حكم ودروس من رحلة العمرة

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

عادت بي الخطى قبل أيام من الديار المقدسة بعد رحلة إيمانية في ظلال بيت الله الحرام وفي أفياء رسوله الكريم علية الصلاة والسلام ، أن هذه الرحلة تطلبها النفس وتتوق لها الجنان في كل عام وكأن العقل والجسد مني يتآلفان ويجمعان على ضرورة إنفاذها فتستجيب الجوارح غسلاً لها مما لحق بها من أدرانٍ وذنوبٍ على مدار عام كامل .

 في كل رحلة إلى هاتيك الديار أشعر وكأني اذهب إليها للمرة الأولى ،فتخفق مني الجوارح ويتحرك مني كل ما سكن من عواطف ، ويتنبه العقل الباطن ليصبح أكثر يقظه من العقل الظاهر وتستيقظ أحاسيس ومشاعر لا تشعر بها النفس إلا في جنبات بيت الله الحرام وفي ظلال جوار رسوله الكريم .

 إنها رحلة الإيمان والصبر والتفكر والتدبر والحكمة إنها رحلة المعرفة والإيمان والعلم والتكافل والتناصح بين الإخوان والرفاق والأصدقاء ، ما أجمل رحلة العمرة او الحج عندما نتخيلها ككتاب من المنوعات يحمل في جعبته معارف مختلفة ومعلومات متنوعة ، نتعلم منه الكثير من الفضائل ونكتسب من خلاله الكثير من الشمائل ،فهي رحلة الصبر بمعنى الكلمة ،الصبر على الطريق إما لحر او بعد مسافة او تعب أنهك الجسد او لفراق ساعات النوم التي اعتاد عليها الجسم ،فكل ما خالف العادة التي تعود عليها الجسد هو سبب من الأسباب الداعية إلى الصبر والاحتمال ،وهي رحلة التدبر والتفكر في تلك الديار التي عاش فيها أسلافنا الأوائل رغم صعوبتها ووعورتها وقلة مائها وجدبها من الظلال الوارفة والأشجار الناعسة ،.......نتدبر فيها كيف عانى رسولنا الكريم من اجل نشر الدعوة وإيصالها إلى الناس بيضاء نقية ،.......نتدبر معاناته علية الصلاة والسلام هو وأصحابه الكرام في تلك الصحراء الموحشة .....نتدبر كيف قطع رسولنا الكريم الطريق من مكة إلى المدينة سيرا على قدميه رغم ما فيها من عقبات وصعوبات ،فنحن نسير في حافلة مكيفة والظروف كلها لنا مهيأة ومع ذلك نشعر بالتعب ويطال أنفسنا التذمر والشكوى ......، نعم إنها رحلة المعرفة والعلم فهي تعرّفك بالناس فالسفر يسفر عن أخلاق الرجال... ، ففيها تعرف معادن الناس ،لأن التعب والإجهاد يكشف أخلاق الرجال فتعرف حينها أي أنواع الرجال تخالط ، وأي الناس تعاشر وتجاور ، إنها رحلة العلم بكل ما في الكلمة من معنى فدروس العلم وحلقاته في جنبات بيت الله الحرام رافد عظيم من روافد المعرفة والعلم الغزير لمن أراد أن ينهل منه لخيري الدنيا والآخرة ،وهي رحلة الحكمة ففيها يعرق الحليم الحكيم من الرجل الذي ضاقت أخلاقة فلا مكان لها في صدره وبين جوارحه ، حقا ما أحوجنا في كل عام إلى كتاب ننهل منة غزير المعرفة والحكمة ككتاب العمرة فنزداد إيمانا وعلما وحكمة .