للهِ دَرُّك "أبا مسعود"
إن من أفضل القربات وأعظم الصفات التي يجب أن يتحلَّى بها من يقف تحت راية هذه الدين الحنيف هي: سرعة الاستجابة للأوامر الإلهيَّة والتوجيهات النبويَّة؛ التي تؤدي إلى السعادة والسيادة في الدنيا والآخرة.
وما وصلتْ الأمة إلى هذا الحال المُزري؛ إلَّا بتخليها عمليًّا-لا جعجعةً بلا طحين- عن هذه القواعد والقيم, فأهملوها وأبعدوها وتناسوها, فكان ما كان من الضياع والتشرذم, والعودة من جديد إلى عبادة أصنامٍ من جنسهم؛ حتى أوردوهم قِيعان المهالك!!
وإن أفضل زمانٍ استجاب لهذه القيم وهذا النداء العُلْوي: هو القرن الذي هلَّ عليه هلال بعث الرسالة النبويَّة, وأشرقت عليه شمس الأنوار المحمديَّة, من الآل والأصحاب– رضي الله عنهم- بيد أنهم تتلمذوا في مدرسة النبوة, فَفَقِهوا دينهم, علمًا وعملًا, فكان النموذج الذي يُحتذى لمن تبعهم بإحسان, حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
فمع أنهم بشرٌ, لكنهم حرصوا أشدَّ الحِرص على ابتغاء وجه الله ورضوانه, والبعد عن معصيته وعقابه, فطفقوا يبحثون عمَّا يُعتق به الرقاب, وتُفتح به الأبواب, ويُقربهم من عزِّ الدنيا وفردوس الآخرة .
ولا أدلَّ على ذلك مما فعله هذا الصحابي الجليل, الذي أقدم على صنيعٍ يكرهه الله ورسوله, وتأباه النفس البشرية وتنفر منه الطباع السويَّة, وهو تعذيب النفس البشرية وإهانتها– دون وجه حقٍّ- بعد أن كرَّمها الله .
تعالوا لنترك"أبا مسعود" ليقص قصته بنفسه وكيف انتصف منها؟ وبأي شيءٍ عاقبها؛ خوفًا من نارٍ تلفحه؟!
يقول: "كنتُ أضرِب غلامًا لي بالسَّوط، فسمعتُ صوتًا من خلفي: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود"، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلمَّا دنا مِنِّي إذا هو رسولُ الله r فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود", فسقط السَّوْطُ من يدي من هَيْبَتِه، فقال:" اعلم أبا مسعود أنَّ اللهَ أقدَرُ عليك منك على هذا الغلام"، فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله، فقال r :" أمَا لو لم تفعل للفحتْك النارُ، أو لمسَّتْك النار"، فقلت: والذي بعثك بالحقِّ، لا أضرب عبدًا بعده أبدًا، فما ضربت مملوكًا لي بعد ذلك اليوم".( والحديث ورد بروايات متعددة في كتب السنة, وهو في الأدب المفرد في باب: أدب الخادم , وعند مسلم في باب: صحبة المماليك وكفّارة من ضرب عبده, وهو صحيحٌ , صححه الألباني)
فما أسرعَها من استجابة ! وما أعظمَها من خشية ! وما أرحمَه من نبيٍ كريم! أعْلَى حق الإنسان في الحياة الكريمة, وصيانتها من القهر والتسلُّط, والتعدي والإيذاء البدني والنفسي؛ فالإنسان بنيان الله ملعونٌ من هدم بنيانه.
نوجِّه هذا النداء إلى كلِّ أحدٍ يظن أنه يتحكم في خلق الله؛ فيعذبهم, ويأسِرهم, ويمنع عنهم الدواء والطعام والكساء,..., إلى الذين فرَّقوا بين المرء وزوجه, والابن وأبيه, والأم ورضيعها ,..., ونقول لهم: إن الله- جلَّ في عُلاه- أقدر عليكم منكم على هؤلاء, واعلموا أن النار يُحمى عليها ويُحمى عليها؛ لتَلْفح مَن يُؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا , لتلفح من تجرَّدُوا من إنسانيتهم, ومن أخلاق رسالتهم, وتَنكَّروا للأوامر الإلهية,والتكليفات النبوية,والأعراف الدولية, هذه الخطايا التي لا يفعلها للأسف-غالبًا- من لا يدينون بالإسلام !
أمَّا مَن تتوفَّر فيه أركان الجريمة: فلابدَّ مِن محاكمته محاكمةً عادلة, وإعطائه حقَّه في الدفاع والسماع , ثم الحُكم عليه بما لا ينقص من آدميته, أو تنتهك حقوقه, أو يخالف حكمًا شرعه الله , أو ينقض حكمًا أجمع عليه فقهاء الأمة وعلمائها .
إنَّ الحفاظ على النفس البشرية من ضروريَّات الإسلام الخمس وأصولِه الكُليَّة التي عملت الشريعةُ على حمايتها, وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال, فبصيانتها وحمايتها والذَّودِ عن حِيَاضِها: ستنعم البشرية, وستستطيع القيام بوظيفة العبودية، وبزوالها أو اختلالها أو محاربتها؛ سيؤدي -كما نرى الآن- إلى تلاشي الحياة الإنسانية أو اختلالها, فضلًا عن نَكَد العيش في الدنيا, واستحقاق عذاب الله يوم القيامة.
هَلُمُّوا أيها الناس أجمعون لنعود إلى إنسانيتنا, ونُولِّي وجوهنا شَطْرَ دينِنا وقيمِه ومبادئِه التي تَسُوس الناس, وتهديهم للخير والرشاد, والتي ترسو-بها- سفينتُهم على جُوديِّ الأمان.
وسوم: العدد 696