صلــة الأرحــــام

الشيخ عبد العزيز رجب

الحمد لله الذي أمر بصلة الأرحام، والصلاة والسلام على خير الأنام، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، وبعد.

من أول ما أوصى الله به عباده المؤمنين -بعد عبادته وحده- صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم، والرفق بهم، والرعاية لأحوالهم؛ فصلة الأرحام من أعظم الواجبات، وأفضل الطاعات، وقطيعتها من أعظم الذنوب وأخطر الآفات، فالرحم مشتقة من أسماء الله، كما قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «قَالَ اللَّهُ -في حديثه القدسي : أَنَا الرَّحْمَنُ، وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنْ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ» (أخرجه: أبوداود وابن حبان، عن عبد الرحمن بن عوف)، وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:4]، وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ} [النساء:36]

أهمية صلة الأرحام:

صلة الرحم من صفات المؤمنين بالله واليوم الآخر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (متفق عليه)

وصلة الأرحام يزيد الله بها في العمر، ويبسط في الرزق، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (متفق عليه )

وواصلُ رحمه لا يخزيه الله أبدا، كما قالت أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- للنبي صلى الله عليه وسلم: «كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق..» (متفق عليه).

ومن أسباب دخول الجنة، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم : «تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتِ الزكاة، وتصل الرحم» (أخرجه: البخاري).

الصدقة على ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة، فعن سليمان بن عامر الضبي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم اثنتان: صدقةٌ وصلةٌ» (أخرجه: أحمد وابن ماجه).

ومن أبواب الجهاد، كما جاء عن عبدالله بن عمرو-رضي الله عنهما- جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى  اللهُ عليه وسلَّمَ يستأذنُه في الجهاد، فقال: «أَحَيٌّ والداك؟» قال: نعم . قال «ففيهما فجاهدْ» .(متفق عليه)

والصدقة تجوز على ذي الرحم حتى ولو كان يخفى العداوة، كما جاءعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن الصدقات أيُّها أفضل؟ قال: «على ذي الرحم الكاشِح» أي الذي يخفي العداوة. (أخرجه/أحمد).

بل أفضل الصدقة ما أنفقت على صلة الرحم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك» (أخرجه/مسلم).

عقوبات قطيعة الرحم:

قطيعة الرحم تؤدي إلى خسران كبير في الدنيا والآخرة، لأنه ارتكب كبيرة من الكبائر، فيعجل لقاطع الرحم بالعقوبة في الدنيا والآخرة، فعن أبي بكرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجّل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مَعَ ما يَدَّخرُ له في الآخرة: من البغي، وقطيعة الرحم» (أخرجه: أبو داود والترمذي).

وقاطع الرحم لا يدخل الجنة أبدا، كما روي عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنة قاطع» (متفق عليه)، يعني قاطع رحم.

وقطيعة الرحم سبب لللعنة، كما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذِ بك من القطيعة. قال: نعم. أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23﴾}. [محمد] (متفق عليه).

وقطيعة الرحم من أسباب عدم قبول العمل؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أعمال بني آدم تُعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبلُ عمل قاطعِ رَحِمٍ» (أخرجه: أحمد).

أسباب القطيعة

ترجع أسباب قطيعة الرحم إلى: الجهل بعواقب القطيعة، وسيطرة روح المادّية على المجتمع والأفراد، وضعف الإيمان، التكبُّر، سوء الظن، الحسد، الغيبة والنميمة، الانقطاع الطويل والعتاب الشديد الذي يقود إلى الوحشة، التكلف الزائد، بُعد المسافة ونسيانهم في الولائم والمناسبات، والتكاسل عن الزيارات، وكلها أسباب نهى عنها الشرع الحكيم .

الوسائل المعينة على ذلك:      

نستطيع أن نصل أرحامنا؛ بأن نواصل الاتصال بهم حتى ولو قاطعونا، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ، فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملّ (الرماد الحار)، ولايزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» (أخرجه: مسلم)، ولا يكون اتصالنا بهم كالمكافئ كما جاء عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وصلها» (أخرجه: البخاري)، ونوصل إليهم كل ما أمكن من الخير، وندفع ما أمكن من الضرر، ونزورهم ونتفقد أحوالهم والسؤال عنهم، فهم أولى الناس بالصحبة، فقد روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: يا رسول الله! من أحقّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك، ثم أدناك أدناك» ( متفق عليه)؛ وأن نعفوعن زلاتهم، والتصدق على فقيرهم، والتلطف مع غنيهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم، وإصلاح ذات بينهم، وعيادة مرضاهم، وإجابة دعوتهم ..

هذا وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وسوم: العدد 652