فنون للقضاء على الفتور في العلاقات الأخوية بين الدعاة

فنون للقضاء على الفتور

في العلاقات الأخوية بين الدعاة

1- تحريك الحب:

 قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى"، قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: "أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم"، قالت: أجل والله يا رسول، والله ما أهجر إلا اسمك. رواه البخاري.. فقد حرّك صلى الله عليه وسلم بكلماته حب عائشة له، وأظهره، وجدّده تقوية للعلاقات بينهما.

 2- تطييب الخاطر:

فقد بلغ صفية أن حفصة - وهما من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم – قالت عنها: إنها بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي وهي تبكي فقال: "ما يبكيك؟" قالت: قالت لي حفصة: أنت بنت يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي؛ فبم تفتخر عليك؟" رواه الترمذي.

فقد طيّب صلى الله عليه وسلم خاطرها وأزال حزنها؛ لأن هدوء الخواطر واستقرارها يمنع أي معوقات ضد عودة العلاقات.

 3- النظر للمحاسن:

يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر" رواه مسلم، ولا يفرك: أي لا يكره، فتعديد صفات الخير في الغير وتغليبها من خلال حسن المعايشة والمصاحبة يجعل النفس تستصغر أي فعل سيئ منه ولا تراه؛ فيمهد ذلك لحسن لقياه.

 4- نسيان الماضي:

يقول تعالى: (فَاصْفَح الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر: 85].. قال الإمام السيوطي في تفسيره الدر المنثور: "أخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس، قال: هو الرضا بغير عتاب"..

فهذا النسيان لما مضى وترك الحساب التفصيلي الجازم كما يقول تعالى: (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ). والذي قال فيه الإمام الطبري: "عن الربيع قال: ليتعاطفا.. وعن سعيد قال: لا تنسوا الإحسان.."، يعين على طيّ هذه الصفحة الحزينة، والنظر للمستقبل السعيد، وحسن الاستعداد له.

 5- تذكر الماضي السعيد:

 كما يقول تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأّيَّامِ اللهِ) [إبراهيم: 5].. قال الإمام القرطبي: "قل لهم قولا يتذكرون به أيام الله تعالى، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: بنعم الله عليهم".. فتذكُّر أيام الخير السعيدة الماضية يجعل النفس تشتاق إلى محاولة إعادتها، ويجعلها تجتهد في التغلب على كل ما يحول دون ذلك.

 6- مراعاة العدل:

فمراعاة أين الحقوق تحسم أي خلاف، وتطمئن النفوس، وتدفع للتسامح والتغافر، بينما تضييعها وأكلها يدفع لمزيد من الخلافات حتى تسترد، كما يفهم من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) [النساء: 135].

 7- التوجيه الرقيق:

بما يناسب الأحوال والأشخاص والأوقات والبيئات، دون خوف أو حرج أو توقع عدم قبول.. ويكون إما:

أ‌- بصورة مباشرة: كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تؤمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم" رواه مسلم.. فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم نصيحته له بأنه يحبه، ويحب له ما يحبه لنفسه.

ب- أو بصورة غير مباشرة: كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كثيرا في لقاءات عامة: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟" أو "يفعلون كذا وكذا" رواه البخاري.. فالتوجيه الودود مفيد مذكر لكل مؤمن، كما يقول تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55].

 8- قبول التوجيه:

على أي صورة حتى ولو كان بصورة فظة غير لائقة؛ لأن الذي سيتقبله هو الذي سيستفيد منه في دنياه وآخرته، ثم هو سيعين على حفظ العلاقات، كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك حينما تقبل نصيحة جيدة صحيحة لكنها كانت غليظة من أعرابي جذبه بشدة من قميصه، وقال له: "يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك".. فالتفت إليه، فضحك ثم أمر له بعطاء رواه البخاري ومسلم.

 9- العتاب أحيانا:

فهو يذكر بما هو حق وبما هو صحيح؛ فيدفع لإتباع الخير.. فقد حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة كلام حتى دخل أبو بكر حكما بينهما، فقال لها صلى الله عليه وسلم: "تكلمي أو أتكلم"، فقالت: "تكلم أنت ولا تقل إلا حقا"! فلطمها أبو بكر حتى أدمى فاها، وقال: "أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها؟!"، فاستجارت برسول الله وقعدت خلف ظهره!! فقال صلى الله عليه وسلم: "إنا لم ندعك لهذا، ولم نرد منك هذا" رواه البخاري.

 10- تذكر فضل الصلح:

وتذكر أضرار الخلاف.. كما يقول تعالى: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128]، ويقول: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46]؛ فهذا سيدفع بكل تأكيد لتنشيط العلاقات بين الناس، حينما يعلمون أن الصلح يقوي الفرد والأسرة والمجتمع ويسعدهم.. بينما الخلاف يضعف ويُتعس.

 11- تذكر فضل الثواب:

كما يقول تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَّغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) [النور: 22]، وكما يقول صلى الله عليه وسلم: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" رواه البخاري.. فبعد العدل ومعرفة أين الحقوق، إذا تنازل صاحب الحق عن بعض حقه أو كله؛ فله ثواب عظيم؛ إذ ساهم في التئام الجراح، وعودة سلاسة الحياة وسعادتها، فإذا حرص في المقابل مَن عليه الحق على أدائه، تقارب المتخاصمون وزال خلافهم وسعدوا..

ولا ينقص ذلك المتنازل شيئا، بل يزيده عزة لأنه هو الأوسع صدرا، والأرجح عقلا، والأكثر ثوابا، كما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" رواه مسلم.

 12- اعتذار المخطئ:

فهو يهدئ من نفس صاحب الحق فيدفعه لقبول عذره.. والاعتذار يكون بالنظرات أو الكلمات أو الهدايا أو نحو هذا من صوره المتعددة.

فعن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا يقول: "اعلم أبا مسعود، لَلهُ أقدر عليك منك عليه"، فالتفت فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله تعالى، فقال: "أما إنك لو لم تفعل لمستك النار" رواه أبو داود.

 13- قبول عذره:

فكل إنسان قد يتعرض لظروف من بيئته قد توقعه أحيانا في الخطأ إذا استجاب لوساوس الشيطان، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم مشجعا لقبول الأعذار، ومحذرا من عدم قبولها: "من اعتذر لأخيه فلم يقبل منه.. كان عليه مثل خطيئة صاحب مكس" رواه ابن ماجة، والمكس هو نوع من كسب مال خبيث.. وذلك حتى تعود المياه لمجاريها وأفضل.

 14- الستر:

فهو يضيّق الخلاف قدر الإمكان؛ ولذا حث الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في قوله: "ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة" رواه مسلم.

 15- حسن الظن:

 فهو يقرّب، بينما إساءته تُبعد؛ ولهذا يحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم منه في قوله: "إياكم والظن.." رواه البخاري ومسلم.

 16- الحلم والتأني والصبر:

فالهدوء يعين على حسن الاستماع، وحسن جمع المعلومات، والتجاوز عما قد يحدث في أثناء ذلك من تجاوزات، وعزلها عن التأثير على ما سيتخذ من قرارات.. وعدم التعجل يعين على حسن دراسة كل الآراء للخروج بأفضل الحلول.. والصبر يعين على قبول المعقول من التنازلات من أجل عودة الأمور لطبيعتها وأفضل.

 17- السؤال والتواصل والتزاور والتهادي:

واستغلال المناسبات المختلفة؛ فكل هذا يذيب أي جمود في أي علاقات، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم: "تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدور" رواه مالك، وحر الصدور أي ما يمر بها من وساوس الشيطان.

 18- حسن الكلام:

فهو يجذب المتباعدين، ولذا يجوز حتى الكذب بما ينفع ويقرّب، كما تقول أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها: "ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد به الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدّث امرأته والمرأة تحدّث زوجها" رواه مسلم.

 19- الرضا بالواقع حتى تغييره:

فلكلٍ أخطاؤه؛ فقبولها وحسن التعامل معها، ووجود القدوة الصالحة أمامها يعين المخطئ على علاج خطئه تدريجيا، وهذا هو ما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت وفيها عوج" رواه البخاري ومسلم، أي تعاملوا يا رجال ويا نساء بحكمة مع المرأة حين يظهر منها بعض العوج، وهو تغليب عاطفتها أحيانا على عقلها.

إذ هذه هي الدرجة التي لها فوق الرجل، وخلقها خالقها بها في مقابل الدرجة التي له عليها، وهي تغليب العقل على العاطفة ليتساويا بعدله تعالى كما يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ)؛ حتى يتوازن الكون، ويمتلئ عقلا وعاطفة؛ فيسعد الجميع.

 20-  الرغبة الصادقة في الصلح:

فبدونها لن يتم أي تقارب، كما ألمح لذلك سبحانه عند الإصلاح بين الزوجين في قوله: (إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35].

 21- زيادة الإيمان:

فزيادته من الطرفين تعالج أي فتور بينهما، فقد كان الصحابي يقول لأخيه: "اجلس نؤمن ساعة" للعون على ازدياد قربهما.

 22- مقاومة الشيطان:

لأن وساوسه كثيرا ما تكون بعض أسباب توتر العلاقات، ولذا نبهنا الله تعالى لهذا في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201].

 23- الدعاء:

والاستعانة به سبحانه، إذ الأسباب تبدأ منا، ثم استكمالها وإتمامها والتوفيق في تحقيق نتائجها إنما يكون منه تعالى، كما وضّح لنا هذا في قوله: (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].

 24- البدء بالعلاج والأمل وعدم اليأس:

 حتى لا يتراكم الفتور مع الوقت فيصعب إزالته، ومن بدأ خطوة سيوفقه سبحانه حتما لبقية الخطوات كما يقول: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، وكما يقول في الحديث: ".. ومن تقرّب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا.." رواه البخاري ومسلم.

25- الشكوى لمن يستطيع الحل:

مع طلب تحكيمه ووساطته بين الطرفين عند الحاجة لذلك، وعدم نجاح الوسائل السابقة.. فقد سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه زوجة ابنه عن حال زوجها معها، فقالت: "نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشا، ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه" رواه البخاري؛ فقد أظهرت شكواها انشغال زوجها عنها، وعدم إشباعها جنسيا بأسلوب مناسب، وفي وقت مناسب، ولشخص مناسب، يمكنه حل المشكلة.

أخي الحبيب، هذه بعض الفنون التي علمنا إياها الإسلام لإعادة الروابط الوثيقة، وأنتم ولله الحمد قد وفقتم لبعضها كما ذكرت في رسالتك، فاستكملوا باقيها حتى تستكملوا منافعها.. وسيكون لكم بكل تأكيد ثوابكم العظيم على ما ستتخذونه من إجراءات.

وفقكم الله وأعانكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم.