أيتها الياسمينة
أم الشهداء
ثورتَنا العظيمة .. ماذا أقول فيكِ؟ ومن أين أبدأ ؟ .. وهل يحقُّ لمثليَ أن يكتبَ عنكِ .. وهل ياترى سيرضخُ قلمي لمطلبي ؟! ستعجز الأحرف ُعن وصفِ ثوّاركِ ... وصمودِ أبطالكِ .. أبرجالكِ أبدأ ؟ أم بنسائكِ ؟ أم بأطفالكِ؟!
ربيعٌ تجلّى بعد طول شتاء قارس .. ربيعُ العزة والكرامة .. أزهاره ليست كأيِّ ربيع ... براعمُ من أيادٍ غضّةٍ نطقتْ باسمِ الجميع .. بربيعِنا يتكلمُ الدّحنون .. والنرجسُ المفتونُ بأريجِ سوسنةٍ وعبيرِ زنبقةٍ تمايل قربَها عناقيدُ ليمون .. وشقائقُ النعمانِ من بين السنابل تلوّحُ غصنَها لتقول لا لا للسكون.. فبِعُوديَ الغَضِّ الطّريِّ شققْتُ أقسى تربة .. شققْتُ أعتى صخرة ؛ لأفجِّرَ الإبداعَ ألواناً .. وينعمَ من سيأتي ومن سيكون ..
هي الشامُ ... حدائقُ ساحرة .. بذورٌ زُرِعتْ بِمعاوِلَ من ذهب .. سُقِيتْ بماءٍ من ضياءْ .. ما اجترَّها ماءُ الأسَن ... لكن تحجَّر فوقها طينُ الزمن .. فتفجّرتْ تجتثُّ ألوانَ الظُلَم .. وتُعيدُ للأجيالِ أمجادَ الوطن ... هؤلاءِ هم أطفالُك وطني ...
أمّا أنتِ أيّتها الياسمينة .. ذات الوشاحِ الأسود .. فبماذا أصفكِ ؟ وأيَّ معاني التبجيلِ ألقِّبكِ ؟! يامن أنتِ الأولى والأخيرة في هذه الثورة .. يامن تحملينَ ثِقلَ الثّورةِ على راحتَيْكِ ...
ويطولُ الحِمل .. ويزيدُ الثقل .. ويعودُ خريفٌ وشتاء .. ويأتي ربيعٌ ويعودُ خريفٌ وشتاء .. وأنتِ ما زلتِ تجوبينَ الصّحاريَ والقِفار .. ويلفحُ لظاها خدّكِ الزّاهي النديّ...
ما الذي قوّاكِ ؟! ما الذي سوّاكِ ؟! .. إنّه الإيمان .. قويٌّ من قوّة خالقِ الأكوان ...
ألتفِتُ هنا لأراكِ في مقدّمة الركبِ سائرة .. ثُمّ هناكَ بين الزنازينِ شاكرةً صابرة .. وأُشيحُ بوجهي.. لأرى نورَ مُحيّاكِ يملأُ عتمةَ السَّحَر .. ساجدةً على أعتابِ ربِّكِ داعيةً خاشعة .. وهناكَ بيديكِ الرحيمتينِ تُعالِجين .. وعلى منابرِ العلمِ تتصدرين .. ثمّ ما تلبثينَ أنْ تُعِدّي ما لذَّ وطابَ منَ المأكل .. تزويداً و تكريماً للمجاهدين وتجودُ يُمناكِ بأغلى ما تملكين .. فلا الذَّهبَ ترغبين ، ولا المالَ تجمعين .. بلْ مُهجةَ القلبِ تدفعين .. لمْ تزوّديهِمُ المالَ والطعامَ فحسبْ .. بلِ الزّوجَ والأبناء ... واحداً تلْوَ الآخر يستشهدون .. ثمّ ها أنتِ أمامَ أطفالٍ يتامى تصمدين.. بربِّكِ أيَّ قلبٍ تحملين ؟!!
علّميني .. كيفَ تُسْليهِم إذا جاعَ الرضيع ؟! كيفَ تحميهِم إذا خافَ الصّغير؟! علّميني .. كيف تُسْليهِم إذا نادَوْا على بابا الرحيم ؟! علّميني كيف أنتزعُ التفاؤُلَ من بينِ أشواكِ الأنين ؟! ..
واللهِ إنّي أنا المعذَّبةُ التي تَلتاعُ مِن لَوْمِ الضّمير .. لكنّكِ حبيبتي بعنايةِ الرحمنِ تَنْعمين .. وسيشرقُ الفجرُ المبين ويشتفي القلبُ الحزين ...
والنّصرُ آتٍ حتى ولو مِن بعدِ حين ...