الخاطرة ١٧١ : الأنبياء ومراحل تطور الإنسانية الجزء ٣
خواطر من الكون المجاور
في الجزء الثاني من سلسلة الأنبياء ومراحل تطور الإنسانية ذكرنا أن موسى عليه الصلاة والسلام يمثل الطفولة في مرحلة إتقان الكلام والتخاطب ، وأن المقصود ليس تعلم الكلمات بشكلها الببغائي ولكن بشكل إحساس روحي لمضمون هذه الكلمة ، فكل شيء له إسم، وأحرف هذا الاسم لم توضع بشكل عبثي ولكن ضمن تصميم إلهي يعبر عن مضمونها بحيث أن لفظ أحرف هذا الاسم يجعل الطفل يشعر بإحساس معين يعبر تماما عن مضمون هذه الأسم وبنفس الوقت فإن أحرف الكلمة حسب تسلسلها في الأبجدية للغة يجعلها تأخذ قيمة رقمية بحيث أن شكل هذا الرقم يعبر تماما عن مضمون هذا الاسم ، فأحرف إسم الشيء كلفظ وكتابة هي في الحقيقة الشكل الروحي لهذا الشيء .
الله عز وجّل أشار إلى هذه الفكرة بشكل رمزي من خلال قصة النبي سليمان عليه الصلاة والسلام ، فنجد في الإسلام أن الله وهب سليمان المقدرة على فهم لغة الحيوانات ، وللأسف علماء المسلمين نظروا إلى هذه المقدرة بمفهومها الحرفي ، بمعنى أن النبي سليمان كان يفهم لغة الحيوانات ويتكلم معهم بلغتهم مثلما يتكلم الناس مع بعضهم البعض ، وهذا طبعا غير صحيح والسبب بسيط جدا وهو أن شدة الإدراك عند الحيوانات متدنية جدا بمقارنتها مع إدراك الإنسان لذلك فلغة التخاطب عندها تعتبر فقيرة روحيا لأنها كائنات لها إهتمامات تتعلق فقط بالناحية المادية لحاجاتها ، فالحيوانات لا تملك وعي روحي حتى تكون لغتهم لها أي أهمية للإنسان ، ولذلك لم يكن لسليمان أي فائدة روحية من هذه المقدرة كوجوده ودوره كنبي. ولهذا السبب نجد أن الكتب المقدسة للعهد القديم التي تذكر قصة حياة سليمان لم تذكر نهائيا مقدرته على فهم لغة الحيوانات ، ولكنها ذكرت أن النبي سليمان عندما تولى حكم شعبه بعد وفاة أبيه ، أنه في دعائه طلب من الله أن يهبه الحكمة ليستطيع حكم شعبه بشكل عادل يؤمن لجميع أفراده الأمن والسلام والسعادة ، فسمع الله دعائه ووهبه الحكمة، فحتى يتم فهم حقيقة هذا النوع من الحكمة التي وهبها الله لنبيه سليمان ، نجد الإسلام يفسر لنا طبيعة هذه الحكمة ، والتي في الحقيقة تعني فهم المضمون الروحي لأسماء الأشياء ، والتي عبر عنها الله في قرآنه الكريم كمقدرة في فهم لغة الحيوانات ، والمقصود هنا ليس لغة تخاطب الحيوانات مع بعضها البعض فهذا يخص الحيوانات نفسها ، فالمقصود هنا هو شيء آخر، فكل نوع من أنواع الحيوانات له صفة روحية معينة توضح سبب وجوده في المخطط الالهي في تطور الحياة ، فالإنسان ككائن حي هو محور جميع التطورات ، أما الكائنات الحية فكل نوع منها يمثل صفة معينة من مجموع صفات تكوين الإنسان . فالإنسان في تكوينه مشابه في تكوين الغابة بما فيها من كائنات حية وغير حية ، فعندما نستطيع فهم سبب وجود كل نوع من الكائنات الحية في تكوين هذه الغابة عندها وكأننا نفهم دور كل صفة من صفات الانسان في سلوكه وتطوره .
فالمقصود من مقدرة النبي سليمان في فهم لغة الحيوانات هي مقدرته على فهم المضمون الروحي لكل كائن حي ، حيث وضع الله فيه كل ما يلزمنا من أجل فهم الماضي والحاضر والمستقبل الذي يجب أن تسير عليه الإنسانية لتستطيع تطهير نفسها من تلك الشوائب التي كانت سببا في طردها من الجنة لتصل إلى الصفاء الروحي فتعود إلى الجنة ثانية .
من ضمن الأشياء الأخرى التي تتعلق بحكمة سليمان عن لغة التخاطب هي ما يسمى اليوم (نظام الكابالا) ، للأسف هذا النظام مرت عليه الكثير من التشوهات عبر تاريخه الطويل، لذلك نجد اليوم أن معظم علماء الدين يرفضون صحته ولا يتقبلونه، فبسبب جهلهم في أصله ومضمونه فإنهم يعتبرونه أنه من مخلفات الأديان الوثنية القديمة التي تعتمد على الشعوذة والسحر ، وهذا طبعا خطأ فادح في حقيقة نظام الكابالا لأن أول من وضع حجر الأساس لهذا النظام هو النبي يوسف عليه الصلاة والسلام الذي أنعم الله عليه علم التفسير ، والذي كما ذكرنا أنه كان يمثل الطفولة في مرحلة الرضاعة ، والتي خلالها يكون إدراك الطفل لكل ما يجري حوله عن طريق إحساساته الروحية حيث أن هذه الإحساسات تحدث بسبب تأثر روح الطفل بروح الشيء الذي يراه ، فما يشعر به الطفل روحيا عن ذلك الشيء هو في الحقيقة مضمون الشيء نفسه، وعلى هذا الإحساس تم تصميم كلمات لغات العالم من قِبل الله عز وجل، فنظام الكابالا هو في الحقيقة نظام إلهي يترجم لنا المضمون الروحي للكلمة لنستطيع إدراك هذا المضمون بشكل عقلي أيضا وليس روحي فقط.
نظام الكابالا أخذه الفلاسفة اليهود من النبي سليمان الذي قام بتطويره ومعروف لديهم بإسم (الكابالا اليهودية)، وأيضا بعض حكماء مصر القديمة اخذوه من النبي يوسف وحاولوا الإعتماد عليه في تفسير الكثير من الظواهر الطبيعية فتم تسميته بإسم ( الكابالا الهرمسية).
كلمة (كابلا) مصدرها الكلمة العبرية (قاباله) وتعني (قبول) اي تقبل الشيء ، بمعنى أن المُعطي هنا هو الله والمستلم هو الإنسان ، والمقصود هنا هو كلام الله الذي اعطاه للإنسان والذي تحول إلى شكل لغة ، فطالما أن أسماء الأشياء ليست من صنع الإنسان ولكنها من الله عز وجل كما تذكر الآية القرآنية ٣١ من سورة البقرة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ، فنظام الكابالا هو في الحقيقة نظام يساعد في محاولة تفسير أسماء الأشياء لنصل إلى مضمونها الروحي ، لذلك فإن نظام الكابالا يعتبر طريقة لفهم المعاني الخفية في آيات الكتب المقدسة بهدف الوصول إلى الحكمة الإلهية التي تكمن في معانيها والتي تتناسب مع كل عصر ، فمع إستخدام نظام الكابالا تتجدد معاني الآيات في الكتب المقدسة وتجعل الكتب المقدسة ملائمة لجميع العصور. وهذا هو الفرق بين كتاب من تأليف إنسان وكتاب من وحي إلهي ، فكتاب الإنسان عادة ينتهي مع إنتهاء عصره بسبب تطور العلوم والمعارف ، أما الكتاب المقدس فتتجدد معانيه مع تطور هذه العلوم والمعارف فيبقى كتابا ينير الطريق أمام الإنسان إلى يوم الدين.
كما ذكرنا في المقالة الماضية أن الله عز وجل اختار لغتين للكتب المقدسة ، اليونانية للإنجيل والعربية للقرآن . الكابلا اليونانية مشهورة جدا وهناك الكثير ممن يحاول إستخدامها في تفسير معاني الكتب المقدسة، ولكن بسبب إستخدامها لأغراض مصلحة شخصية ، وهنا لا نقصد فقط مصلحة الباحث كربح مالي وشهرة، ولكن أيضا كمصلحة شخصية في تعظيم شعبه أو دينه ليجعله يبدو أرقى من الشعوب والديانات الأخرى. لذلك نجد أن إستخدام هذا المبدأ في البحث دفع الكثير من الباحثين في نظام الكابالا اليونانية في الخروج عن الطريق السليم في البحث العلمي، والسبب أن نظام الكابالا هو نظام روحي عالمي ، يشمل مصير الإنسانية بأكملها وليس مصير حفنة من الناس ، لذلك فكل إنسان سيستخدمه لتعظيم شعبه أو دينه سيجعل أفكاره تبدو ساذجة وخرافية للآخرين . ولهذا السبب ظلت أبحاث نظام الكابلا اليونانية خارجة عن الأبحاث المعترف بها عالميا .
وللأسف حتى الآن لم يعلموا هؤلاء الذين يستخدمون هذا النظام الرقمي للغة العربية ، بأن اللغة اليونانية تُكتب من اليسار إلى اليمين بينما اللغة العربية تُكتب بالشكل المعاكس من اليمين إلى اليسار ، لذلك فإن تطبيق النظام الرقمي للغة اليونانية على اللغة العربية سيبدو وكأننا نقارن بين سرعة الفهد مع سرعة النسر ، وهذا غير منطقي لأن الاول يستخدم عضلاته في الجري على الأرض بينما الثاني فيستخدم عضلاته في الطيران في السماء. فهذا الإختلاف في جهة الكتابة ليس صدفة ولكن له معنى روحي ، وهو أن اللغة اليونانية هدفها وصف مادية الشيء أما اللغة العربية فهدفها وصف مضمون الشيء ، فحتى نحصل على الرؤية الشاملة لهذا الشيء يجب أن نوحد النوعين من الرؤية .
وبما أنه هناك إختلاف جذري في طبيعة اللغتين ، فإن إستخدام نظام كابالا اللغة اليونانية لتطبيقه على اللغة العربية يعني أنه هناك فهم سطحي لمفهوم نظام الكابالا نفسه ، ولهذا السبب ظل نظام الكابالا حتى اليوم غير معترف به في الاواسط العلمية الأكاديمية .
حتى نوضح فكرة نظام الكابالا وطريقة تفسير مضمون الكلمة إعتمادا على القيمة الرقمية لأحرف هذه الكلمة، سنعطي هذا المثال البسيط :
في الخاطرة (٨١) التي تحمل عنوان معجزة هندسة المجموعة الشمسية، ذكرنا أن كوكب عطارد يمثل آدم ، اما كوكب الزهرة فيمثل حواء، وطبعا ربما لم يؤمن البعض بصحة هذه الفكرة وظنوا أن هذا التشبيه قد أتى من أفكار خرافية لا مكان لها في التصميم الإلهي لنظام المجموعة الشمسية ، لذلك هنا سنحاول من خلال تطبيق نظام الكابالا العربية واليونانية على أسماء هذين الكوكبين إثبات أن هذه الأسماء ليست من صنع إنسان ولكن من صنع الله لأن هذه الأسماء تكشف بعض الحقائق عن خطة تصميم المجموعة الشمسية .
كما هو مذكور في قصة خلق الإنسان ، أن الله عز وجل خلق آدم أولا ثم أخذ أحد أضلاعه وصنع منه حواء. وأهم مبدأ من مبادئ تكوين جسم الإنسان هو التناظر بين القسم اليميني والقسم اليساري فيه، لذلك نجد خطوط كف اليد اليمنى تشكل الرقم( ١٨ ) بينما خطوط كف اليد اليسرى تشكل الرقم المناظر له وهو( ٨١). واللغة العربية مع اللغة اليونانية تتبع نفس المبدأ، لذلك اللغة العربية تكتب من اليمين إلى اليسار واليونانية من اليسار إلى اليمين ، لنطبق الآن هذا المبدأ في أسماء الكوكبين عطارد الذي يمثل آدم ، والزهرة الذي يمثل حواء لنرى صحة هذه الفكرة .
القيمة الرقمية لإسم كوكب الزهرة في نظام الكابالا اليونانية هو الرقم (٩٩٣) ، وهذا يعني أن القيمة الرقمية لإسم كوكب عطارد في اللغة العربية يجب أن يكون الرقم المناظر لرقم الزهرة ، أي ان القيمة الرقمية لاسم عطاد يجب أن يكون (٣٩٩) . وهذا يمكن ان يحدث فقط عندما تكون أرقام الأحرف العربية تعتمد قانون الرقم المركب :
حيث الرقم هو رقم ترتيب الحرف في الأبجدية العربية ،مثال على ذلك الحرف (س) الذي ترتيبه في الأبجدية العربية هو الرقم (١٢) فإذا طبقنا عليه هذا القانون سنجد أنه:
القيمة الرقمية للحرف س في نظام الكابلا العربية هو الرقم (٧٨)
إذا طبقنا هذا القانون على أحرف كلمة (عطارد ) كما يلي :
فنجد أن رقم القيمة الرقمية لكلمة عطارد (٣٩٩) هو فعلا الرقم المناظر للرقم (٩٩٣) الذي يمثل القيمة الرقمية لاسم كوكب الزهرة في اللغة اليونانية (ΑΦΡΟΔΙΤΗ).
ولكن هنا قد يتساءل البعض، ما هي فائدة هذه الأرقام في ثقافة الإنسان ؟ في الحقيقة هذه المعلومات تفيد في فهم كل ما له علاقة في تكوين الإنسان المادي والروحي ..... بسبب طول المقالة سنتابع هذا الموضوع في الأسبوع القادم إن شاءالله.
وسوم: العدد 767