حبيب بن زيد

عدنان عون

[email protected]

1- سطور من حياته :

·       أنصاري شهد العقبة الكبرى مع أبيه و أمه .

·       تربى في بيت ملئ إيماناً وعطاء .

·       أبلى في الإسلام بلاء خالداً واستشهد تحت التعذيب على يد مسيلمة .

2- مع وفد العقبة الكبرى :

استطاع داعية الإسلام مصعب بن عمير – خلال وجوده في يثرب – أن يقنع الكثيرين من الأوس والخزرج بالإسلام حتى فشا الإسلام فيهم ، ولم تبق دار من دورهم إلا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات ، يظهرون الإسلام ، ويجاهرون بالانتساب إليه وبعد العقبة الأولى ، حضر مصعب الموسم ومعه ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان فيهم زيد بن عاصم والد ( الحبيب) وفيهم أمة ( نسيبة بنت كعب المازنية ) . وفي ليلة من ليالي الموسم واعد رسول الله وفد الأنصار ، وهنال عند العقبة كانت أعظم بيعة سرية بين رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وبين هؤلاء المؤمنين من أهل يثرب . وتمت البيعة بعد أن اشترط الرسول لنفسه ( أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم و أبناءهم ) ولربه ( أن يعبدوه – وحده- لا شريك له ) . فلما أعطوه موثقهم وتمت البيعة ، وقف .... صاحب اليد البيضاء في هذه الليلة ( البراء بن معرور ) وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا ( أي نساءنا ) ثم اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ( اثني عشر نقيباً ) . ومنّ الله بهذه البيعة على المؤمنين ، فكانت فاتحة خير لهم ، ومنعطفاً رائعاً لصالح الدعوة فقد فتحت أمام المضطهدين على أرض مكة فرجاً وجعلت لهم مما هم فيه مخرجاً ، فما إن أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة حتى رأيتهم يخرجون أرسالاً يؤمون الدار التي احتضنت دعوتهم ويقصدون إخوانهم الذين آووا ونصروا .

3- سليل بيت مؤمن :

وفي جنبات بيت من بيوت المدينة ، وفي كنف أب عظيم ، وأم خالدة ، وفي ظلال حب إيماني عميق ، وعقيدة إسلامية تربى حبيب ، يغذيه حب والديه له و إشرافهما عليه ، فقد كان والده ممن سبق من أهل يثرب إلى الإيمان و آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم أول ماسمع حديثه و أخباره من فم داعية الإسلام . أما أمه نسيبة .. فمن لا يعرفها ؟ .. ومن لم يسمع بأخبارها ؟ إن معركة أحد مازالت تحمل في تاريخها أروع صور الفداء و التضحية لهذه المرأة العظيمة فقد راعها ما وصلت إليه حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فألقت بنفسها أمامه وكانت رداءً له من سهام الأعداء وضرباتهم و أسفرت أحد عن جراحات كثيرة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. ولكن نسيبة كانت أكثرهن حظاً منها .. وكذلك يفعل الإيمان إذا تمكن من القلب ، ومازالت نسيبة المازنية – أم حبيب – تسجل في تاريخ الإسلام ، صفحات من التضحية والفداء حتى برت الأقدار بقسمها ووضعتها أمام قاتل ابنها ( حبيب ) عندما لحقت بجيش المسلمين إلى قتال ( دعيّ النبوة ) مسيلمة ، فقاتلت على أرض اليمامة قتال المؤمنين . فهل من غرابة إذا كان حبيب آية في الشجاعة والتحمل و الصبر والفداء ؟! .

4- المهمة الخطيرة :

أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعد هجرته – دعائم المجتمع الإسلامي الفاضل . وبدأت شوكة الإسلام تقوى ولا سيما بعد لقاء الحق والباطل في معركة ( الفرقان ) . وبعدها انطلقت راية الحق من نصر إلى نصر ومن تمكين إلى تمكين وحين تم لهذا الدين أمره ، واكتملت قوانينه وتشريعاته ، وبدأ الوحي يؤذن بالتحاق ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بالرفيق الأعلى ، تراءت رؤوس الفتنة ، وأدعياء النبوة ، وباتوا يتطاولون على الحق ويطالبون بما ليس لهم به حق .. و إذا بالأمة ترى بأم عينها ما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أخبرهم ، ( بأن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً ) وهذا أخطرهم ( مسيلمة بن حبيب) كذاب بني حنيفة ، يبعث إلى رسول الله برسالة يطالبه أن يشركه معه بالنبوة والمال ، ولم يكتف رسول الله بما بعث له مع من بعثهم مسيلمة بل انتدب للمهمة الخطيرة والأمر الصعب رجلاً من أعمق الرجال إيماناً و أشجعهم في الحق ، ذلك أن مهمته تتطلب إيماناً لا يفتن ، وعقيدة لا تتزعزع وشجاعة لا تخون صاحبها ومن لهذا كله غير ( حبيب بن زيد).؟ فقد ربي على الإيمان العميق ، وغذي بلبان الشجاعة والتضحية بعد أن رضع من أمه نسيبة المازنية كل معاني الحق والخير والشجاعة. وتوجه ( رسول رسول الله حبيب بن زيد ) إلى عدو الله مسيلمة وهو يعلم أنها مهمة قاسية ولقاء شديد ، ومجابهة خطيرة ، فاستعان بالله ومضى على بركته ، وما كان لحبيب بن زيد أن يعتذر أو يتوانى وقد انتدبته الأقدار لتجعل منه ( بطلاً من أبطال العقيدة ، ورجلاً من رجالات المبدأ ، وصورة خالدة للحق و التضحية والثبات ) .

5- الموقف الصعب والنهاية القاسية :

وشاءت الأقدار أن يقف ( حبيب بن زيد ) وجهاً لوجه أمام الدعيّ الكذاب فعرض عليه ( مسيلمة ) الإيمان فرفض رفضاً قاطعاً و أعلنها في وجهه كلمة حق لم تضعف أو تخون أو تستسلم وعرّض حبيب على تعذيب لا يطاق وابتلاء لا يحتمله إلا أصحاب العقيدة و الإيمان ، ثم جيئ به ثانية إلى الكذاب ، فقال له : أتشهد أني رسول الله ( قال حبيب ) : لا أسمع ثم كرر عليه ( أتشهد أن محمداً رسول الله ) فيقول : ( أشهد أنه رسول الله ) وهكذا تكرر هذا المشهد حتى ثارت ثائرة مسيلمة فأمر أتباعه فقطّعوا حبيباً عضواً عضواً ، ولكنه ما تراجع ولا لان وسقط الشهيد شهيد الحق أمام الطاغية الكاذب وهو يردد نشيد العقيدة ، ويفارق الدنيا وشفتاه تنطق ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) . وتبقى صورة لا يزيدها البلاء والامتحان إلا عمقاً وصدقاً وتضحية . فارق حبيب حياة الفناء إلى عالم الخلود وقد أبقى للتاريخ صورة أعظم الشهداء . ومن أعظم من رجل وقف أمام ظالم فجابهه بقول الحق . مات حبيب ولكن المبدأ لم يمت وسقط الشهيد وبقيت صورته حية تتجدد أمام الظالمين في كل عصر وحين ، إنه ميراث النبوة ولن ينطفئ أداؤه حتى يرث الله الأرض ومن عليها . سقط الشهيد بعد أن بلغ الرسالة و أدى الأمانة ، ومات على الحق . وطار إلى المدينة خبر ( حبيب ) فإذا العيون دامعة ، والقلوب واجفة ، وإذا الحزن يلمس وجوه الجميع .

أما الثكلى الحزينة التي فجعت بولدها حبيب فقد طلبت من الله أن يريها مصرع عدو الإسلام مسيلمة بعينها . وإذا الحق يزهق الباطل ويصرعه، فيوارى مسيلمة في باطن الأرض ، وتمحق كلمات الباطل . ويعود الإسلام يخفق براية التوحيد من جديد وتبقى لا إله إلا الله وحدها دون سواها يستظل بها ركب المؤمنين الخالدين .