في طيبة

عروب عبد العزيز مشوح

[email protected]

من هنا كانت البداية .. كان غروب الشمس شاهداً على رحيلنا من مكة الى طيبة الطيبة .. كما كان شاهداً على رحيلنا من طيبة وعودتنا إلى مكة ..

هكذا هي الدنيا .. وكل مسافرٍ سيعود يوماً .. إذا رُزِقَ السلامة والايابا

مابين مكة والمدينة أو مابين الغروبين كانت رحلة النقاء إلى المدينة .. خمسة ساعات كانت كفيلة بأن توصلنا إلى " حبيب الله "   عليه الصلاة والسلام .. شعورٌ لايوصف .. وأحاسيس مليئة بالشوق .. ولسان لا يلهج إلا بالذكر والصلاة عليه ..

وصلنا إلى طيبة .. حيث الهدوء المخيم على أجوائها .. والمآذن تلوح من بعيد بنورها تأكد لنا الوصول .. تطل من النافذة .. فتخبرك " بقيع "

بأن شهداءً من الصحابة الأخيار قد دفنوا هنا . فتتأمل لدقائق وترحل ..!

نحمل شوقنا الى هناك حيث .. " أُحد ".. وهناك .. جبل صغير يقع قرب جبل أحد وفى الجهة الجنوبية الغربية منه فى المنطقة. التى وقعت فيها غزوة أحد سنة ثلاث للهجرة . وهو "جبل الرماة "

وأما عن المنطقة التي فيها " شهداء أحد " .. وبه قبور سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استشهدوا في معركة أحد وفي مقدمتهم عمه حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وعبد الله بن جحش، وحنظلة بن أبي عامر (حنظلة الغسيل)، وعبد الله بن جبير، وعمرو بن الجموح، وعبدالله بن حرام رضي الله عنهم أجمعين .. منظر تقشعر له الأبدان .. وأحاسيس لا توصف .. وهناك ترى أناساً يعَّلمون الناس مالم يعلموا .. من الذي دفن في هذه المنطقة .. ويتلون الدعاء لهم .. وما علينا نحن إلا النظر ونردد ورائهم مايقولون .. فمنهم من يتأمل .. ومنهم من يردد ويمشي ..

وعندما رأيت أحدهم يمسح دموعه بطرف ثوبه .. قلت في نفسي لابد أنه عجز عن الكلام ولم يملك إلا البكاء ..كان مشهداً مؤلماً .

نشد رحالنا من أحد مودعين هؤلاء الشهداء .. لنمضي إلى " قباء " المسجد الذي أسسه رسول الله بيده الشريفة .. حيث صلاة المغرب .. لنسمع صوتاً ندياً خاشعاً .. يصلي بنا ..

" وفضل الصلاة بمسجد قباء كأجر عمرة " .. نذهب متنقلين من دفئ إلى دفئ .. وفي داخل النفوس لهيب يحرق.. ودموعٌ من حرقتها تُخَّلف أثراً بعد المسير ..

 حان الآن إلقاء السلام على " حبيب الله " في " الروضة " ومعها  تحية الوداع أيضاً .. في الروضة الشريفة نتوجه لزيارة قبر الرسول صلى الله عيه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر بن الخطاب .. رضي الله عنهما .. هناك حيث الدعاء المستجاب .. " مابين قبري ومنبري روضةٌ من رياض الجنة "

بالرغم من تدافع الناس عندما يفتح الباب للدخول .. وصلنا إليها بأمان ونحن متمسكين ببعض خوف الضياع من التدافع أو الضرر .. رحلةٌ تلو أخرى حتى حان الوداع الأخير " وداع المدينة "  رحلنا من طيبة .. وليتنا لم نرحل .. ضيق يملئ الصدور من وداعها .. ودموعٌ أصرت على أن تودع حبيبها ..

نشد رحالنا عائدين من حيث أتينا .. رحلت ونفسي تردد قائلة .."

و  لَـمَـا أنـسنا للحبيبِ iiإذا
أوَ  مَـن يُنشَّؤُ في النعيم iiكَمَن
شـتّـان  بـين مُجرِّبٍ iiفَطنٍ
و فـتـىً يـعيش حياتَهُ iiثمِلاً



كانَ  الوِصالُ و لَمْ نَذُقْ iiهَجرَهْ
يقضي على جَمر الغضا عُمْرَهْ
صَـقَـلتْ حوادثُ دهرِه فكرَهْ
تـأتـي بـه وتـردُّه نـظرَةْ

 رحلنا وكلنا أملٌ وعلى ثقة بالعودة قريباً .. ونبلل شوقنا دائماً برؤيتك ياحبيب الله عليك أفضل الصلاة والسلام.