السبيل الرشيد للعيش الرغيد
السبيل الرشيد للعيش الرغيد
البراء كحيل
بين أحضان الدنيا المغرورة
وفي سواد الليل البهيم في ظل السكون الغشيم
بين الأشواك الجارحة
وسط ظلام الحيرة والدهشة
بين أودية الغي الساحقة
وسط طغيان الشهوات الجامحة
بين سراديب الجهل الأعمى
أمام جبروت الطغاة وظلم البغاة
وسط تشكيك المشككين وتهديم العزائم
يسير المرء في بحرٍ لجيٍ يغشاه موجُ من فوقه موج يتيه في طرقات الهوى والضلال هائماً على وجهه
لا يدري أي درب يسلك ولا أي باب يقرع ولا أي مأوى يأوي إليه ويجهل أي ورقة يخط وأي كتاب يقرأ ولا يرى أمامه دليلاً يسترشد به
هنا وهناك يبحث المرء عن نافذة للخلاص وباب للنجاة وطريق للسلامة من أدران الحياة وأسقام العيش ومفاسد القلوب وزلل العقول ويبحث عن منقذ له من هذا البلاء
فيبحث ويبحث فلا يجد راحة في متع الجسد أو إطلاق العنان للشهوات
ولا يجدها في مالٍ يأتيه من كل مكان أو جاهٍ يحصله أو سلطان ولا يجدها في الولدان
يفتش ويفتش المرء هنا ويبحث عن السعادة ويظنُّ من جهله أنّها سعادة الجسد فحصّل منها ما حصّل فما ازداد إلاّ حيرة وألماً وما ازداد إلا حزناً وسقماً
ويعود للبحث في حيرة منه تكاد تطيش منها العقول وتلجئه للانتحار للخلاص من هموم قد طُبعت على القلب وأدرانٍ قد مُزجت بالدم وأسقامٍ قد جُبلت مع الجسد
فغدا المرء منها أسيراً في جسده لا يدري لهذا الأسر خلاصاً مسجوناً بين أضلعه لا يملك من هذا السجن مهرباً مقيدٌ بسلاسل لا يدري لها انفكاكاً
يحيا متمنياً الموت وكأنه ثوبٌ بالٍ قد قضى عليه الزمن وخرَّبته الأيام والسنون فهو جسد بلا روح وقلبٌ بلا نبض وعقلٌ بلا وعي
دنيا بلا معنى وحياةُ بلا هدف وبيتٌ بلا أعمدة وصديقٌ لمصلحة وأخٌ لغايةٍ ومنفعة وولد لميراثٍ وتركة وزوجة لقوة وسلطة
فلما زال عنه كل هذا فتّش عن الصاحب فضاع وبحث عن الأخ فتاه وناد الولد فأصمَّ الأذن عن السماع وطلب الزوجة فامتنعت عن الجواب
وبينما هو هكذا يندب حظَّه ويبكي على نفسه يشرق من بين الظلام الحالك والجهل الغامض نورٌ عظيم مبهر قد بدّد الظلام ورفع ستار الحيرة عن عقله وأزال الغشاوة عن عينيه وجعله يبصر طريق الحق ودرب الحقيقة
إنّه نور الإسلام وضوء الإيمان .
فلمَّا أقبل يقتبس منه المدد وينال منه الأمل أشرقت أنوار قلبه وبدأ عقله يستعيد وعيه وغدا وكأنه مولود جديد قد جاء الحياةَ منذ قليل فقد عاد نور البصر لعينيه وأشرق ضوء البصيرة في عقله
لقد غيّر نور الإيمان حياة الإنسان وجعله يحيا باطمئنان لا خوفٌ ولا حرمان بل حياته مليئةٌ بالأمان
فمما الخوف وعلى أي شيء الوجل فماذا ضيّع من كان مع الله وماذا أدرك وحصّل من فقد الله
لقد وصل هذا المرء في النهاية إلى جنّة الدنيا بعد شقاء وعذاب وكدِّ وتعب
لقد أدرك بنور الإيمان جنّة الرحمن فهنيئاً لمن عرف الدرب وأدرك الحقيقة وأيقن الهدف والغاية
ولو عرف الأسياد والأغنياء تلكم السعادة لهبّوا يشترونها بكل غال وثمين .
والشقي التعيس من ظنّ سعادة الحياة بالشهوات وتحصيل الملذات واقتراف المحرمات فلقد أضاع الدنيا والآخرة فيا له من خسران لا يعوضه الحسرة والندم على ما فات و كان
وأخيراً هي نعمة عظيمة نعمة الإيمان علينا شكرها في كل حينٍ وآن فبها نوالُ جنَّة الرحمن