رائحة المسك

رائحة المسك

ريما عبد القادر - غزة

[email protected]

نعم إنها رائحة المسك التي تلقتها أنفاسي حينما قبلت جبينك يا أخي الحبيب فادي، كانت قبلة الوداع التي أحن إليها في يوم عرسك يوم الشهادة، الذي لبست به الثوب الأبيض....

حبيبي فادي لا أجد الكلمات في ذاكرتي تليق بفراقك، فلم أتوقع أن تسبقني برحيلك، وأن أودعك بالكلمات، لا أعلم ماذا أقول برحيلك رغم أن صورتك قبل، وبعد الكفن ترتسم نقشاً في ذاكرتي.

حبيبي سأدع قلبي يتكلم عن فراقك، نعم القلب الذي اشتعل نارا لفراقك ..آه.. يا أخي قد جاء اليوم الذي أكتب عن فراقك، وبالأمس القريب كنت معنا.

قبل أعوام كنت تشاركنا البكاء على فراق أبانا، واليوم نبكي عليك، آه ..كم اشتقت لك من لي إلا الله يصبر قلبي عليك يا حبيبي.

فلازالت طعم الحلوى التي لما أجد أطيب منها حينما اشتريتها بعد أن سمعت خبر نجاحي في الثانوية العامة يحنفظ به قلبي، وقفت برجولة رغم أنك في المرحلة الأولى من الدراسة الجامعية في ذلك الوقت لدفع القسط الأول لي في الجامعة.

أتذكر حينما كنت أحصل على نتائج الامتحانات ويسأل أحدنا الأخر من أعلى؟؟كنت أسبقك ببعض الدرجات واليوم تسبقني إلى جنة أو أعلى من جنة بإذن الله تعالى.

صدقني لازلت أذكر يوم حفلة التخرج حينما كنت تترقب ظهوري لتلتقط لي صورة وبعد الحفلة مباشرة أخذت تبحث عني لتهنئني بالتخرج، فلازلت أذكرك وأنت تلبس في ذلك اليوم قميص أزرق اللون، وأخذت تلتقط لي الصور في جامعتي الحبيبة الإسلامية. وأخذت تفرق الحلوى على أصدقائك بمناسبة تخرجي.

حبيبي سامحني إن اختلفت معك في أمر فأنت تعلم أن قلوبنا أصدق بكثير من كلمات تخرج من اللسان لذلك اخترت أن يتكلم قلبي عنك.

قد تكون الكلمات قد تلعثمت، والسطور لم تترتب بحروفها وكلماتها إلا أنها كانت صادقه بشوقها وحنينها إليك. أتعلم إنني أحسدك؟؟ نعم أحسدك، واحسد تربة غزة المحاصرة التي لمست دمائك الطاهرة لتشهد لك عند الله تعالى، وهو أعلم منها بأول قطرة خرجت من جسدك، وأنت في أرض الرباط.

والله يصعب علي التحدث عن فراقك إلا أن ما يخفف على قلبي الصغير هذا الفراق رحمة من الله تعالى بأن نجتمع بك بإذنه في الفردوس.

حبيبي لقد رحلت عني دون أن تودعني واكتفيت بوداعك لكن صدقني كلما أغمض جفوني أجدك تبتسم لي وترفع يدك بتحية فسلام عليك يا حبيبي.

لا أعلم ماذا أكتب عنك رغم أن ذاكرتي تحمل الكثير لك كيف لا ؟ وعشنا معا أعوام طويلة بكافة أطياف ألوانها وطعمها.

كم كنت طيب، كريم الأخلاق مع من حولك، فلازال الأطفال من حولنا يذكرونك ويذكرون ابتسامتك ومزحك، ويذكرون أناملك الحنونة.

حبيبي  لقد حضر أصدقائك وكان كل واحد منهم ينظر إلى الأخر حالهم يقول هل حقا رحل عنا فادي ؟؟! قبل أيام قليلة كان بهاتفنا للاطمئنان عن حالنا واليوم نأتي لوداعه!!

أتعلم يا حبيبي اليوم ذهب شقيقك وحبيبك سامر لمناقشة بحث التخرج، صدقني خرج من المنزل مثل الطفل اليتيم، وهو يبحث عنك ولا يجدك بجواره، كما كان هو بجوارك يوم مناقشة بحث تخرجك، كانت عيونه تدمع وقلبه يعتصر ألما، ومع ذلك حاول أن يخفي ما في داخله.

والله كلنا نفتقدك، لكن هذا قدر الله تعالى وما شاء فعل لقد أراد أن يكرمنا بشهادتك بإذنه تعالى، ادعو الله تعالى أن يجمعنا بك في الفردوس يا حبيبي. 

والله يا فادي أشفق على حال أمنا الحبيبة، فقلبها لو كان يتكلم لصرخ عاليا حبيبي فادي اشتقت لك، فصدقني يا أخي حينما أبكي فإنني أبكي مرتين مرة لرحيلك، ومرة لصوت قلب أمي الباكي، صدقني أسمع دقات قلبها وعقلها قبل أن تنطق بكلمة.

آه.. يا حبيبي كم تحبك أمك، والله أشفق عليها حينما تبكي وتقول :"فادي ..فادي..فادي"، وبعدها تصبر نفسها بأنك عند الرحمن بإذنه تعالى.

أتعلم حينما جاء سامر من صلاة الجمعة كانت أمي الحبيبة تنظر إلى الباب كما كانت بالمعتاد تنتظركم لتناول الغذاء مع بعضنا البعض، وحينما كان يصل سامر قبلك يقول:"لا تغلقي الباب فادي سيأتي"، لكن اليوم لم يقل سامر ما كان يقوله، في تلك اللحظات رأيت الحزن في عين أمي وهي لم تجدك.

لقد تمنت كثيرا أن تفرح بك بعد أن تخرجت من الجامعة، والله كانت تتمنى أن تجدك عريساً كما كنت تتمنى لكن الله أراد أن يجعلك عريساً لحور العين بإذنه تعالى.

صدقني يوم استشهادك تمنيتك أن تكون ابني لا أخي من أجل أن لا أرى قلب أمي حزين على رحيلك.

والله يا حبيبي نفتقدك كثيراً، لكن ما يهون على قلوبنا بأن الله تعالى قد اختارك، وادعوه بأن يحتسبك بإذنه شهيداً .

حبيبي وشقيقي شقيقتنا الحبيبة رنا كثير ما تسأل هل ما حدث كان حلم طويل ؟! رغم أنها هي من سالت عليها دمائك الطيبة، وهي تصرخ انقذوا فادي... حينما قتلتك شظايا الاحتلال الإسرائيلي الغادرة... تقول:" لقد اشتمت أنفاسي رائحة المسك من دمك الطيبة".

أتذكر قريبنا روحي؟ حينما حملك وتساقطت قطرات الدم على ملابسه، حلف بالله تعالى أنه اشتم بها رائحة المسك ..نعم يا حبيبي رائحة المسك.

"فدفد " أتذكر حينما كنا "ندلعك" بهذا الاسم؟؟ لقد تذكرت يوم استشهادك"بإذنه تعالى" حينما لمحت يد حبيبي سامر وهو يلبس الساعة التي قدمتها له هدية فكان لها مثيل معك قدمتها لك هدية يوم 5/8 هو يوم مولد والدتنا الحبيبة أحببت بأن يكون يوم للعائلة. أتعلم كنت سعيدة لأنها كانت تحيط بمعصمك يوم استشهادك.

حبيبي لقد جاء لمنزلنا كثير من الناس البعض منهم لم نكن نعرفهم كانوا يقولون لنا:" جئنا على سيرة فادي الطيبة" نعم حبيبي لقد كنت طيب مع من تعرف أو لا تعرف.

حبيبي فادي وداعاً ..رغم أن الكلمات لم تنتهي بعد، وكيف تنتهي وقد رحلت بعد أن قضيت 28 عام، وداعاً حبيبي ..وداعاً أخي الأكبر ...

ادعو الله تعالى أن يتقبلك شهيدا تحت عرشه، وأن يجمعنا بك في الفردوس عاجلاً، وان يفرغ علينا صبراً ويثبت أقدامنا وينصرنا على القوم الكافرين.