من منافع الحج

الشيخ : محمود شمردن

التعارف بين المسلمين

الشيخ : محمود شمردن – مصر

إمام  وخطيب ومدرس بالأوقاف

[email protected]

( في الحج فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة من تعارف المسلمين وتألفهم وترابطهم وغفران ذنوبهم وتكفير سيئاتهم ، فهي منافع تجمع خياري الدنيا والآخرة ، ولو علم المسلمون تلك المنافع لتغيرت صورتهم عن هذه الفريضة ، وعادوا إلى سابق عهدهم الطيب الذي كانوا فيه سادة الأمم كلها ، ومن جهل المسلمين بدينهم :- غير أن المسلمين لا يعرفون من حِكَم الحج الفردية والاجتماعية  إلا القليل الكافي ، وقد رمقت ألوف الوافدين إلى أم القرى ودار الهجرة ، واندسست في غمارهم وهم يحلون ويرحلون ، ثم طويت القلب على حسرات ) كتاب تأملات الدنيا والحياة .. الشيخ محمد الغزالي  ، ص 175

وهذا ما أصاب المسلمين في مقتل ولا يزالون يعانون من أثاره وتابعاته ، لقد فرض الله عز وجل الحج وجعله الركن الخامس من أركان الإسلام ، فما الذي يجنيه المسلمون في كل عام من أداء هذه الفريضة على المستوى الفردي وأيضاً على المستوى الجماعي ؟! .

( هذا الموضوع لم يلق من المسلمين الاهتمام المناسب ، فقد اهتموا فقط بالأحكام الفقهية للمناسك مع أن الشارع الحكيم ما قصد بفرض أي فريضة مجرد هيكلها الظاهري ، وصورتها المادية ، وإنما قصد الهيكل والروح ، الصورة والمعنى ، ولكل فريضة وسائل ومقاصد ، واجب على المسلمين أن يقوموا بالوسائل وأن يحققوا المقاصد ) كتاب الحج رحلة حب التأليف ، د . علاء الدين محرم ، ص 109 .

وبالتالي فغالبية الحجيج لا يدركون مقاصد الحج ولا فوائده ومنافعه ، ففي الحج دروس عظيمة ليت المسلمين يقفون عليها ويتعلمونها وهي كثيرة ، وهنا سنقف عند معنى هام من منافع الحج وهو التعارف بين المسلمين لنلفت أنظار الناس جميعاً إلى أهميته الكبرى في ربط القلوب بعضها ببعض .

تجمع مقصود

ففي هذه البقع الطيبة يأتي الحجيج من كل مكان في العالم على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأوطانهم ولغاتهم ، فهذا أبيض وذاك أسود ، وهذا عربي وذاك أعجمي ، وهذا بلده قريبة وذاك جاء من بلاد نائية وبعيدة ، كما ورد في قوله تعالى :- ( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجال وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ) سورة الحج : 27

وهذا الاجتماع والتجمع العظيم من وراءه حِكَم جليلة أراد الله تعالى أن نهتدي إليها ، ونقف عليها ، فالله تعالى قادر – لو شاء – أن يفرض هذا الحج على المقيمون في مكة والمدينة والبلاد القريبة ، ولكنه تعالى لم يفعل ذلك ولم يأمر به ، إنما جعل الحج فريضة على كل مسلم قادر على الحج بصرف النظر عن لغته وبلده ، قربها أو بعدها من مكة المكرمة .

التعارف المنشود

وهو معنى رائع جميل لو طبقه المسلمون في حياتهم لعادوا أمة قوية متماسكة ، لا يستطيع الأعداء النيل منها ، لأنه الطريق إلى الوحدة والاعتصام ، قال تعالى :- ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة آل عمران : 103 ، والتعارف الذي نقصده ونريده ليس هو أن يتعرف الحاج على الذين أتوا معه من بلده ووطنه في طائرة واحدة أو سفينة فهذا أقل درجات التعارف ، لأن الحاج لو عجز عن التعرف على العديد من حجاج بلده أو البلاد المجاورة له ، فيمكن بعد العودة أن يتدارك ما فرط فيه وعجز عن تحقيقه ، وإنما نريد أن يوسع الحاج من دائرة تعارفه حتى ينال الذين جاءوا من بلاد بعيدة مثل أوروبا وأمريكا وأسيا ، .........

كيفيته وطريقته

هنا يتبادر سؤال إلى الذهن وهو :- كيف يتم هذا التعارف ؟ ، وهذا سؤال جيد وهو لب كلامنا وأساسه وهدفنا ، والإجابة عنه سهلة وبسيطة وميسورة ولا تتوقف على خبرات كبيرة في الحياة أو شهادات علمية لا يتم التعارف إلا بها .

فالتعارف الجيد الذي نقصد أن يعييه المسلمون جميعاً في كل بقاع الأرض ، وأن يتعرف الحاج على أخيه الذي جاء على بيت الله الحرام من ناحية الاسم والبلد وحالته الاجتماعية وعمله وحاله في بلاده وهذه معلومات بسيطة تأتي في ثنايا الحديث غالباً ، ثم يتطرق التعارف إلى معرفة أحوال بلده من حيث التعليم ونوعيته وذلك الأحوال الاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها .

مثال ذلك :- يمكن للحاج المصري إذا تقابل مع أخيه الذي أتى من الصين أن يتعرف على الآتي كيف دخل الإسلام إلى الصين ؟ ، وهل المسلمون في الصين يمارسون العبادة وشعائر الدين بحرية ودون تضييق أم أنهم يتعرضون لمضايقات من قِبل دولتهم .

ثم تتنوع الأسئلة حتى تشمل على مدى التزام المسلمون بدينهم ، العادات والتقاليد التي يمارسونها في حياتهم اليومية من حيث الحديث والطعام والشراب كذلك العلاقات بين الناس هل هي متينة أم ضعيفة ؟ ، وهكذا ينتقل الحاج في التعرف على أخيه ليعرف ظروف بلاده سريعاً ويطمئن على حال المسلمين هناك ومدى ارتباطهم بعالمهم الإسلامي الواسع الكبير ، وهنا يحرص الحاج على التعرف على إخوانه القادمين من جنسيات مختلفة ويتعرف على أخبارهم .

احرص على ما ينفعك

أخي الحاج كما تحرص على شراء حاجات وأشياء من بلاد الطاهرة إلى أحبابك تفرح بذلك ، فلا تنس أن تتعرف على عدد من إخوانك الحجيج فهذا مكسب كبير وتجارة رابحة ، فربما فزت بصحبة أحدهم وحققت قول الله تعالى :- ( يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) سورة الحجرات : 13

أعداء الإسلام يخشون من فريضة الحج

ولقد أدرك أعداء الإسلام أهمية الحج فالربط بين المسلمين وتلاحمهم ، فقال جلادستون في مجلس العلوم البريطاني :- ( لن نستطيع القضاء على قوة المسلمين إلا بعد القضاء على ثلاثة أشياء :- القرآن ، صلاة الجمعة ، موسم الحج ) كتاب صحيح وصايا الرسول : سعد يوسف أبو عزيز ج 1 ، ص 562

أرأيتم نظرة الأعداء إلى خطورة هذه الفريضة ، فهي تجمع المسلمين صفاً واحداً وتقرب المسافات فيما بينهم لو أنهم استفادوا منها الاستفادة المطلوبة ، وعاشوا روحها وحققوا مقاصدها ، ولكن حالنا يدعو للحسرة على نظرة المسلمين إلى هذه الفريضة الغالية واليت يمكن أن تعلب دوراً هاماً في توحيد الصفوف والكلمة ونبذ الخلافات القائمة بين المسلمين .

ثمرات التعارف

 فإذا استطاع الحجاج تطبيق التعارف الذي يقرب القلوب والأرواح بعضها من بعض ، فإن ذلك ستترتب عليه أمور طيبة منها :-

1-     شعور الجميع بأننا أمة واحدة ، حتى وإن اختلفت الأوطان واللغات والأشكال .

2-   تصحيح مفاهيم عاشت بيننا كثيراً ، منها :- أن المسلم هو الذي يصلي معك في مسجد واحد أو يحمل جنسية بلدك ، ويتغير هذا المفهوم إلى مفهوم أخر أشمل وأوسع منه وهو أن المسلم هو الذي يشهد الشهادتين ويؤدي الفرائض حتى وإن انتمى إلى جنسية أخرى أو عاش في إقليم أخر .

3-  أن يعرف الحاج :- أن هؤلاء المسلمين لهم حق عليه رقبته عليه أن يؤديه إليهم من الدعاء لهم ومساندتهم بالمال وغيره .

4-     نشر قصية الأقليات المسلمة التي تعاني الهوان والاضطهاد والتتبع أخبارهم .

5-  يمكن أن تنشأ علاقات بين بعض الحجاج ، ويتم العمل على استمرارها وقوتها من ذلك التواصل عبر الانترنت أو الهاتف المحمول أو الرسائل ، فقد يحدث سفر مفاجئ لعمل أو دراسة او تجارة ، وهنا يمكن أن ينزل الحاج على أخيه الذي تعرف إليه في البلاد المباركة

6-  زيادة التآلف ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :- ( الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) متفق عليه .

7-  تحقيق الحب وتعميقه بين المسلمين ، فعلى الوافدين من كل قاع الأرض إلى الحج أن يتعارفوا ، ويسلموا على بعضهم حتى يحصل التحابب بينهم ، هذا التحابب الذي يثمر الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم :- ( والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ) رواه مسلم .

نتمنى من الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الفهم بدينه لنحمل راية الإسلام البيضاء حتى يصل خيرها إلى العالمين ، هذه رسالة بسيطة تحمل الحب إلى كل إخواننا الحجاج بشتى بقاع الأرض ، وننادي عليهم : أيها الحجاج : ليتعرف كل واحد منكم على أخيه تعارف  واسعاً لنعيد الصفوف إلى سابق عهدها من القوة والمنعة حتى تستعصي على اختراق من أعدائنا الذين يتربصون بنا الدوائر .

أسأل الله تعالى أن يوفق حجاج بيته الحرام إلى ما فيه الخير في الدنيا والآخرة .

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .