريق للأمة لكي ترشد، وللمجتمع لأن يكون متماسكا، وقويًّا.
** ولقد بشر النبي أصحاب الأخلاق الحسنة قائلا "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".
** وحذر النبي r من الفحش وسوء الخلق قائلاً: "إن الله يبغض الفاحش البغيض" .
ولن تنتصر الأمة ولن تعود لرشدها قبل أن تتحسن أخلاقها ولن ننتصر على أعدائنا قبل أن ننتصر على أنفسنا ولن تعود لنا أرضنا طالما بأسنا لا زال بيننا..
** واجب عملي : لا تنم كل يوم قبل أن تحاسب نفسك وتتوب عما أذنبته في حق الله و تعتذر لمن أذنبت في حقه. وإن كل معاملة طيبة يمكن من خلالها أن تكون أيها المسلم محتفلا بمولد حبيبك الرسول r . |
5 |
الاتحاد |
أن يتحد المسلمون تحت راية واحدة، وينبذوا كل القوميات والعصبيات والوطنيات، وبمثل هذه الوحدة والاتحاد يفرح رسولنا، وبهذا يكون الاحتفال بالعودة للعصر الأول من الحب والإخاء والتصافي والتواصل. ** واجب عملي: راجع نفسك اليوم، من كان بينك وبينه خصومة صالحه، وأدخل على قلبه السرور. |
6 |
نصرة الدين |
ويريد منا رسول الله في ذكرى مولده: أن ننصر المسلمين المستضعفين والمضطهدين في جميع أنحاء العالم، ونصرة أهل الحق أمر واجب ولو بالكلمة. ** واجب عملي: ماذا قدمت اليوم للأمة والدين؟ قدم اليوم شيئا.. كمثل: · الدعاء. · التبرع. · نشر القضية. · المقاطعة. |
7 |
الدعوة إلى المنهج الإسلامي ونشره بين الناس |
إن الدعوة للإسلام: سبيل نصرة، ودليل إتباع ومحبة، ودعوة المسلمين إلى العودة للنهج القويم من الأخلاق الحسنة والفضائل المتميزة. ** واجب عملي وسؤال: · كم فرد دعوته اليوم لخلق حسن من أخلاق الدين؟ · ماذا أضفت اليوم في رصيد دعوتك؟ فلك أخي المسلم أن تدعو غيرك للأخلاق الفاضلة، أو للتمسك بفريضة إسلامية. |
8 |
ماذا يريد رسولنا من شرائح المجتمع |
1. يريد من الحكام والقادة: أن يراعوا الله في مهمتهم التي تكفلوا بها وأن يأخذوا بأيدي الأمة إلى الله لا أن يصرفوها عن ربها عز وجل، وحذرهم النبي قائلا: "أيُّما راعٍ استرعى رعية فغشها فهو في النار" رواه البخاري ومسلم. وأنهم أساس الإصلاح والصلاح فبصلاحهم ينصلح حال المجتمع كله، فلم لا يختم أي قائد حياته بالصالحات لتكون له عند رب الأرض والسماوات يوم يلقاه. 2. يريد من الشباب: أن يعتصموا بحبل الدين مع الصحبة الصالحة ومن يأخذ بأيديهم إلى الله، لا من يقطع الطريق بينهم وبين الله، ولذا نصح باستغلال فترة الشباب "اغتنم شبابك قبل هرمك" وأيما شاب نشأ في طاعة الله فمكانه محجوز تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله. 3. يريد من الزوجة والمرأة: أن تجاهد بطاعتها لزوجها وتربيتها لأبنائها وبناتها، وتتذكر أن رسولنا يخشى على الأمة رجالا ونساء من الفتن وأخبرنا بأن أخطر فتنة هى فتنة النساء، وليس هذا يعني أنها مرذولة أو أنها مكروهة، بل على العكس فإن النبي بهذه الصورة يحترمها ويؤكد أنها تستطيع أن تحفظ كيان المجتمع إذا حفظت عفتها وعلى هذا ربت بناتها. 4. يريد من الزوج: أن يتقي الله في زوجته وأولاده فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فينظر داخل بيته ليصوب الأخطاء، ويقر بالحقائق، ويساند أبناءه وزوجته على طاعة الله داعيا مولاه: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا" (الفرقان 74) 5. من الفتاة المسلمة: أن تحافظ على شرفها وعفتها وأن قيمتها ليست في عرض مفاتنها، بل قيمتها في تخلقها بخلق الدين والسير على نهج سيد النبيين. |
9 |
منع الفسوق والعصيان من الظهور والانتشار |
نعم: إن رسولنا صلى الله عليه وسلم، هو صاحب أشرف المناهج، وصاحب أرق الأخلاق والفضائل، ولقد كان دوما ينشر الفضيلة بين الناس بكلامه وفعله، وإذا رأى منكرا أو إثما يُرتكب فتجده أسرع الناس إلى إنكاره ووقف نيران الفتنة والمعصية، ولذا فلزاما على أتباعه وأحبابه ومن يسيرون على دربه أن يسلكوا طريقته الحكيمة في منع الفسوق والعصيان، وبأساليب هادئة هادفة، ليصير مجتمعنا مجتمعا نظيفا طاهرا. واجب عملي: حاول اليوم من منع منكر في بيتك أو عند أحد أقاربك، ولكن بأسلوب حكيم طيب لا يترتب على إنكارك لهذا المنكر منكر أعظم، وبذلك ستكون قد أضفت لرصيد حسناتك حسنات وخيرات، وعصمت المجتمع من الانحراف. |
فإذا فعلنا ذلك فعندها سنكون قد أدَّيْنَا ما أراده رسول الله منا في ذكرى مولده.
وكل عام أنتم بخير، وكل عام أنتم إلى الله أقرب، وعلى طاعته أدوم، وعن معاصيه أبعد، وكل عام، وأمتنا أكثر عزة، ونصرة، وأوفر كرامة.