أين نحن من أُخوّة الإيمان؟!
كم مرة قرأنا قول الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة). قرأناه مؤمنين به، داعين إلى إفشائه وإشاعته. وما أحلاه من قول، وما أعمقه من معنى!.
ولكن هل كنا نتمثّله في قلوبنا وفي واقع حياتنا، أم جعلناه شعاراً نتغنّى به فحسب، كما نفعل مع كثير من القيم العظيمة التي حَفَل بها هذا الدين؟
أول ما ينبغي أن نتذكّره، حتى ندرك جلالة قدر هذه الأخوّة، هو أنها وثيقة الصلة بالإيمان، فإنما أصبحنا إخوة لأننا مؤمنون، وكلما تعمّق الإيمان في قلوبنا قويت رابطة الأخوّة فيه، وإذا رأينا هذه الرابطة ضعيفة واهية فلنتفقد إيماننا.
أخوّة الإيمان شفيفة لطيفة كالنور، نديّة محبّبة إلى القلوب، فما برهانُ تحقّقها في حياتنا؟.
يستطيع اثنان منا أن يتسامرا، وأن يتبادلا الابتسامات، والهدايا كذلك، وأن يقوم كل منهما بواجب التهنئة أو التعزية وتلبية الدعوة إلى غداء... وهذا كله أمر طيب، لكن الاختبار الحق إنما يظهر حينما يتعاملان بالدرهم والدينار، أو حين يتنافسان على زعامة حزبية أو اجتماعية، أو حين يعرض أحدهما رأياً أو اجتهاداً في مسألة، ويرى الآخر خلاف رأي صاحبه أو اجتهاده.
في مثل هذه المواقف تُذرَف العبرات، وتنكشف مخبوءات النفوس، ويظهر الإيثار أو الأثرة، والنصيحة أو الغش، والأخوّة أو التدابر، والمودّة أو التخاصم.
قد نستطيع أن نعلّل تخاصم شريكين أو جارين أو زعيمين... بأن معاني الإيمان لم تتبيّنْها الأفهام، أو تتشربْها القلوب، ولكنّ الأمر يكون غاية في الأسف والغرابة حين نجد التخاصم بين من يدْعون إلى تزكية النفوس، وإلى إقامة الإسلام في المجتمع، وإلى تحكيم شريعة الله.
ولعلنا لو سألنا أحد المتخاصِمَين عن علّة خصومته لأتانا بأدلة دامغة، في ظنه، على أن "الآخر" قد غدر به وافترى عليه وأكل حقوقه... أو أنه تخلّى عن الثوابت، وانحرف عن جادّة الصواب. وقد يقول لنا: إن هذا الآخر قد وقع في الردّة!.
ولن نستغرب إذا سألنا هذا الآخر عن صاحبه فأتى بقائمة من الاتهامات لا تقلّ فظاعة عما اتّهمه به صاحبه.
ويتدابر الصديقان والصاحبان والأخَوان... وتتبعثر الجهود، بل تتضارب، بل يحتكم كل منهما إلى ما يقدر عليه في محاربة أخيه، بلسانه أو بيده أو "...."، ويضحك إبليس وجنوده.
ولا بأس أن نشير هنا إلى مواقف تُحطّم الأخوّة، وقد تنقض الإيمان، وذلك حين تبلغ النكاية في عداوة الأخ لأخيه أن يستبيح دمه، أو أن يستقوي عليه بالطاغية والكافر والمجرم... ويتذرّع بمنطق "إيثار العافية والسلامة" ومنطق "الابتعاد عن الفتنة"، فيسخّر النصوص المقدّسة لتجريم صاحبه، وانتحال الأعذار للظالم عدو الله، بل تبجيل هذا الظالم وتعظيمه.
الإسلام الذي قرّر أن المؤمنين إخوة، عزّز ذلك بتوجيهات وتشريعات وأوامر ونواهٍ... توثّق هذه الأخوة، وتضع بين يَدَي المؤمن ميزاناً يزِنُ به صدقه في الانتماء إلى أخوّة الإيمان، قبل أن يزِنَ صدق أخيه. (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره).
ونذكر ههنا بعض المعايير التي يتمكّن المؤمن بها، في لحظة صدق وإخلاص وشفافية، أن يتعرّف إلى ما يكنُّه قلبه من مشاعر الأخوة الإيمانية. فما وجد خيراً فليحمد الله، وما وجد غير ذلك فلْيتدارك التقصير، ولْيصلح الخلل.
هذه المعايير التي نجدها في كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، تؤكّد معاني الحب في الله، والعفو والسماحة والإيثار والرفق والنصيحة وحفظ الأخ في دمه وعرضه وماله، وتوقير الوالد والكبير والعالم، والعطف على الصغير واليتيم والأرملة والمسكين، وإحسان الظن والتماس الأعذار... وتحذّر من كل ما يؤدي إلى القطيعة والبغضاء.
- قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جيمعاً ولا تفرّقوا. واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً). {سورة آل عمران: 103}.
أرأيتم: الأخوّة الإيمانية نعمة تستحق أن تُذْكَر وتُشكَر.
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقِرُه"... "كل المسلم على المسلم حرام: دمُه وماله وعرضه". رواه أحمد ومسلم.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. ومَن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة. ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة". رواه البخاري ومسلم.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". رواه البخاري ومسلم.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا..." رواه الشيخان.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أو لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". رواه مسلم.
- وقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنه من يتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحْه في بيته". رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني والأرناؤوط.
وسوم: العدد 728