إن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه
أثارت فكرة تغيير تسمية مادة التربية الإسلامية بالتربية الدينية ضجة كبرى لدى الرأي العام الوطني، ولدى الجهات ذات الصلة بالمادة مثل جمعية مدرسي التربية الإسلامية وغيرها . و لا شك أن هذه الضجة هي التي حملت وزارة التربية الوطنية على نفي فكرة تغيير تسمية مادة التربية الإسلامية ،وذلك على لسان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة . وربما كان القصد من تسويق فكرة تغيير تسمية مادة التربية الإسلامية محاولة لجس نبض الرأي العام قبل الإقدام على هذا التغيير . ومن غير المستبعد أن يكون وراء ترويج هذه الفكرة جهات علمانية معروفة بالدعوة لإقصاء الإسلام من الحياة التي يراد لها أن تكون مدنية لا دينية على حد تعبير هذه الجهات .
ومنذ صدورالأمر الملكي الموجه إلى الوزارتين الوصيتين على الشأن التربوي ، والشأن الديني بمراجعة منهاج مادة التربية الإسلامية ومقرراتها درجت بعض الأقلام المشبوهة على استخدام عبارة تربية دينية عوض عبارة تربية إسلامية إعلاميا . ودون الخوض في خلفية مراجعة منهاج ومقررات هذه المادة الدراسية وعلاقتها بما يشهده العالم من تطرف ديني يحاول الانتساب للإسلام بغرض تشويهه وتكريس ما يسمى " الإسلاموفوبيا " . ومن غير المستبعد أن يكون هذا التطرف الديني التكفيري قد طبخ مخابراتيا من طرف الغرب لقطع الطريق على ما يسميه هذا الغرب الإسلام السياسي، والذي أفرزته ثورات الربيع العربي المناهضة للفساد ، وهي ثورات فسحت المجال السياسي لأحزاب ذات مرجعية إسلامية على إثر سقوط أنظمة عربية موسومة بالفساد . ومعلوم أن الإسلام السياسي يمثل بالنسبة للعالم الغربي تهديدا للعلمانية الغربية التي يراد عولمتها . ومن أساليب مواجهة ما يسمى الإسلام السياسي الانقلاب العسكري على حزب الحرية والعدالة في مصر ، والانقلاب الانتخابي على حزب النهضة التونسي ، والكيد الحزبي لحزب العدالة والتنمية المغربي ...إلى غير ذلك من الممارسات الهادفة إلى الحيلولة دون وصول أحزاب إسلامية إلى مراكز صنع القرار كما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية التركي الذي لم يسلم هو الآخر من النقد مع أنه حزب أثبت تعايشه مع العلمانية . ففي هذه الأجواء ظهرت فكرة مراجعة المقررات الدراسية لمادة التربية الإسلامية في أكثر من بلد إسلامي لمنع تنامي الفكر التكفيري المتطرف والعنيف . ومن غير المستبعد أن العالم الغربي يضغط على الدول الإسلامية لإجراء هذه المراجعة بعدما أضحى ما يسمى تنظيم داعش الإجرامي يهدد الأمن العالمي مستغلا الإسلام وموهما بأنه يتخذه مرجعية ،الشيء الذي يؤكد أن هذا التنظيم يسخر عمدا لتشويه الإسلام، ولمنع ما يسميه الغرب الإسلام السياسي من الوصول لسدة الحكم لأن الغرب يريد إبعاد الإسلام من الحياة نظرا لخلفيته العلمانية ، ولا يريد المزيد من نموذج حزب العدالة والتنمية التركي في العالم الإسلامي ، وهو نموذج لا يمكن وصفه بالتطرف وقد أثبت وجوده ونجاحه في تدبير الشأن التركي بسلاسة ومرونة . ولا شك أن انتشار ظاهرة وصول الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية إلى مراكز صنع القرار لا يخدم مصالح العالم الغربي الوصي على العلمانية والتي ترفض كل نوع من المنافسة خصوصا المنافسة الدينية من طرف أحزاب سياسية تثبت بأن الدين هو منهاج حياة وليس مجرد طقوس تعبدية كما تريد العلمانية . وبغض النظر عما صرحت به الوزارة الوصية عن الشأن التربوي من نفي لتغيير تسمية مادة التربية الإسلامية إلى مادة التربية الدينية نقول إن كلمة إسلام عبارة عن قرار إلهي ليس من حق أحد التصرف فيه ،ذلك أن الدين عند الله عز وجل هو الإسلام لا غير وإن نعت غيره بالدين أيضا كما جاء في قوله تعالى : (( إن الدين عند الله الإسلام )) سورة آل عمران الآية 19. ويرفض الله عز وجل الدين إن لم يكن إسلاما في قوله عز من قائل : (( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه )) سورة آل عمران الآية 85 . والله تعالى إنما رضي للمسلمين الإسلام لا غير في قوله تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) سورة المائدة الآية 3 . ولقد امتدح الله عز وجل من كان دينه الإسلام فقال جل شأنه : (( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن )) سورة النساء الآية 125 ، كما قال سبحانه : (( فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا )) سورة الجن الآية 14 ، كما قال سبحانه : (( فإن أسلموا فقد اهتدوا )) سورة آل عمران الآية 20 ، كما قال سبحانه : (( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه )) سورة الزمر الآية 22 ، كما قال أيضا : (( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )) سورة الأنعام الآية 125 . ويرد الله عز وجل على كل من يحاجج في أن الإسلام هو الدين لا غير وإن نعت غيره بالدين، فيقول جل شأنه مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : (( فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني )) سورة آل عمران الآية 20 . والإسلام أمر إلهي ملزم لقوله تعالى : (( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم )) سورة الأنعام الآية 14 . ويبدو من خلال هذه النصوص أنه ليس من السهل أن يتم التخلي عن كلمة إسلام أو العدول عنها إلى كلمة دين التي قد تلتبس بما يعتقد دينا وما هو بدين إما لتحريف أصابه أو لانحرافه أصلا عن مفهوم الدين . وإذا كان الله عز وجل قد أمر نبيه عليه السلام بمخاطبة الكفار ووصف ما كانوا عليه من ضلال بالدين في قوله عز من قائل : (( لكم دينكم ولي دين )) سورة الكافرون الآية 6 ،فإن ذلك لا يعني الإقرار بأن ما كانوا عليه يعتبر دينا بل خاطبهم بما كانوا يعتقدون وهم مخطئون والحقيقة أنهم كانوا يلعبون مصداقا لقوله تعالى : (( الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا )) سورة الأعراف الآية 51 . ولا شك أن الذين يرغبون في استبدال تسمية التربية الإسلامية بالتربية الدينية يريدون إضفاء الشرعية على ما يعتقد دينا وما هو بدين سواء منه المحرف أو الضال أصلا ،وذلك لحاجة في نفوسهم . وأخيرا إذا كان المكلف بالشأن الديني عندنا يريد تغليب مضامين التصوف على مقررات مادة التربية الإسلامية، فإن ذلك يعتبر استغلالا للمنصب لأن المغاربة مسلمون وفيهم المتصوف وغير المتصوف. ونأمل أن يدفع التغيير المزمع في منهاج مادة التربية الإسلامية ومقرراتها نحو ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الناشئة، ولا يكون مجرد استجابة لضغوط العالم الغربي أو استغلالا للمنصب لترجيح كفة تيار معين في بلد يجمع أبناءه الإسلام بعيدا عن النزعات الطائفية التي تفرق ولا تجمع .
وسوم: العدد 675