مع شيخ صائم
صباح هذا اليوم، وأنا متجه إلى مقر عملي، أحمل شيخا كبيرا عبر سيارتي، فكان حديثه ممتعا، ونصائحه من ذهل، وحنينه لذكرياته يحي الأمل ويعيد الشوق..
أقول له: حدثني عن الصيام..
يجيب بلغة الواثق: الساجي مثلك، يعتبر الصوم رحمة ومغفرة.
والجايح، يعتبر الصوم تعب ومشقة.
أقول له مازحا: هل تصوم ياشيخ..
يجيب بافتخار شديد: طبعا أصوم، دون مشقة ولا تعب، وأنا في 91 من عمري. وقد كان ذلك واضحا في حلو لسانه، وسلامة جسده، وخفة حركته، ونشاطه الواضح.
يستخرج زفرات من الأعماق ويحدثني عن الصيام في عهد الاستدمار، فيقول..
كنا نصوم تحت شمس محرقة، ونحن نحصد الهكتارات، نلبس الصوف فلم يكن يومها اللباس الناعم الذي تتنعمون به. وفي المساء تنتفخ الأرجل من العمل المستمرالشاق والوقوف الطويل. وحين ينشف العرق نعاني من آثاره.
يواصل قائلا: كنا نحن الثمانية، نتقاسم قطعة الخبز، فينال الواحد منا قطعة صغيرة جدا، يظل عليها اليوم كله..
أعينه وأقول: واليوم الفرد الواحد، يأكل 8 ثمانية قطع من الخبز، ويرمي أغلبها في المزابل.
يعدد أبناءه الثمانية ويذكر أسماءهم، وبأنهم أساتذة وإطارات وكل له منصب عال سام. ثم يستقيم عاليا، ويقسم بأغلظ الأيمان.. منحت الحلال لأولادي، فكان مصيرهم الذهبي الذي ذكرته لك، ولم يأكلوا الحرام قط.
أقول له: إذن الحلال ينشىء الولد الصالح.
يجيب بفرح.. إيه يا وليدي.
أسأله قائلا.. كم مر على زواجك..
يجيب قائلا.. لاأعرف بالضبط، لكني تزوجت وأنا ابن 22 سنة..
وبما أنه يبلغ من العمر 91 سنة، فإنه قد مر على زواجه 69 سنة..
أقول له.. هل رأيت زوجتك يوما، تأكل رمضان؟..
يجيب بالنفي القاطع ويضيف: وأنا أعلم أنه يسمح لها بـ 4 أيام بالأكل كل شهر من شهور السنة..
وبقدر التقدير لإمرأة ظلت 70 سنة من الزواج، دون أن تظهر لزوجها حقها المطلق في أكل رمضان وتخفيه حياء من زوجها، يتعجب المرء من شباب، رزقوا الطول والعرض، ويتباهون أمام الناس وفي المساجد، بانتهاك حرمة رمضان علانية، قبل أذان المغرب وبعد أذان الفجر، بزعم أنه سنة مهجورة.
حظ الله الشيخ، ومتّعه بصيامه وهو في 91 من عمره، ورزقه الصحة والعافية.
وسوم: العدد 625