منهج التغير لدى الإخوان
منهج التغيير لدى الإخوان واضح معالمه محددة مراحله ولكن علينا أن نحدد من أين نبدأ .
أن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبائ تحتاج من الأمة التى تحاول هذا أو من الفئة التى تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل فى عدة أمور :
إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف،
ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر،
وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل،
ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره .
على هذه الأركان الأولية التى هى من خصوص النفوس وحدها
وعلى هذه القوة الروحية الهائلةK تبنى المبادئ وتتربى الأمم الناهضة وتتكون الشعوب الغنية وتتجدد فيمن حرموا الحياة زمنا طويلا.
وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة أو على الأقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه فهو شعب عابث لايصل إلى خير ولا يحقق أملا.
[رسالة إلى أى شىء ندعو الناس] .
ولهذا كان منهج الإخوان محدد وواضح يعتمد على الفرد المسلم الصالح أساس النهضة والتغير عن طريق :
1- إصلاح نفسه حتى يكون : قوى الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا فى شؤونه، نافعا لغيره.
وذلك واجب كل أخ على حدته .
2- وتكوين بيت مسلم : بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على أداب الإسلام فى كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد والخدم وتنشئتهم على مبادئ الإسلام .
وذلك واجب كل أخ على حدته كذلك .
3- وإرشاد المجتمع : بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأى العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما .
وذلك واجب كل أخ على حدته، وواجب الجماعة كهيئة عاملة .
4- تحرير الوطن : بتخليصه من كل سلطان أجنبى – غير إسلامى – سياسى أو اقتصادى أو روحى .
5- وإصلاح الحكومة : حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدى مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها .
والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه .
ولا بأس بأن تستعين بغير المسلمين عند الضرورة فى غير مناصب الولاية العامة ولا عبرة بالشكل الذى تتخذه ولا بالنوع، ما دام موافقًا للقواعد العامة فى نظام الحكم الإسلامى .
ومن صفاتها : صيانة الأمن، وإنفاذ القانون، ونشر التعليم، وإعداد القوة، وحفظ الصحة، ورعاية المنافع العامة وتنمية الثروة، وحراسة المال، وتقوية الأخلاق، ونشر الدعوة .
ومن حقها – متى أدت واجبها : الولاء والطاعة، والمساعدة بالنفس والأموال .
فإذا قصرت، فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد، ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق .
6- وإعادة الكيان الدولى للأمة الإسلامية : بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافاتها وجمع كلمتها، حتى يؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة .
7- وأستاذية العالم : بنشر دعوة الإسلام فى ربوعه .
وهذه المراتب الأربعة الأخيرة تجب على الجماعة متحدة وعلى كل أخ باعتباره عضوًا فى الجماعة، وما أثقلها تبعات وما أعظمها مهمات، يراها الناس خيالاً ويراها الأخ المسلم حقيقة، ولن نيأس أبدًا، ولنا فى الله أعظم الأمل.
[رسالة التعاليم]
وما يعنينا هنا هو الانتقال من إرشاد المجتمع إلى إصلاح الحكومة بأن يكون بالإقناع ونشر الدعوة والنضال الدستورى
وقد حدد الإمام البنا هذا الأمر بشكل واضح فى رسالة المؤتمر الخامس فقال :
الإقناع ونشر الدعوة والنضال الدستورى .. الوسيلة الأسلم للمجتمع :
ويحدد الأستاذ البنا لتحقيق هذه الغاية القيام بنشر الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ومن خلال الاشتراك الفاعل فى الحياة السياسية، فيقول:
أما وسائلنا العامة فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر ...
ثم النضال الدستورى، حتى يرتفع صوت هذه الدعوة فى الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية،
وعلى هذا الأساس سيتقدم مرشحو الإخوان المسلمين حين يجيء الوقت المناسب إلى الأمة ليمثلوها فى الهيئات النيابية، ونحن واثقوان بعون الله من النجاح ما دمنا نبتغى بذلك وجه الله.
إيضاح لا لبس معه :
وعلى هذا فمنهج الإسلام الذى يلتزم به الإخوان المسلمون، أن سياسة الناس بالعدل والحق والرحمة جزء من رسالة الإسلام، وأن إقامة شرائع الإسلام فريضة من فرائضه ...
ولكن الحُكام فى نظر الإسلام بشر من البشر، ليست لهم على الناس سلطة دينية بمقتضى حق إلهى ...
وإنما ترجع شرعية الحكم فى مجتمع المسلمين إلى قيامه على رضا الناس واختيارهم، وإلى إفساحه للشعوب ليكون لها فى الشئون العامة رأى ومشاركة فى تقرير الأمور، وللناس أن يستحدثوا بعد ذلك من النظام والصيغ والأسباب فى تحقيق هذا المبدأ ما يناسب أحوالهم، وما لابد أن يتغير ويختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وأحوال الناس .
وقد اختار الإخوان طريق التغير السلمى طريقا لهم عن طريق الوعظ والإرشاد فى كافة ميادين الحياة
واختاروا لتغير شكل الحكم إيقاظ وعى الأمة لإختيار ممثليها عن طريق انتخابات حره نزيهه تفرز الصالحين الحريصين على بلدهم، ويمكن من خلالهم تعديل كل القوانين السيئة، وتعديل ما يحقق صالح الأمة من مواد الدستور بما يكفل الحريات وحقوق الإنسان
والإخوان لديهم القدرة والاستعداد للمشاركة مع كل القوى الفاعلة فى المجتمع بما يحقق صالح المواطن .
وأثار بعض الغلاة بأن هذا شىء مبهم غير مفهوم
ويحب الإخوان أن يؤكدوا مرة أخرى بأن هذا ليس اجتهاد سياسيا ولكن هو من أصل الدين ومنهج الإسلام الذى تلتزم به جماعة الإخوان، ولذلك ستفرد بحث حول مدى شرعية وإمكانية المشاركة فى الحكومات الحالية، وكذلك موقفنا من هذه الحكومات .
المشاركة في إدارة شئون المجتمع
عبر نظام حكم إسلامي لا يحكم بكل ما أنزل الله
عندما تجد الجماعة المؤمنة صعوبة في المضي إلى هدفها مباشرة بإقامة حكم إسلامي تجد نفسها أمام خيارات وموازنات صعبة .
" تحقيقاً لمقاصد الشرع وحماية لمصالح العباد ".
وحيث أن أهم سمات المنهج الإسلامي:
المرونة – الواقعية
وهذا يحقق خلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان
كما يمكنه من وضع حلول للأوضاع الاستثنائية .
وعملا بقاعدة " فقه المصالح والضرورات " .
وحيث أن الاتجاه العام من الفكر الإسلامي المعاصر يتبني أصول الشاطبي كإطار عام لمعالجة المشكلات المستجدة انطلاقاً من الأصل “ أن الدين إنما أنزل للمحافظة على مصالح الناس في الدنيا والآخرة “.
وفي ظل المقصد العام للشريعة وجدت بعض جزئيات الدين مكاناً لها كفروع من الأصل.
وفي ظل هذا المقصد نفسه وجدت الحلول المناسبة للمشكلات المستجدة التي تضمن مصالح المسلمين بل مصالح البشر جميعاً وتدرأ عنهم الشرور والمفاسد دونما حاجة إلى البعد عن شرع الله ،
كما يمكن أن يتأسس عليها اجتهاد جديد كلما جدت تطورات في الحياة .
ومن هذه الأصول ما يستجيب للأوضاع العادية التي يمر بها المسلمون ومنها ما يغطي الأوضاع الاستثنائية.
* مثل مبدأ الضرورات تبيح المحظورات.
* ومثل مبدأ الموازنة بين المصالح والمفاسد.
والذي ينبغي على أن ما غلب ما فيه من صلاح عما فيه من فساد فهو مشروع .
* ومثل مبدأ المآلات.
( والذي ينص على أن أفعال المكلفين لا يحكم عليها المجتهد بالجواز من عدمه إلا بعد النظر في مألاً من غلبه المصلحة أو المفسدة ) .
إذا كان الأصل في أفعال العباد الجواز ما لم يرد مانع .
فالمانع هنا متوفر ( الأمر بإقامة حكم الله والنهي عن الحكم بغيره )
ومن هنا وجب على المسلمين أن يبذلوا وسعهم في الاستجابة لأمر الله بإقامة حكمه ولكن إذا لم يكن ذلك ممكنًا – لا يسقط التكليف على أن يتم بما يستطاع، ومن هنا كانت الأوضاع الاستثنائية .
(... جملة مقاصد الدين تدور حول مصالح العباد )
إن ما استقر فهمه من الشريعة، أنها وضعت لمصالح العباد، وأن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والأجل ..
وتم تصنيف المصالح إلى:
مصالح ضرورية ( الدين – النفس – النسل – المال – العقل)
مصالح حاجية ( التمتع بالطيبات )
مصالح تحسينية ( الأكل – الشرب – آداب ) .
الأوضاع الاستثنائية
1- الضرورات تبيح المحظورات ) فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ( .
2- مبدأ الموازنة بين المصالح والمفاسد .
3- مبدأ المآلات .
ولما كان “ الحكم الإسلامي “...
نظام الدولة ... الشريعة فيه هي المشروعة العليا .... السلطة فيه للشعب عبر صورة من الشورى ...
يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف الإنسانية مجتمعة، فإذا تعذر ذلك وجب العمل على تحقيق ما هو ممكن “ عملاً بقاعدة الاستطاعة “.
فإذا كانت استطاعتنا تقتضي المشاركة مع غيرنا “ مسلم أو غير مسلم “ ، فإرساء نظام اجتماعي غير قائم على الشريعة لكنه قائم على قاعدة مهمة من قواعد الحكم الإسلامي الشوري “ مبدأ سلطة الأمة “ بما يدرأ شراً .
( كالحكم الدكتاتوري – تسلط أجنبي – فوضى محلية ) أو يضمن تحقيق مصلحة [ تنمية اقتصادية – تضامن اجتماعى - حقوق إنسان - رفع حالة الطوارئ - التعددية السياسية - استقلال القضاء - حرية الصحافة ]
فهل يجوز للجماعة أن تتأخر في إرساء نظام ديمقراطي علماني إذا لم تتمكن من إقامة نظام إسلامي ديمقراطي
فيقام حكم العقل أن تعذر حكم الشرع ( ابن خلدون ) .
بل يقتضي الواجب الشرعي أن يشارك المسلم في تحقيق مثل هذا الحكم عملاً بالأصول والمقاصد الشرعية السابقة التي تؤول إلى قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد أو قاعدة الضرورة الاستطاعة أو قاعدة النظر في المآلات ..
أمثلة :
قصة سيدنا يوسف ... أنه طلب النهوض بمسئولية الحكم إيماناً بواجب إنقاذ شعب معرض للمجاعة .
النجاشي ... صلى الرسول عليه الصلاة والسلام ، عليه صلاة الغائب
حلف الفضول ... ( نصرة المظلوم ) صلة الأرحام [ لو دعيت لمثله لأجابت ] .
نحن والحكومات
فأما موقفنا من الحكومات المصرية على اختلاف ألوانها فهو موقف الناصح الشفيق، الذي يتمنى لها السداد والتوفيق، وأن يصلح الله بها هذا الفساد، وإن كانت التجارب الكثيرة كلها تقنعنا بأننا في واد وهي في واد، ويا ويح الشجي من الخلي .
لقد رسمنا للحكومات المصرية المتعاقبة كثيراً من مناهج الإصلاح، وتقدمنا لكثير منها بمذكرات ضافية في كثير من الشؤون التي تمسُّ صميم الحياة المصرية ...
لقد لفتنا نظرها إلى وجوب العناية بإصلاح الأداة الحكومية نفسها باختيار الرجال وتركيز الأعمال وتبسيط الإجراءات ومراعاة الكفايات والقضاء على الاستثناءات ..
وإلى إصلاح منابع الثقافة بإعادة النظر في سياسة التعليم ومراقبة الصحف والكتب والسينما والمسارح والإذاعة، واستدراك نواحي النقص فيها وتوجيهها الوجهة الصالحة ..
وإصلاح القانون باستمداده من شرائع الإسلام، ومحاربة المنكر ومقاومة الإثم بالحدود وبالعقوبات الزاجرة الرادعة ..
وتوجيه الشعب وجهة صالحة بشغله بالنافع من الأعمال في أوقات الفراغ ..
فماذا أفاد كل ذلك ؟ ..
لا شيء .
ولقد قامت وزارة الشؤون الاجتماعية لسد هذا الفراغ، فماذا فعلت وقد مضى عليها أكثر من عام ونصف عام ؟
وماذا أنجزت من الأعمال ؟
لا شيء .. وستظل ( لا شيء ) هي الجواب لكل المقترحات،
وما دمنا لا نجد الشجاعة الكافية للخروج من سجن التقليد والثورة على هذا “ الروتين العتيق “،
وما دمنا لم نحدد المنهاج ولم نتخير لإنقاذه الأكفاء من الرجال،
ومع هذا فسنظل في موقف الناصحين حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين .
* واستمرار لنهج الإمام المؤسس فإننا سنظل فى موقف الناصحين وإلا سنسعى إلى التغير عن طريق:
- النضال الدستورى .
- التغير السلمى عن طريق الانتخابات الحرة واختيار ممثلين صالحين يعبروا عن إرادة الأمة ويختاروا حكومة صالحة .
الإخوان المسلمون والقانون
قدمت أن الدستور شىء والقانون شىء آخر، وقد أبنت موقف الإخوان من الدستور، وأبين لحضراتكم الآن موقفهم من القانون .
إن الإسلام لم يجئ خلوا من القوانين بل هو قد أوضح كثيرًا من أصول التشريع وجزئيات الأحكام، سواء أكانت مادية أم جنائية، تجارية أم دولية .
والقرآن والأحاديث فياضة بهذه المعانى، وكتب الفقهاء غنية كل الغنى بكل هذه النواحى، وقد اعترف الأجانب أنفسهم بهذه الحقيقة وأقرها مؤتمر لاهاى الدولى أمام ممثلى الأمم من رجال القانون فى العالم كله .
فمن غير المفهوم ولا المعقول أن يكون القانون فى أمة إسلامية متناقضًا مع تعاليم دينها وأحكام قرآنها وسنة نبيها، مصطدمًا كل الاصطدام بما جاء عن الله ورسوله
فكيف يكون موقف المسلم الذى يؤمن بالله وكلماته إذا سمع هذه الآيات البينات وغيرها من الأحاديث والأحكام، ثم رأى نفسه محكومًا بقانون يصطدم معها ؟
فإذا طالب بالتعديل قيل له: إن الأجانب لا يرضون بهذا ولا يوافقون عليه،
ثم يقال بعد هذا الحجر والتضييق: إن المصريين مستقلون وهم لم يملكون بعد أن يتمتعوا بحرية الدين، وهى أقدس الحريات .
على أن هذه القوانين الوضعية كما تصطدم بالدين ونصوصه، تصطدم بالدستور الوضعى نفسه الذى يقرر أن دين الدولة هو الإسلام، فكيف نوفق بين هذين يا أولى الألباب ؟
وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا وحظر الربا ومنع الخمور وحارب الميسر، وجاء القانون يحمى الزانية والزانى ويلزم بالربا ويبيح الخمر وينظم القمار،
فكيف يكون موقفه المسلم بينهما ؟
أيطيع الله ورسوله ويعصى الحكومة وقانونها والله خير وأبقى ؟
أم يعصى الله ورسوله ويطيع الحكومة فيشقى فى الآخرة والأولى ؟
نريد الجواب على هذا من رفعة رئيس الحكومة ومعالى وزير العدل ومن علمائنا الأجلاء .
أما الإخوان المسلمون فهم لا يوافقون على هذا القانون أبدًا ولا يرضونه بحال، وسيعملون بكل سبيل على أن يحل مكانه التشريع الإسلامى العادل الفاضل فى نواحى القانون .
ولسنا هنا فى مقام الرد على ما قيل فى هذه الناحية من شبهات أو ما يعترض سبيلها من توهم العقبات، ولكنا فى مقام بيان موقفنا الذى عملنا وسنعمل عليه، متخطين فى سبيله كل عقبة، وموضحين كل شبهة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
[ رسالة المؤتمر الخامس ] .
الإخوان المسلمون والدستور المصرى
ويتساءل كذلك فريق من الناس: ما موقف الإخوان المسلمين من الدستور المصرى ؟
وهذه فرصة طيبة أتحدث إلى حضراتكم فيها عن رأى الإخوان المسلمين، وموقفهم من الدستور المصرى .
وأحب قبل هذا أن نفرق بين دائمًا بين “ الدستور” وهو نظام الحكم العام الذى ينظم حدود السلطات وواجبات الحاكمين ومدى صلتهم بالمحكومين،
وبين “ القانون “ وهو الذى ينظم صلة الأفراد بعضهم ببعض، ويحمى حقوقهم الأدبية والمادية ويحاسبهم على ما يأتون من أعمال.
وأستطيع بعد هذا البيان أن أجلى لكم موقفنا من نظام الحكم الدستور عامة، ومن الدستور المصرى خاصة:
الواقع أيها الإخوان، أن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستورى التى تتلخص فى :
المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها،
وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة،
وعلى مسؤولية الحاكم أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات،
هذه الأصول كلها للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده فى شكل الحكم .
ولهذا يعتقد الإخوان المسلمون أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام، وهم لا يعدلون به نظامًا آخر .
بقى بعد ذلك أمران:
أولهما النصوص التى تصاغ فى قالبها هذه المبادئ،
ثانيهما: طريقة التطبيق التى تفسر بها عمليًا هذه النصوص .
إن المبدأ السليم القويم قد يوضع فى نص مبهم غامض فيدع مجالاً للعبث بسلامة المبدأ فى ذاته، وإن النص الظاهر الواضح للمبدأ السليم القويم قد يطبق وينفذ بطريقة يمليها الهوى وتوحيها الشهوات، فيذهب هذا التطبيق بكل ما يرجى من فائدة.
وإذا تقرر هذا فإن من نصوص الدستور المصرى ما يراه الإخوان المسلمون مبهمًا غامضًا يدع مجالا واسعًا للتأويل والتفسير الذى تمليه الغايات والأهواء، فهى فى حاجة إلى وضوح وإلى تحديد وبيان، هذه واحدة،
والثانية: هى أن طريقة التنفيذ التى يطبق بها أثبتت التجارب فشلها وجنت الأمة منها الأضرار لا المنافع، فهى فى حاجة شديدة إلى تحوير وإلى تعديل يحقق المقصود ويفى بالغاية .
وحسبنا أن نشير هنا إلى قانون الانتخابات، وهو وسيلة اختيار النواب الذين يمثلون الأمة ويقومون بتنفيذ دستورها وحمايته، وما جره هذا القانون على الأمة من خصومات وحزازات، وما أنتجه من أضرار يشهد بها الواقع الملموس .
ولا بد أن تكون فينا الشجاعة الكافية لمواجهة الأخطاء والعمل على تعديلها.
ولهذا يعمل الإخوان المسلمون جهدهم حتى تحدد النصوص المبهمة فى الدستور المصرى، وتعدل الطريقة التى ينفذ بها هذا الدستور فى البلاد .
وأظن أن موقف الإخوان قد وضح بهذا البيان، وردت الأمور إلى نصابها الصحيح.
[ رسالة المؤتمر الخامس ] .
التغيير والمنهج التربوي
بقلم: د. رفيق حبيب
قامت الجماعة على منهج التربية والإصلاح، كوسيلة لتحقيق التغيير الذي تنشده، منذ بداية التأسيس الأول للجماعة،
كما أسست الجماعة منهجا للتغيير يقوم على العمل السياسي وعلى خوض الانتخابات،
ولكنَّ هذا المنهج لم يحلَّ محل المنهج الأساسي للجماعة، والقائم على التربية واكتساب الأعضاء والمؤيدين.
وربما يتساءل البعض:
لماذا لا تلجأ الجماعة لمنهج العصيان السياسي وهي تملك القدرة على ذلك؟!
وقد يرى البعض أنها لا تملك القواعد الكافية لمواجهة النظام، ولكنَّ الحقيقة أن منهج العصيان السياسي يتعارض مع التكوين الأساسي للجماعة، مثلما تعارض المنهج الانقلابي مع الأسس التي قامت عليها الجماعة، ولكن التغيير السياسي من خلال صناديق الانتخاب لم يتعارض مع طبيعة الجماعة بل كان منهجًا مناسبًا لها.
فالانتخابات تمثل عملاً جماهيريًّا بامتياز، يرتبط بالعمل التربوي والاجتماعي للجماعة، فكل أنشطة الجماعة التربوية والإصلاحية تقوم على جذب الجماهير ونشر رؤية الجماعة بينهم.
وفي الانتخابات أيضًا يكون العمل أساسًا مبنيًّا على الحشد الجماهيري، وهو ما يتناسب مع العمل التربوي والاجتماعي، وكأننا بصدد منهج يعتمد أساسًا على دعوة الناس للرسالة التي تؤمن بها جماعة الإخوان، وكلما تزايد عدد المؤيدين لهذه الرسالة كلما أصبح من الممكن تحقيقها على أرض الواقع،
وبهذا يعتمد منهج الجماعة في التغيير على تغيير رؤية الناس أولاً؛ حتى يصبح لدى الجماهير رسالةٌ يعملوا من أجل تحقيقها.
وكلما تزايد المؤمنون بمنهج الإخوان كلما نجحت الجماعة في الانتخابات بقدر ما تكون الانتخابات نزيهة، وبهذا يصبح دخول الانتخابات منهجًا ثابتًا للجماعة؛ لأنه أصبح عملاً مكملاً لمنهج التربية، والذي يمثل العماد الأساسي للجماعة،
أما العمل السياسي الاحتجاجي فيُعدُّ أداةً مكملةً لها ضرورتُها المرحلية، ولكنها ليست أداةً رئيسةً.
وعندما نحاول فهم المواقف السياسية لجماعة الإخوان يكون علينا رد تلك التصرفات على قاعدة أنها حركة اجتماعية تعتمد التربية منهجًا لها.. أي تغيير الناس؛ ولهذا لا تضحِّي الجماعة بفرصة العمل التربوي من أجل موقف سياسي، ولا تقبل فرصةً سياسيةً سانحةً تُنحيها في النهاية عن عملها التربوي.
والمشكلة الأساسية في المنهج التربوي أنه لا يمكِّن من فرض الإصلاح السياسي على النظام الحاكم، وبهذا يستمر العمل التربوي ويستمر تأثيره، ولكنَّ التغيير النهائي يصبح مؤجلاً؛ لهذا تحتاج الجماعة لمنهج تربوي يقوم على توجيه الجماهير لفعل اجتماعي واقتصادي وسياسي مشترك، يؤدي لتغيير حقيقي في البناء الاجتماعي مما يؤدي لتغيير البناء السياسي.
************
قضايا معاصرة
الإمام البنا واستخدام القوة
بقلم د. محمد عبد الرحمن المرسي – عضو مكتب الإرشاد
رفض الإمام الشهيد بوضوح استخدام القوة والعنف ضد الحاكم أو الحكومة، وبذلك أخذ بمذهب السلف بعدم الخروج على الحاكم المسلم عند انحرافه، بالسيف كما جاء فى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد سأله الصحابة أفلا نقاتلهم، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ما صلوا "، وفى رواية " .. ما أقاموا فيكم الصلاة" وفى رواية " .. إلا أن تروا كفراً بواحاً .. "
هذا مع القيام بواجب النصح للحاكم والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بضوابطه الشرعية والصبر عند ذلك عما قد يصيبهم والعمل للإصلاح الشامل فى المجتمع وامتلاك آلياته حتى يتم التغيير بالأسلوب السلمى، متذكرين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " .. سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله "
وكذلك القاعدة الشرعية لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق " ..
وأكدّ هذا النهج تاريخ الإخوان ورسائلهم وصبرهم إزاء ما حل بهم من قتل وتشريد ومصادرة وسجن وتعذيب.
إن ألفاظ الإمام الشهيد واضحة فى هذه المسألة، خاصة فى رسالة المؤتمر الخامس، رغم أن البعض حاول أن يحملها غير ذلك، فهو يرفض تماماً استخدام القوة داخل المجتمع أو فى مواجهة الحاكم،
ويقول عن الثورة – وهى أقوى مظاهر القوة – أنها ليست من وسائل الجماعة، ولن تكون، ولا تفكر حتى فيها، وإذا حدثت فى المجتمع فستكون من غيرهم وليست منهم.
وهو يتحدث فى رسالة المؤتمر الخامس عندما أشار إلى قوة الساعد – عن بيان قاعدة عامة وحقيقية اجتماعية، وليس توجيهاً باستخدام العنف داخل المجتمع.
يقول الإمام الشهيد في رسالة " رسالة المؤتمر الخامس " :
" فهم – أى الإخوان المسلمون – يعلمون أن أول درجة من درجات القوة قوة العقيدة – والإيمان، ويلى ذلك قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح، ولا يصح أن توصف جماعة بالقوة حتى تتوفر لها هذه المعانى جميعاً، وأنها إذا استخدمت قوة الساعد والسلاح وهى مفككة الأوصال مضطربة النظام أو ضعيفة العقيدة خامدة الإيمان فسيكون مصيرها الفناء والهلاك ".
ويقول : " وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها ... ".
كما يحدد بوضوح أن انحياز السلطة التنفيذية لمنهج الجماعة، سوف يكون انحيازاً سلمياً واضحاً لا عنف فيه، وإنما عن فهم واقتناع وعن تأييد ومناصرة سواء تم ذلك بمظهره فى الصندوق الانتخابى أو فى الرأى العام أو انحياز المؤسسات ومراكز التأثير والتوجيه فى المجتمع.
ولم يتحدث الإمام عن شكل الانحياز، لأنه سيكون حسب الواقع الموجود وقتها، وإنما حدد قواعده وآلياته وضوابطه، وأنه يتم عبر اقتناع وإيمان الشعب ومؤسساته ورأيه العام بهذه الدعوة وليس عن طريق الجبر والإكراه أو العنف والقوة.
يقول الإمام الشهيد موضحاً ذلك في رسالة المؤتمر الخامس:
"إن غاية الإخوان تنحصر فى تكوين جيل جديد من المؤمنين بتعاليم الإسلام الصحيح، يعمل على صبغ الأمة بالصبغة الإسلامية الكاملة فى كل مظاهر حياتها "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة"، وأن وسيلتهم فى ذلك تنحصر فى تغيير العرف العام وتربية أنصار الدعوة على هذه التعاليم حتى يكونوا قدوة لغيرهم فى التمسك بها والحرص عليها والنزول على حكمها"
ويقول أيضاً في رسالة المؤتمر السادس:
" ولهذا كان هدف الإخوان المسلمين يتلخص فى كلمتين : العودة إلى النظام الإسلامى الاجتماعى، والتحرر الكامل من كل سلطان أجنبى "
"أما وسائلنا العامة فالإقناع ونشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الراى العام ويناصرها عن عقيدة وإيمان، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هى الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح،
ثم النضال الدستورى حتى يرتفع صوت هذه الدعوة فى الأندية الرسمية، وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية .. "
"أما غاية الإخوان الأساسية أما هدف الإخوان الأسمى أما الإصلاح الذى يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم فهو إصلاح شامل كامل تتعاون عليه قوى الأمة جميعاً وتتجه نحوه الأمة جميعاً ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل"
"ولكن لاشك فى أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار ومتانة التكوين "
رسالة المؤتمر الخامس
أما الاستعداد وامتلاك وسائل القوة – وأبرز مظاهره تشكيل النظام الخاص فى حينها – فكان ذلك لمواجهة الاحتلال الأجنبى، حيث كان الوطن محتلاً من الإنجليز، والأمة بكل طوائفها فى حالة جهاد ومقاومة لهذا الاحتلال .
وعن خروج أى فئة من المجتمع وتمردها بالقوة على رأى غالبية الشعب وانحيازه لمنهج الإسلام وعلى السلطة الشرعية الممثلة له بعد هذا الانحياز السلمى،
يتحدث الإمام الشهيد عن هذا الموقف، خاصة إذا خرجت هذه الفئة بالقوة عن تلك السلطة الشرعية أو حاولت إيقاف صلاحياتها عند انحياز الأمة إليها، فيقرر عدم استخدام القوة فى مواجهتها ابتداء – رغم كونها المعتدية – وإنما يكون فقط فى حالة الضرورة لرد الاعتداء وبعد استنفاد كل الوسائل السلمية أولاً، ودراسة النتائج والآثار والإمكانيات، ويكون ذلك وفق القانون والضوابط الشرعية ومن خلال المؤسسات، وذلك لاستيعاب وعلاج هذا التمرد على الأمة أو وقوفه فى طريقها بأسلوب العنف والقوة.
يقول الإمام فى ذلك :
".... ولكن الإخوان المسلمين أعمق فكراً وأبعد نظراً من أن تستهويهم سطحية الأعمال والفكر، فلا يغوصوا إلى أعماقها ولا يزنوا نتائجها، وما يقصد منها وما يراد بها.
هذه نظرة،
ونظرة أخرى هل أوصى الإسلام – والقوة شعاره – باستخدام القوة فى كل الظروف والأحوال؟
أم حدد لذلك حدوداً واشترط شروطاً ووجه القوة توجيهاً محدوداً ؟.
ونظرة ثالثة: هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكى ؟
وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف ؟
أم من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون ؟.
هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة، قبل أن يقدموا عليه ."
رسالة المؤتمر الخامس
" أما ما سوى ذلك من الوسائل فلن نلجأ إليه إلا مكرهين ولن نستخدمه إلا مضطرين وسنكون حينئذ صرحاء وشرفاء "
" .. أقول لهؤلاء المتسائلين : إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدى غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً وينتظرون بعد ذلك .."
رسالة المؤتمر الخامس
والتاريخ يشهد بهذا السلوك السلمى للإخوان فى دعوتهم، فعندما شنت الحكومة السعدية حملة الاعتقالات والتعذيب لأفراد الجماعة، وكان الإخوان من العدد والإمكانيات ما يؤهلهم لإيقاف هذا الأمر ومنعه، رفض الإمام الشهيد اللجوء للقوة وقال لهم : "سلموا أكتافكم للسعديين" حرصاً على تجنب الصراع الداخلى وإراقة دماء أبناء الوطن، وفضل أسلوب الصبر وتحمل الإيذاء .
وعندما تطور الأمر إلى حل الجماعة فى ديسمبر 1948، أرسل إلى مجاهدى الإخوان فى فلسطين أن مهمتكم هناك على أرض فلسطين ما زالت قائمة، وألا يلتفتوا إلى ما يحدث فى مصر.
وعندما اعتقلوا هؤلاء المجاهدين لم يوجه الإخوان سلاحهم إلى من اعتقلهم من أفراد الجيش، بل وساعدوا الجيش وحموا مؤخرته بعد ذلك.
وبعد أن تم اغتيال الإمام الشهيد، وسقطت حكومة حزب السعديين كان الإخوان يعرفون جيداً جميع من قام بمؤامرة الاغتيال، ورغم تطور الأحداث السياسية وقيام الثورة ضد النظام الملكى، كان الإخوان يستطيعون الانتقام من قتلة الإمام دون الانتظار لأى محاكمة
لكنهم كما رباهم الإمام الشهيد رفضوا ذلك ولم يفكروا فيه لحظة واحدة،
وكذلك بعد انقضاء العهد الناصرى وخروج الإخوان من السجون كانوا يلتقون بالأفراد الذين مارسوا أشد أنواع التعذيب ضدهم بل وقتلوا العشرات منهم، كانوا يلتقون بهم فى الشارع والمجتمع، وقد زال عنهم سلطانهم والحماية السياسية لهم، ولم يفكر أى من الإخوان فى إيذاء أحد منهم حتى بالقول أو التشفى.
مما يؤكد ان المنهج السلمى من ثوابت دعوة الإخوان، وفيه الرفض بوضوح لاستخدام العنف والقوة ضد أبناء الوطن أو إحداث صراع دموى أو فوضى وتخريب فى الوطن.
كما أن تأييد الجماعة لحركة الجيش التصحيحية فى مصر عام 1952 (والتى عُرفت بعد ذلك بثورة يوليو)، ليس انحرافاً عن خط دعوتها أو تعديلاً فى المسار والمنهج، خاصة لمن عرف الظروف المحيطة والملابسات القائمة وقتها، فقد كان التغيير يُشكل مطلباً شعبياً ووطنياً.
إنما جاء هذا التأييد من منطلق تأييد أى حركة إصلاحية فى ظل تلك الظروف وقتها، خاصة أن أصحابها كانوا معروفين للجماعة وموثوق فيهم، ووعدوا بالإصلاح وكانت المطالب عادلة، فهو ليس تأييداً مفتوحاً (ولم يكن الإخوان يعلمون الغيب) وحدود هذا التأييد كانت خاضعة لضوابط الجماعة وفق منهجها وشمل ذلك :
تأمين استقرار الوطن وحماية المؤسسات من أى تخريب أو اعتداء،
والتصدى لاحتمال عودة القوات الإنجليزية للقاهرة،
والسماح لضباط الإخوان بالجيش بالمشاركة بصفتهم كضباط لهم مطالب عادلة وليس بصفتهم كإخوان.
وعندما خالف قادة الحركة الشروط وانحرفوا عن منهج الإصلاح، واجهتهم الجماعة بالنصح والإرشاد وتحملت أذى كثيراً فى سبيل الله .
والإخوان يفرقون بين الدولة والوطن من جهة .. وبين الحكومة والنظام من جهة أخرى،
فهم حريصون على استقرار الدولة وقوة مؤسساتها وتقدمها ويعملون على تحقيق ذلك بالتعاون مع الآخرين.
لكنهم يعارضون النظام والحكومة إذا انحرفت أو تجاوزت بكل صور النضال الدستورى السلمى.
وهم يقفون كذلك مع فئات الشعب وشرائحه المختلفة فى مطالبهم العادلة بحقوقهم وإصلاح أوضاعهم بالوسائل السلمية بما فيها حق الإضراب والاحتجاج، بالشروط والضوابط التى لا تؤدى إلى تخريب وفوضى، أو إضرار بمصالح الوطن العليا،
وبالتالى فإن الإخوان يقدمون مصلحة الوطن على المكسب الزائل فى صراعهم مع النظام، ويعملون على أن يكون الشعب إيجابياً يعرف حقوقه ويعرف كيف يطالب بها وكيف يحافظ عليها.
بين مفهوم المرونة ومنزلق التطويع
إن مفهوم المرونة يكون فى التعامل مع الواقع وليس فى المبادئ والمفاهيم الأساسية، فالجماعة تقابل أى مرونة موجودة فى الواقع المحيط بها بمرونة مثلها، وهى لا تحاول الصدام مع الواقع السياسى، لكن تحاول التكيف معه والاستفادة منه، دون أن تقدم تنازلات فى مبادئها الأساسية.
لكن عندما يصبح الواقع حولها مغلقاً بالكامل، وتتعرض للتضييق والحصار الشديد، فإن الجماعة لا تركز على تقديم المرونة لأنها لن تجد استجابة، وبالتالى لا يكون لتلك المرونة وظيفة،
ولهذا تتجه الجماعة إلى عملية تأكيد ثوابتها ومنهجها، وتحدد الحدود الفاصلة بينها وبين المشاريع الأخرى،
وبهذا تصبح مرحلة الحصار هى مرحلة التأكيد على الثوابت، ومهما طال أو قصر الحصار، فإن التمسك بالأهداف وعدم اهتزازها وتقوية البناء الداخلى يشكل حالة نجاح واضحة.
وعندما تأتى مرحلة الانفتاح بدرجاته المختلفة سواء بعوامل مباشرة أو غير مباشرة من الجماعة، أو من فعل الآخرين وتطور الأحداث، فإنها من المرونة والقدرة على استيعاب الواقع المتغير لتحقيق إنجاز التكيف مع الواقع ما دام به مساحة لقبول الحركة الإسلامية،
وبالتالى فإن أسلوب الخطاب الصادر يتغير واتخاذ خطوات فى الحركة والمواقف تتناسب مع الواقع الجديد دون الخروج على المبادىء والأهداف أو إضعاف للصبغة والرسالة.
وهذا التناوب والتغير الدورى من التضييق والحصار إلى الانفتاح والهدوء وتكراره ليس شيئاً جديداً فى مسيرة الجماعة ولا تنزعج له، وإنما تحسن التعامل معه، ولا يؤثر على رؤيتها أو يحبط عزيمتها أو تتعلق بآمال وواقع متغير قد تفاجئ بعدم استمراره.
هناك فرق بين المرونة فى المواقف وردود الأفعال، وبين الخضوع لأسلوب التطويع والاحتواء، والذى يبدأ بتطويع الخطاب الدعوى تحت حجج ومبررات شتى منها التعلق بأوهام المكاسب الزائلة أو الاهتزاز من تهديد أو ضغط ما.
وهذه البداية لا تقف عند هذا الحد، بل تنزلق تدريجياً بنفس الحجج الواهية نحو تطويع المواقف والأعمال لتصل فى النهاية إلى تطويع المبادئ والأفكار.
وتشير الآيات القرآنية إلى جانب من هذا الأمر، عندما تنفيه عن المجاهدين الربانيين أتباع الأنبياء : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) [ آل عمران : 146]
فهى تنفى عنهم هذه المراحل المتدرجة التى تؤدى فى النهاية إلى الهزيمة، فالوهن يكون أولاً فى القلب، ثم يمتد ويظهر أثره فى الأعمال والجوارح ليحل بها الضعف والتباطؤ والتخاذل، ثم ينتهى الأمر إلى الاستكانة والاستسلام والتخلى عن المبادئ والأهداف.
وحول دعوى البعض أن المرونة تقتضى تغيير الأهداف، ما دام المحيط الخارجى أو العوامل المؤثرة متغيرة، وبالتالى يجب مراجعة الرسالة وتعديلها بما يتلاءم مع الواقع،
فإننا نرد على هذه الرؤية التى قد تصلح لحزب سياسى محدود أو دعوة أرضية:
إن دعوة الإخوان دعوة إسلامية ربانية، وتحمل مشروعاً إسلامياً على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشروع مستقل وليس رد فعل لأى مشروع أخر.
وليس لها أو لأى كائن أن يغير فى ثوابت ومبادئ وأهداف دعوة الإسلام وهدى القرآن، وإنما التطوير فى الوسائل والإجراءات، وبالتالى فإننا على مدار السنين نرى نفس الأهداف العملية من تربية الصف الربانى القدوة الملتف حول قيادته المتمثل فيه الصفات الإسلامية التربوية فى أعلى درجاتها، وكذلك فى حمله رسالة الإسلام للمجتمع وإرشاده وتربيته وإنهاض الأمة الإسلامية لتؤدى دورها ورسالتها فى إعلاء كلمة الله.
ولأن الجماعة صاحبة رسالة، تتعلق بها الأمة، فقد تأتى أحداث ومواقف أساسية تتطلب إعلان رأى الجماعة المستند لرأى الإسلام.
وقد يكلفها هذا الكثير من التضحيات أو يتسبب فى التضييق عليها.
وإذا جاز لغير الجماعة أن يسكت أو يخضع مكرهاً مضطراً، فإن ذلك لا يجوز للجماعة التى تحمل لواء الدعوة وتقود الجماهير بل تعلن رأى الإسلام وموقفها فى وضوح وحسم وفق الآداب والضوابط الإسلامية.
لقد طلب من الإخوان أن تسكت على اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع العدو الصهيونى مقابل السماح لهم بالحركة، فرفض الإخوان ذلك، وأعلنوا موقفهم الرافض لها على أساسٍ شرعى، ونزلوا للجماهير لتوعيتها وتبيان مخاطرها ونالهم من ذلك أذيً كثيراً من اعتقال وتضييق ومطاردة حتى يومنا هذا
ونتذكر فى هذا موقف الإمام أحمد بن حنبل فى مواجهة بدعة "خلق القرآن" حيث أنه كان عالماً يتبعه العامة وجمهور الناس.
كذلك فإن عوامل النجاح والفشل لمشروع الجماعة وفق الرؤية الإسلامية، يمتلكها الصف وتنبع من داخله،
وأما المتغيرات الخارجية والضغوط والضربات مهما اشتدت فهى مجرد معوقات تؤثر على سرعة الإنجاز أو ترفع حجم التضحيات.
يقول فى ذلك القرآن الكريم : (لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ) [ آل عمران : 111] .. (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [ الأنفال 64]
وبالتالى فإن المخططات التى تواجهها الجماعة، وتصاعد المشروعات المعادية لها ولدعوتها، تواجه ذلك كله بالتمسك بعوامل النصر والثبات وتماسك وتقوية الصف والبناء التربوى الإيمانى والاستمرار فى حمل الدعوة وترسيخ أركان البيعة، واللجوء لله عز وجل أولاً وآخراً، فهذا هو طريق النصر ومعيار النجاح فى التصدى لكل الضغوط والأزمات، ولا يعنى هذا ترك التدبير أو عدم استفراغ الجهد البشرى، فهذا واجب أساسى، لكن العامل الحاسم هو ما أشرنا إليه.
حول التوازن بين التكوين والحركة
أو بين الفرد والجماعة
تميزت دعوة الإمام الشهيد بتحقيق هذا التوازن والإحاطة الكاملة لمتطلبات الدعوة والحركة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعة ككل، فيقول موضحاً ذلك: "إن هذه الدعوة لا يصلح لها إلا من حاطها من كل جوانبها"
ومع اهتمام الإمام الشهيد بالتربية وتكوين الأفراد وإصلاح حالهم وتقدير متطلبات نموهم، فإنه لا يحولهم إلى رموز جامدة منغلقة، أو أن يتم تكوينهم فى حجرات مغلقة، وإنما انطلق بهم فى المجتمع لإبلاغ الدعوة وإرشاد الأمة إلى معالم الإسلام وأخلاقه، وجعل المسجد هو أصل الانطلاقة وعاد به إلى دوره الأول فى الإسلام، مع عدم إهماله لوسائل الدعوة الأخرى ومؤسسات المجتمع المتنوعة كميدان للدعوة والإصلاح
وجعلهم من واجبات الأخ فى مراتب العمل أنه مع إصلاح نفسه وتكوين البيت المسلم، عليه فى نفس الوقت التحرك داخل المجتمع وإرشاده وإصلاح المفاهيم والسلوكيات وكسب المتعاطفين ونشر الدعوة، ولم يجعل ذلك أمراً لاحقاً أو مرحلة مؤجلة لحين استكمال التكوين.
وأوضح الإمام فى ذلك أن محاور الدعوة من التعريف بها والتكوين لأنصارها والتنفيذ لوسائلها وحركتها، لا تنفصل عن بعضها البعض بل تسير متعاونة متساندة،
إن أى نشاط أو فعالية لاكتمال الفائدة منها يجب أن تتحقق فيها هذه الجوانب الثلاث
"التعريف" فنحدد الرسالة الدعوية التى يحملها هذا النشاط..
"والتكوين" فنحدد مستهدفاً فى التكوين والتربية يتحقق بها الأفراد فى حركتهم ونشاطهم ونعالج السلبيات التى تظهر عندهم..
"وفى التنفيذ" اتقان العمل واكتساب الخبرة والمهارة فى تنفيذ هذا النشاط.
ولهذا كان التركيز على الأفراد يسير متوازياً مع بناء الجماعة وحركتها فى المجتمع، ووجودها فى ساحة التأثير والإصلاح والتغيير حتى تؤول لها الريادة وتقترب من تحقيق أهدافها الشاملة التى أشار لها ركن العمل فى رسالة التعاليم.
ولم يكن هذا مجرد تصوراً نظرياً بل حوله الإمام الشهيد إلى برنامج عملى وخطة متكاملة متعددة المراحل تسير عليها الجماعة فى توازن بين الداخل والخارج، بين متطلبات التربية وواجبات الإصلاح والحركة فى المجتمع ومواجهة الأحداث وقيادة الأمة فيها.
وها هو الإمام منذ الأيام الأولى للدعوة – وهى فى مهدها – يمارس الإصلاح والدعوة بالمجتمع فى نفس وقت تربية وتكوين الأفراد، وتشهد بذلك دار التائبات بالإسماعيلية، والحركة الدعوية الواسعة بين عمال شركة قناة السويس،
ثم كذلك نراه فى حركة الجماعة بالمجتمع وإيقاظ الأمة ضد الاحتلال الإنجليزى وتجاه قضية فلسطين والخطر الصهيوني، والمساهمة الفعالة فى مواجهة هذا الخطر، وتقديم الشهداء والتضحيات فى سبيل ذلك.
إن دعوة الإخوان ليست دعوة سرية أو دعوة انغلاقية أو دعوة محدودة التأثير والمكان أو محدودة المقاصد والأهداف، وإنما هى تحمل مشروعاً إسلامياً متكاملاً على منهج النبوة لنهضة الأمة الإسلامية فى العالم أجمع.
وتأتى أوقات وأحداث على الجماعة، فتشهد إقبالاً متزايداً من الناس أو فرصاً مواتية لنشر الدعوة والتحرك بها من مجال إلى آخر أرحب، أو من مستوى لمستوى أعلى، يحدث ذلك بغير ترتيب وإعداد داخلى كامل مسبق ويصبح مطلوبا تطوير الدعوة لمواجهتها، واستيعاب هذا الإقبال أو الاستفادة من تلك الفرص والمجالات، وليس القعود والتردد بحجة أن هذا لم يكن جاهزاً فى التخطيط السابق، أو أن الأفراد لم يستكملوا الاستعداد الداخلى اللازم، ومواجهة المتغيرات والمستجدات.
فالفرصة لا تنتظر متردداً أو قاعداً، طالما أن ذلك يسير فى الاتجاه العام للدعوة ويحقق لها المصلحة.
وقد تأتى أحداث تفرض نفسها على الجماعة بحكم وجودها وقيادتها للمجتمع، مما يتطلب مواقف وفعاليات قد تكون أكبر من حجمها أو إمكاناتها الحقيقية، وفى هذه الحالة تتحمل الجماعة مسئوليتها ولا تتخلى عن واجباتها تجاه الأحداث، لكن مع تحديد دقيق للمستهدفات والتكاليف والإجراءات المطلوبة، والتفرقة بين الممكن والمستحيل، وعدم خروج ذلك عن الخطة العامة ومسار الدعوة فى أساسه.
أما التحجج بعدم الانشغال بذلك لحين استكمال تكوين الأفراد وتربيتهم، فهذا تصور ناقص للدعوة يخرجها من ساحة التأثير ويضعف دورها داخل المجتمع، وهو أيضاً لا يحقق التكوين التربوى الصحيح للأفراد بإبعادهم وانغلاقهم فى هذه الأحوال، كما أنه تصور يخالف المسار الدعوى العملى فى حياة الإمام الشهيد.
ومن الخطأ أيضاً فى هذا المجال أن ينغمس الأفراد فى الحركة والنشاط ومواجهة الأحداث والمواقف دون وضوح رؤية عندهم، واستيعاب لأهداف دعوتهم وحركتهم، وقدرة على الاستفادة من الواقع المحيط ومن المستجدات لصالح خطتهم ومسيرتهم، أو أن تشغلنا الحركة والنشاط عن التركيز والتكوين التربوى للأفراد واكتساب العناصر الجديدة للصف، بل تستفيد من كل ذلك فى تعميق وتحقيق هذا التكوين المنشود، ولا تصرفنا الحركة مع المستجدات عن خطتنا الرئيسية بل نحول نتائجها لصالح الدعوة.
وبالنسبة لتساؤل قد يطرحه البعض، هل تشكل الجماعة وسيلة أم غاية؟
فإن الرؤية الواضحة المنطلقة من الباعث للدعوة تؤكد أن الجماعة ليست وسيلة ولا غاية، وإنما هى فريضة واجبة لتحقيق التكليف الشرعى،
وهى تظل قائمة ما دام التكليف الشرعى الباعث على إنشائها لم ينتف،
ويخطئ البعض حين يظن أن التكوين التربوى للأفراد مرحلة وأن العمل مع المجتمع مرحلة تالية قد دخلنا إطارها وفعالياتها،
فالعمل مع النفس والمجتمع وحدة واحدة ووجهان لعملة واحدة لا ينفصلان، يسيران معاً ويتبادلان التأثير،
فإيمان الفرد وإبلاغه الرسالة للناس واجب عليه حتى ولو فقه آية واحدة من كتاب الله،
ومراتب العمل التى أشار إليها الإمام الشهيد من تكوين وإصلاح الفرد والبيت والمجتمع، هى مراتب متوازية مترابطة وليست مراحل تنتقل فيها الدعوة من مرحلة إلى أخرى، لكن الفعاليات والوسائل المستخدمة قد تشهد اتساعاً أو ضيقاً أو تطويراً حسب المناخ والأحوال والظروف التى تمر بها الجماعة فى أى محور من المحاور.
ومن الأمور الهامة فى الفهم والعمل وخاصة من يشارك بدرجة كبيرة فى فعاليات إصلاح المجمع، ألا ينسى الجماعة وأهدافها والعمل على تقوية دعائمها وترسيخ أساسها والارتفاع ببنائها، فهى الركيزة الأساسية لأى إصلاح نريد منه أن يصب فى تحقيق الأهداف الكبرى، وهى القاعدة الصلبة التى تقود وتوجه وتصمد فى مواجهة الضغوط والمعوقات، وتضمن عدم الانحراف والزوغان عن الطريق المستقيم، ولا يجوز لمن يعمل فى صفها أن يقول لقد تجاوزنا مرحلة الجماعة والتركيز عليها إلى مرحلة المجتمع.
إن أى ذوبان للجماعة أو إضعاف لبنائها أو إهمال لكيانها ونموها أو إضعاف لدورها القيادى فى الدعوة بأى حجة من الحجج، لهو بمثابة ضربة موجهة إلى الأهداف الإسلامية الكبرى وإلى المشروع الإسلامى لنهضة الأمة واستعادة كيانها ودورها القيادى فى العالم.
بهذا التوازن بين التكوين والحركة، بين الداخل والخارج- أو بين متطلبات الفرد ومتطلبات الجماعة فى ساحة التأثير والحركة تشق الدعوة طريقها، وبهذه القدرة على استيعاب المتغيرات والمستجدات وترقب الأحداث واقتناص الفرص تسير الجماعة نحو تحقيق أهدافها دون خلل أو ضعف أو توقف أو انحراف عن الأصول والأهداف الأساسية للدعوة.
توضيح حول ربانية الراية
وإسلامية الدعوة
دعوة الإسلام التى يعمل لها الإخوان فى أى مكان من بلاد المسلمين وأقطارهم، لابد أن تنشأ منذ بدايتها إسلامية صحيحة، ترفع الراية الربانية وتهتف بالشريعة المحمدية، وتعمل للأهداف الإسلامية الشاملة، حتى وإن لم تستطع أن تسمى نفسها باسم الإخوان"، لكن اسم وراية الإخوان يعتبر من ثوابت الدعوة فى القطر المصرى، أما فى باقى الأقطار فقد تسمح به الظروف، أو تؤجل ذلك إلى حين ...
ولكن المبادئ والأهداف وجوهر العمل هو الأصل، ويؤكد ويدعمه الارتباط العضوى بالجماعة الأم.
ولا يجوز للدعوة وسط جماهير الشعب المسلم، أن تتخلى عن هذه المبادئ الشاملة أو عن ربانية الراية وإسلامية الدعوة بحجة أن هذا قد ينفر الناس منها أو يضع المزيد من العراقيل أمامها أو يضيع منها الكثير من المكاسب الزائلة،
وليس لها أن تستبدل ذلك الوضوح والشمول، بدعوات إصلاحية جزئية أو شعارات أخرى ليس فيها التميز الإسلامى والرسالة الخالدة، فهذا من التلبيس والخطأ،
فشعوبنا الإسلامية حاجتها الأساسية هى إلى الإسلام بمفهومه الشامل وتطبيقه العملى الصحيح
والبناء إن لم يكن على هذا الأساس الكامل الشامل وتحت هذه الراية الربانية فلن يكون مستقراً أو مستقيماً على الصراط، وسيؤثر عليه هذا الخلط وتلك الشوائب فى تكوينه إن عاجلاً أو آجلاً،
فدعوتنا ليست دعوة أرضية أو مؤسسة حزبية تحكمها المصالح الحزبية لكنها تسير على هدى دعوة الأنبياء وتحكمها ضوابط الإسلام،
حتى وإن كان وجودها الرسمى فى بعض البلدان، تحت لافتة الحزب الذى تكونه حسب قوانين البلد، لكن تبقى الجماعة بمفهومها الشامل وأهدافها الكاملة ورايتها الربانية موجودة ومعلنة ومعروفة للناس، فهى أوسع وأعمق وأشمل من الحزب الموجود بأهدافه وأطروحاتها.
ولا يصح أن نقول أننا ندعو الناس تحت هذه الرايات الجزئية والفرعية، وبدون الشعارات الإسلامية، لكن عندما يدخلون الدعوة أو يرتقون فيها سيفهمون الإسلام ودعوتنا بشمولها وأن مناهجنا الداخلية ستعوض ذلك.
لأن الدعوة للإسلام ليست سرية فى أهدافها ورسالتها، ولابد من إعلان ذلك للناس ورفع الراية التى يلتفون حولها سواء جاءوا من الحزب الموجود التابع أو من الأحزاب الأخرى .
كما أن هذا تفريغ وإضعاف للهوية والراية، والمبدأ الإسلامى، ولا يستقيم المسار بعد ذلك عملياً ويؤدى إلى انفصال حقيقى يؤثر فى تكوين الشخصية
وإذا قيل أن هذه أوعية وواجهات ومؤسسات فرعية تحكمها ضوابط الواجهات،
فنقول : فأين الجماعة التى توجه هذه الواجهات وتستفيد منها، وأين صوتها وشعاراتها وخطابها للمجتمع من حولها ؟.
إنه لابد للناس من راية الإسلام بمفهومه الصحيح الكامل، حيث تناديهم الدعوة وتدعوهم وتوضح لهم دينهم ورسالتهم، حتى وإن واجهت المعوقات وتعرضت للضغوط فهذه هى طبيعة الطريق وضريبة الدعوة.
وإذا كان هناك مكان أو قطر من أقطار العالم الإسلامى، لا يستطيع الدعاة فيه أن يعلنوا عن رايتهم ورسالتهم الإسلامية، ويقولون أن هذه الرايات الجزئية هى المتاح حالياً، وأن هذا تمهيد وتهيئة فليدركوا جيداً أنهم ما زالوا يبدأوا الدعوة حقاً مهما تعللوا بأنهم يربون أفرادهم على الفهم الشامل، وأن هذا التمهيد لا يمكن أن يستمر هكذا دون حدود، فلابد من إعلان الدعوة إسلامية ربانية توجه رسالتها للمجتمع والأمة، وتدعوهم ليلتفوا حول رايتها ويعملوا لها، فهذا هو النهج الذى بدأ به الإمام الشهيد دعوته وحرص عليه وأوصى الإخوان به.
يقول الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله فى هذا المجال في مجلة الدعوة العدد 62 – يوليو 1981 – شعبان 1401 هـ:
" .. عرض علينا البعض أن نعمل للإسلام من خلال كيان لمبدأ أرضى : الاشتراكية مثلاً، لنستفيد بما فيه من وسائل ومنابر غير متوافرة، ووضعنا غير المعترف به رسمياً كى تتاح لنا فرصة أوسع بكثير للحركة بالدعوة والعمل لها، ولكننا رفضنا ذلك ورأينا أن ما يصدر عنا وتحت رايتنا وشخصيتنا الإسلامية المستقلة، أقوى أثراً وأكبر فعالية، ولو كان حجمه قليلاً مما لو كان من خلال تلك الراية الوضعية ولو كان حجمه كبيراً .
ومن جانب أخر كيف نرضى أن نعلن الراية الأرضية فوق الراية الربانية؟
لا شك أن ذلك انتكاسة فى خط السير ومسخ لشخصيتنا الإسلامية الحرة، وفى نظر الناس أن ذلك الكيان الأرضى قد احتوانا وسنتحمل أوزاره رضينا أم لم نرض ولا مجال بعد ذلك لاستعادة مكانتنا وكرامتنا الإسلامية وثقة المسلمين بنا، خاصة وأننا نرى هذه اللافتات الأرضية تتبدل وتتغير ألفاظها ومدلولاتها"
وطرح الجماعة لشعارات إسلامية، لا تقصد بها المتاجرة أو الإساءة لأحد، وإنما ذلك تعبير عن بواعث مشروعها وتعريف به وتركيز للمعانى والأهداف التى يحملها، فهو يمثل تحديداً للهوية، ويمثل أيضاً خطاباً شرعياً موجه للأمة ليوقظها ويربطها بإسلامها، وهو أقدر شيء لإصلاح حالها وأن تنهض وتتقدم، خاصة وأن المسلمين يشكلون غالبية الشعب.
أما عن شركاء الوطن، فإن هذا لا يمثل حاجزاً، لأنهم يتعاملون مع ذلك من منطلق وطنى وإن كان الإسلام لا يمثل ديناً لهم، لكنه يعتبر انتماء حضارياً ووطنياً بالنسبة لهم، كما لا يمنع الإخوان التيارات الأخرى أن تتقدم برؤيتها التى تقتنع بها، وأن ترفع شعاراتها التى تمثلها.
ودقة المصطلحات والشعارات التى تتحرك بها الدعوة، أمر له اعتباره، ويجب أن يتوفر فيه الضابط الشرعى، والتعبير الصحيح عن المشروع والأهداف، أما الجرى وراء بعض الشعارات التى يطرحها البعض فى الساحة أو تحت الضغط، فإنه يؤدى إلى التشويش وعدم الثبات، فالبعض حاول إدخال مصطلحات اليمين واليسار والتقدمية للوصف الإسلامى، أو الاشتراكية والرأسمالية، وحاول أن يصنف الإسلام ودعوته تحت هذه المصطلحات كل حسب هواه متأثر بالمناخ السائد وقتها.
وهذا كله لا يتمشى مع منهج الإسلام وتميزه، فهو فوق كل هذه المصطلحات والرؤى الأرضية، وقد يأخذ بعض هذه التيارات ببعض ما جاء فى الإسلام لكن يبقى الإسلام هو الأصل والأعم والأشمل.
وكذلك محاولة البعض أن يصف الإسلام بوصف إضافى، وكأن هناك أنواع من الإسلام أو أنه فى حاجة لصفة إضافية، فسمعنا : الإسلام الوسطى، الإسلام المتحضر، الإسلام المعتدل .. الخ .. إن الإسلام هو الوسطية وهو الاعتدال وهو الحضارة شاملاً لكل ذلك من معانى . وإذا كان جائز فى الشرح لمفهوم الإسلام ومعانيه أن أشير إلى هذه الجوانب المتميزة فيه، لكن لا يتحول ذلك إلى شعار ومصطلح وتعريف يحدث هذا اللبس وذلك التشويش.
وإذا أخطأ أحد فى فهم الإسلام، أوضحنا جانب الخطأ حيث مرجعية الجميع فى فهمهم تكون وفق مبادئ وأصول وقواعد الإسلام .
والجماعة تحمل مشروعاً إسلامياً متكاملاً، فهى صاحبة رسالة للأمة الإسلامية وللعالم أجمع، تعرضها عليها، وتقنعها بها لتنهض الأمة وتحملها معها، فإذا ما زالت الدعوة مجهولة عن الكثيرين، أو ما زال البعض يعارضها أو لم يتفاعل معها، فإن الجماعة لا تتخلى عن رسالتها بحجة أن هذا رأى غالبية الشعب، وإنما تواصل معهم الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة مهتدية بأسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عارضه فى بداية الدعوة الكثيرين، ثم لا يلبثوا حتى دخلوا فى دين الله أفواجاً .
وللجماعة أمل كبير فى توفيق الله وعونه وأن الأمور والمقادير بيده سبحانه، ولها تقدير للعاطفة الإسلامية الكامنة فى نفوس أفراد الأمة، وأنهم سوف يستجيبون لدعوة الإسلام .
والإخوان كما قال الإمام البنا أفسح الناس صدراً للآخرين، حتى ولو كانوا مخالفين، وهم فى ذلك منضبطين بتوجيهات الشرع وميزان العدل والتقوى وتاريخياً كانت الشواهد تشير إلى أن الآخرين هم الذين كانوا يضيقون بالدعوة ويحاولون إقصاءها والهجوم عليها.
ومع تقديم الإخوان لمشروعهم الإسلامى المتكامل، فإنهم يسعون للتعاون والمشاركة مع الآخرين ويسعون للوحدة ويكرهون الفرقة والتنابذ، ويعلنون مبدأهم : نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، فى أطروحات الإصلاح ووسائل العمل.
لكن لا يظن أحد أن هذا التعاون مع الأحزاب والقوى السياسية والوطنية يجب أن يجعلنا نتنازل عن أجزاء من مشروعنا الإسلامى وأهدافنا ليرضى الآخرين بهذا التعاون معنا، فهذا التصور أبعد عن الفهم الصحيح لدعوتنا، لأن فى منهجنا ومشروعنا مجالات ومساحات مشتركة مع الآخرين حتى وإن كان هذا الاشتراك فى الآليات والوسائل وليس فى البواعث والأولويات، وهذه المساحة المشتركة نتقدم للتعاون فيها مع القوى الأخرى لصالح الوطن ولإصلاح حاله، مع احتفاظ كل طرف بمشروعه الخاص.
وتستمر الجماعة فى توجيه الدعوة لهم بالأسلوب المناسب لتزداد مساحة اقتناعهم ومشاركتهم، وليس وارداً أن تتنازل الجماعة عن أهدافها ورؤيتها التى لا يوافق عليها الآخرون..
والإخوان فى تعاملهم حتى مع أشد المخالفين لهم، يتميزون بالأدب والاحترام للجميع وحسن الخلق وضبط الألفاظ وإعطاء كل ذى حق حقه.
وهم أبعد الناس عن المنابذة واتهام النوايا أو التعامل فى كبر واستعلاء.
وكذلك أهمية وضوح الصبغة الإسلامية فى مشروع النهضة لحياة الإنسان فى كل جوانبها، فنحن نستهدف تكوين الإنسان المسلم والبيت المسلم، وليس الإنسان بمرجعية إسلامية ونستهدف كذلك إقامة المجتمع المسلم والدولة المسلمة والأمة المسلمة، وليس من الدقة فى صياغة الأهداف أن أقول إقامة المجتمع بمرجعية إسلامية، وإقامة دولة مدنية بمرجعية إسلامية فالإسلام يقيم دولة إسلامية فى جميع أركانها ومجالاتها ويصبغها بصبغة الإسلام، ولها دور ورسالة تؤديها.
وإذا كان من الجائز فى الشرح لمن لا يعرف ما هى الدولة الإسلامية أن أشرح وأوضح بما يمكن أن يفهمه أنها دولة مدنية وليست كهنوتية لكن صياغة الهدف والمصطلح يجب أن تكون دقيقة ومعبرة ومنضبطة بمفهومه الشرعى.
وكان الإمام الشهيد حريصاً على ضبط المصطلحات والشعارات ودقة صياغة الأهداف، وإن العدول عنها هو نوع من الانحراف والتغيير.
وقد يتساءل البعض هل المشروع الإسلامى الذى يطرحه الإخوان يمثل مشروعاً جذرياً للتغيير لا شأن له بالإصلاح الجزئى، فهو ينتظر حتى يستكمل إمكانيات التغيير الكلى ثم يطرح مشروعه .. ؟
أم هو مشروع تغيير جزئى، وبالتالى يقبل بالواقع وينحصر فى فرعيات وجزئيات للإصلاح.
نوضح ذلك فنقول : أن المنهج الإسلامى فى التغيير والإصلاح هو منهج متميز له رؤيته وموازينه الخاصة به، فالمشروع الإسلامى الذى يحمله الإخوان يستهدف كلا الأمرين، فهو كما قال الإمام البنا نعمل فى الإصلاح لغاية قريبة وغاية بعيدة، فهو إصلاح شامل يتناول كل الأوضاع القائمة بالتعديل والتقويم، وفى نقس الوقت يهتم بالنصيحة والإصلاح فى المجالات المختلفة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً تطبيقاً للتكليف الشرعى بالإصلاح والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وعن تساؤل كيف يمثل الحزب السياسى موقعه من الجماعة ومن مشروعها الإسلامى، نوضح :
لقد سبق أن أشرنا أن الجماعة لا يمكن أن تنحصر فى حزب أو فى هيئة أو فى واجهة محدودة، فهى أوسع وأشمل شمول الإسلام واتساعه.
وأن الجماعة تعمل بالمفهوم الشامل للإسلام، والعمل السياسى جزء من رسالة الدعوة فى الجماعة، لا يمكن أن ينفصل عنها، وأن الحزب السياسى وسيلة من وسائل العمل السياسى وليس قاصراً عليه .
وهذا الحزب يحمل جزءاً من رسالة الدعوة يسعى لتحقيقه ويستفيد من الوسائل المتاحة له فى ذلك، وهو لابد له من الصبغة والمرجعية الإسلامية لهذا الجزء الذى يحمله، وهو لا يسعى للسلطة وكراسى الحكم مثل باقى الأحزاب، ولا يسلك مسلك التنافس والصراع الحزبى الموجود على الساحة لكنه يعمل على مشروع الإصلاح الإسلامى بالمجتمع، ويصل بالدعوة إلى كل التيارات والمؤسسات.
والحزب لا يشكل خطاً موازياً للجماعة، وإنما وسيلة ضمن الوسائل، والواجهات التى تشكلها الجماعة.
ولا يتصور أحد أن الجماعة يمكن أن تنفصل إلى جزئين : حزب سياسى وجمعية أهلية خاصة بالمجتمع فقط .
فالجماعة بثباتها وصمودها على مبادئها وأهدافها أفشلت كل محاولات تجزئتها أو تغيير مشروعها.
ومشروعيتها تستمدها من المنهج الإسلامى الذى تحمله، ومن الإيمان الذى تنطلق منه ومن اللجوء لله والاعتصام به وبشريعته، وكذلك من مكانتها فى قلوب الجماهير التى تواصلت معها.
وقد يطرح بعض المتعجلين تساؤلاً هل أن منهج الإخوان السلمى وتمسكهم بشعاراتهم ومشروعهم حقق لهم نجاحاً،
وماذا قدم الإخوان طوال هذه السنين، وهل هم محلك سر وفقط أم أن مشروعهم يتقدم ويحقق نجاحاً نحو الأهداف المنشودة.
نوضح ذلك ونقول :
أولاً : إن الباعث للجماعة وأفرادها هو باعث إيمانى ربانى، من منطلق العبودية والطاعة لله، وأن هذا إذا تحقق بثبات وجهاد الإخوان، فقد حققوا الغاية والهدف الأسمى.
ثانياً: أن سنن الله فى التغيير كما وضحها القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتصر على الجهد البشرى، رغم أنه عامل أساسى مطالبين به، وإنما هناك أيضاً فوق ذلك مشيئة الله وقدرته وعونه وتأييده لدعوته، فهو الذى يمكن لها فى حقيقة الأمر وما نحن إلا ستار لقدرة الله عز وجل ومجريات الأمور اختبار لنا ولثباتنا وتمحيص لإيماننا.
وثالثاً: إن أى دعوة مهما امتلكت من وسائل أو رفعت من شعارات .. الخ، لابد لها من مرحلة ابتلاء طويل وتمحيص عميق، ليظهر ويتحقق مدى ثباتها وصمودها، وكثير من الدعوات انهارت أو تبدلت بعد سنوات، وعند أول محك للمحنة.
رابعاً : إن هذا الثبات على المبادئ والأهداف وتواصل الأجيال، وفعاليتها وانتشارها فى كل بقاع الأرض، دليل على النجاح والتوفيق من الله، فهذا الثبات يعتبر إنجازاً ونجاحاً.
خامسا: إن أى منصف لأثر دعوة الإخوان ولمشروعهم الإسلامى، ليشهد بذلك كل من نظر إلى حال الأمة قبل ظهور الدعوة وإلى حالها الآن من إرساء للقيم والمفاهيم الصحيحة، ومن إقبال الشباب على الإسلام، ومن إيقاظ الأمة وتزايد المقاومة للمشروع الغربى الصهيونى، ومن إحراز نجاحات متعددة على صعيد الأنشطة وعلى أرض الواقع، رغم المحاصرة والتضييق ومحاولات الإقصاء أو الاستئصال، حتى أصبحت بفضل الله أمل شعوب العالم الإسلامى .
إن أى دعوة أو جماعة تعرضت لما تعرضت له دعوة الإخوان لانهارت وانتهت منذ سنوات بعيدة، ولكنها باقية مستمرة بفضل الله.
وقد أشار بعض الراصدين ان الجماعة تتميز بالثبات، والقدرة على امتصاص الضربات، والعمل فى كل الأحوال والظروف.
ولا ندعى أن كل أثر إسلامى إيجابى فى المجتمع هو من صنع الجماعة مباشرة، ولكن كان للجماعة الفضل فى تثبيت الفكرة الإسلامية والمشروع الإسلامى ضد العواصف العاتية التى كانت تستهدف اقتلاعه، وفى تحفيز كل التيارات والأفراد فى هذا الميدان، وفى قيادة التغيير والإصلاح والتوجه نحو الإسلام، وفى كونها خط الدفاع الإسلامى وقلب المقاومة للمشروعين الأمريكي والصهيونى.
وتعلم الجماعة أن الطريق طويل متعدد المراحل، وكثير التضحيات، يحتاج إلى الصبر والعمل الجاد، وفى نفس الوقت هى على يقين من نصر الله لدعوته والتمكين لها.
حول المشاركة
مع الآخرين فى حكومة :
تمشياً مع منهج الجماعة فى التعاون مع الآخرين لتحقيق الإصلاح والعمل لصالح الوطن، فإنه من الجائز المشاركة فى حكومة وطنية تسعى للإصلاح، وهذا الحكم بالجواز، لا يعنى أن الأمر أصبح ضمن الخيارات المطلوبة أو أنه مستهدف، ولكن يخضع لقواعد المصلحة وطبيعة المرحلة وشروط وضوابط أخرى خاصة أنه أمر لا نستهدفه لكن قد تفرضه الظروف.
وهذا التعاون مع حكومة للإصلاح الوطنى، قد يبدأ بالمساندة والتأييد والدعم، أو يرتقى إلى المشاركة الفعلية بعدد من الوزراء، وفى هذه الحالة لابد من توافر شروط معينة أهمها : -
1- أن يكون ذلك ضمن مشروع واضح ومحدد للإصلاح فى جانب أو عدة جوانب للأمة .
وأن يكون ذلك معلناً ومتفقاً عليه من جميع أطراف التحالف المشارك.
2- ألا يكون فى برنامج الحكومة أى جانب أو إجراء يخالف الشريعة الإسلامية خاصة فى الأصول المتفق عليها، أو يضر بمصلحة الوطن.
3- أن يكون لها موقف محدد تجاه الفساد وتجاه القوانين التى تخالف أصول الشريعة كاستحلال الخمر وغيره من الكبائر.
4- أن يكون للوزير صلاحيات فعلية يتمكن بها من الإصلاح فى مكانه، وليس مجرد واجهة سياسية أو ديكور فى الوزارة.
5- أن يكون الهدف الأساسى هو تحقيق الإصلاح ودعمه فى المجتمع، حتى ولو كان جزئياً، وليس مجرد الحصول على المنصب الوزارى.
6- فإذا لم يتوفر ذلك، أو اختل بعض هذه الشروط والضوابط، أثناء المشاركة، أصبح ضررها أكبر من نفعها وبالتالى غير جائزة.
وكما أنه قد يحدث فى أى انتخابات برلمانية أن تحوز الجماعة على أغلبية المقاعد بفضل أدائها السياسى وفعالياتها وتحالفاتها المتنوعة وحب الجماهير لها، وبذلك يصبح من حقها تشكيل الحكومة .
فى حين أن مشروعها الإسلامى لإقامة المجتمع المسلم و الحكومة المسلمة لم يستكمل بعد، وما زال يحتاج إلى مراحل متعددة وإلى استكمال وإعداد للركائز المطلوبة.
وفى هذه الحالة يمثل تشكيلها للحكومة نقلة نوعية ووسيلة مساعدة فى عملية الإصلاح وتهيئة المجتمع لإقامة الحكم الإسلامى وليست بديلاً عن المضى فى استكمال خط التربية وإعداد الجيل وتربية المجتمع.
ولا تمثل هذه النقلة أو تلك الخطوة الحكومة الإسلامية المنشودة أو ندعى أننا بذلك قد أقمنا الحكم الإسلامى الذى ندعو إليه لأنه لا يتحقق إلا بتكوين الركائز وتحقق الشروط والضوابط.
كما لا تعتبر الجماعة أن تشكيل الحكومة بأفرادها أو من خلال الحزب الذى يمثلها، بديل عن خطتها الرئيسية لإقامة المجتمع والحكم الإسلامى، أو أنه مسار استثنائى أو مواز للجماعة وكيانها أو يجعلها تقفز فوق المراحل وتلغى الضوابط، فنحن لسنا طلاب حكم أو منصب وإنما أصحاب دعوة ورسالة .
وعلى هذه الحكومة :
أن تلتزم فى أدائها بضوابط الإسلام فى كل المجالات والأحوال . أن تكون خطواتها فى الإصلاح حقيقية، وأن تكون مركزة وواضحة ومتتابعة ضمن المشروع الإسلامى، حتى تمثل فعلياً نقلة نوعية مساعدة للمشروع الإسلامى الكامل، وأن يشمل ذلك أغلب المجالات سواء قانونية أو سياسية أو اقتصادية واجتماعية .. الخ أن تفى بوعودها وتحقيق برنامجها الانتخابى الذى طرحته على الجماهير. أن تواجه الفساد بكل حزم، وأن تغير القوانين الخارجة على شرع الله ( وفق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم". أن تعرف الأمة طبيعة المرحلة، وأنها مرحلة إصلاح جزئى، وألا ترفع شعارات أكبر من واقعها، أو تطرح نفسها كنموذج متكامل ونهائى لإقامة الإسلام، أو تتاجر بالشعارات وأنها بذلك قدمت لهم الحكومة الإسلامية المنشودة والحكم الإسلامى الكامل. انضباط أفراد الحكومة بالسلوك الإسلامى ونظافة اليد واللسان . أن عليها أن توضح قولاً وعملاً محاسن الشريعة الإسلامية وتطمئن الخائفين من الإسلام. أن تشرك القوى الوطنية المختلفة فى الإصلاح وتجتهد فى جمع الكلمة، لتشكل بذلك حكومة وطنية مشتركة إذا أمكن . أن تلتزم بالشورى وإقرار الحرية السياسية والقواعد الديمقراطية مع احترام إرادة الأمة والشفافية مع الشعب. أن تكون على مستوى التحديات التى ستواجهها داخلياً وخارجياً .
من المهم أن نوضح أن الإخوان أعمق نظرة وأكثر حكمة ووزن للأمور، ومعرفة ما يترتب على هذه الخطوات داخلياً وخارجياً، فلا يستهويهم بريق هذه الخطوات أو يؤثر على حساباتهم ووزنهم للأمور، ولكننا هنا نتحدث عن أمر قد يحدث كاحتمال ولو قليل، أو تضطر إليه الجماعة.
ولا تعتبر هذه الحكومة فى هذا الوضع أنها هى الحكومة الإسلامية المستهدفة حيث أن ذلك له مواصفات خاصة وتحتاج إلى مراحل من الإعداد والتكوين والتهيئة فلا نرفع عليها شعارات وأوصاف أكبر من حقيقتها، أو ننس جدية العمل لتحقيقها.
والحكومة فى هذا الوضع الذى أشرنا إليه تعتبر حكومة وطنية يشارك فيها مع الإخوان القوى الوطنية الأخرى من المسلمين وغير المسلمين حسب الواقع والأحوال وتعتبر خطوة متقدمة فى مسار الإصلاح ودفعة له فى هذا المستوى التنفيذى العالى.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل
والله أكبر ولله الحمد
وسوم: العدد 665