الخاطرة ٢٠٥ : الفيلسوف ابن رشد المظلوم الجزء ٨
خواطر من الكون المجاور
عندما ظهرت المسيحية في الإمبراطورية الرومية كانت في البداية عبارة عن جماعات متفرقة صغيرة على هامش المجتمع ، تكتم سر إيمانها بسب الإضطهاد والتعذيب الذي كانت تعاني منه ، والذي كانت السلطة الرومية تبرره بأن الديانة المسيحية هي ديانة بسطاء العقول الذين ينشرون الجهل والخرافات في المجتمع الرومي . ولكن بعد مرور السنوات والتزايد المستمر في عدد المسيحين رغم جميع ذلك الإضطهاد التعسفي ، أصبحت هذه الظاهرة تثير إهتمام فلاسفة ومثقفي البلاد الرومية ، فحاول هؤلاء دراسة حقيقة هذه الأمة المستضعفة التي بدلا من أن تزول وتختفي كانت تتضخم باستمرار ، وبعد التمعن والتحليل بحقيقة هذه الأمة شعروا بدهشة من نتائج ما حصلوا عليه ، فرغم أن المسيحيين كانوا يعيشون في جماعات متفرقة ولكن كان تماسك هذه الجماعات مع بعضهم البعض يثير الدهشة والإعجاب ، فقد عرف الفلاسفة أن هؤلاء البسطاء العقول المنبوذين من المجتمع الرومي قد إستطاعوا تكوين المدينة الفاضلة التي حلم بها الفيلسوف أفلاطون وغيره ولكنهم فشلوا في تحقيقها
، فكان المسيحيون الأغنياء ينفقون ثرواتهم في سبيل مساعدة الفقراء والمساكين والمرضى والعجزة والمعاقين ليؤمنوا لهم حياة كريمة ، والشيء الأهم من هذا أن الفلاسفة لاحظوا أن هذه الأمة الفاضلة كانت تعتمد على مبدئين أساسيين (العفة والسلام) فقد لاحظ الفلاسفة الإخلاص الشديد في الذكور في الزواج ووحدانية هذا الزواج، و كان هذا قد خلق في مجتمعهم نوعًا من الاستقرار العائلي التي افتقدها المجتمع الرومي وجعل المؤمنات الجدد في ظل هذا الاستقرار النفسي يلدن ويربين عددًا أكبر من الأطفال تربية صالحة. أما من ناحية تطبيق قانون السلام فكان المسيحيون يطبقون قانون الآية القرآنية (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ... ٢٨ المائدة) .
ما لاحظه الفلاسفة وأثار دهشتهم وإعجابهم في الأمة المسيحية قد ذكره الله تعالى في قرآنه الكريم (....وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ .٨٢ المائدة) . في القرن الثاني بدأ الفلاسفة والمثقفين يعتنقون الدين المسيحي ويساهمون بدورهم في تنمية الأمة المسيحية فاندمجت محاسن الحضارة اليونانية مع محاسن تعاليم الإنجيل لتتحول الأمة المسيحية في نظر الروم المحايدين من أمة جاهلة إلى أمة علم ومحبة وسلام . ورغم الإضطهادات التي كانت تمارسها السلطة الرومية إستطاعت هذه الأمة بسلوكها السامي أن تصل نسبة عدد أفرادها أكثر من نسبة عدد الوثنيين ، وفي عام ٣١٢ أعلن الإمبراطور قسطنطين إعتناقه الدين المسيحي وأصدر قرارا بمنح المسيحيين الحرية بممارسة شعائر دينهم . وفي عام ٣٣٠ نقل عاصمة الأمبرطورية الرومية من روما إلى القسطنطينية ، وفي عام ٣٨٠ أصبحت الديانة المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومية . وهكذا تحققت أهداف الدين المسيحي بتحقيق ثورة سلمية دون إراقة قطرة دم واحدة من دم الأعداء ، فبواسطة الأخلاق الحميدة والمثل العليا إستطاع المسيحيون أن يقضوا على روح السوء في أعدائهم لتتحر فيهم روح الخير لتصبح هي المسيطرة على سلوكهم .
في القرن الخامس والسادس الميلادي وبسبب دخول العديد من الأشخاص في الدين المسيحي ليس بسبب إيمانهم بها ولكن بهدف الوصول إلى مراكز عليا في السلطة ، هؤلاء كانوا يستغلون الدين لتحقيق مصالحهم فكان نتيجته ظهور فئات متعصبة كل فئة تدافع بقسوة عن معتقداتها ، فظهر نوع جديد من الإضطهاد ، في البداية كان إضطهاد لكل شيء له علاقة بعلوم الحضارات الوثنية ، والذي أدى إلى إغلاق جميع المدارس الفلسفية وهروب أساتذتها إلى بلدان أخرى خارجة عن السلطة الرومية . ثم تطور الوضع إلى الأسوأ ، مسيحيون يضطهدون مسيحيين بسبب إختلاف المذهب .
في القرن السابع إستطاعت تلك الفئات التي تسعى لتحقيق مصالحها الوصول إلى السلطة لتقود الأمة المسيحية إلى عصور الظلام والإنحطاط ، فكان لا بد من ظهور قوة جديدة ودين جديد يمنع هذا الإنحطاط من تدمير محاسن الأمة المسيحية كدين وكحضارة .
يقول يسوع في إنجيل متى ٥: ١٧ " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ " ، والحديث الشريف يذكر "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . للأسف معظم علماء الإسلام منذ أكثر من ثمان قرون وحتى الآن بدلا من أن يذكروا حقيقة الأمة المسيحية كما ذكرتها لكم ، ليأخذ المسلمين منهم تلك المكارم الأخلاق التي وضعها الله في الأمة المسيحية (عفة، سلام) راحوا وحذفوها وأخفوها عن المسلمين ، وتكلموا فقط عن تلك الإختلافات بين الديانتين فخسرت كلاهما هويتهما . وهنا سنحاول مناقشة واحدة من أهم تلك الإختلافات .
بشكل عام يوجد ثلاثة إختلافات بين الديانتين وهي حقيقة ولادة يسوع ، حقيقة صلب يسوع ، حقيقة يسوع هل هو إله أم نبي ورسول مثل بقية الأنبياء والرسل . وهذه الأخيرة هي من أهم وأعقد هذه الإختلافات، حيث أن العلماء المسلمين يعتبرونها من أقوى الإختلافات التي تؤكد كفر المسيحين . وهنا سنناقش هذا الموضوع لنبين الحكمة الإلهية في هذا الإختلاف بين آيات الإنجيل وآيات القران الكريم . قد يستغرب جميع المسلمين كلامي ومباشرة سيذكرون الآية " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ .... ٧٣ المائدة ) والآيات " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) الإخلاص" . فيقولون ماذا تريد أقوى من هذه الإثباتات على كفر المسيحيين؟
للوهلة الأولى قد يبدو للمسلمين أن الأمر مقنع تماما ولا جدل فيه لأن إنجيل متى ١٦: ١٦ يذكر (فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!») . هل هذا حقا إثبات يكفي لتكفير المسيحيين ، الجواب إذا كان الأمر كذلك فيكفي ولكن الأمر مختلف عما يظنه المسلمون، وسنوضح الأمر بالتفصيل : إذا إستخدمنا علوم الحكمة التي تدرس كل شيء يتعلق بحقيقة يسوع المسيح سواء كان فيما تذكره عنه الكتب المقدسة للديانات السماوية ، او بما هو مذكور كحقائق إلهية في تطور الحياة أو في الأحداث التاريخية ، سنجد أن الأمر مختلف . فإذا نظرنا إلى جميع هذه الأشياء وكأنها رواية واحدة كتبها الله عز وجل ، عندها ستتحول هذه الإختلافات في المعاني إلى إختلافات في زوايا نظر وليست تناقضات ، وهذه الإختلافات هي حكمة إلهية هدفها المساعدة على فهم حقيقة التطور الروحي للإنسانية في المخطط الإلهي .
أهم سبب دفع كهنة اليهود إلى محاكمة يسوع بتهمة الكفر هو أن يسوع كما يذكر الإنجيل كان يدعي بأنه ابن الرب . وهذا ليس تحريف في الإنجيل كما يظن المسلمون ولكن خطة إلهية ، فبهذه الطريقة يسوع نفسه منع اليهود من الإيمان بصحة الدين المسيحي ، ولولا هذا الإختلاف لكان جميع اليهود قد إعتنقوا الدين المسيحي ولكانت الديانة اليهودية قد إختفت من الوجود منذ ألفي عام ، ولكانت نتيجته إنقراض زاوية رؤية أنعم الله فقط على اليهود . فمثلا إختفاء علم الفيزياء من العلوم سيؤثر على تكامل وظيفة العلوم وتخسر جزء من مقدرتها في تأمين الحاجات المادية للإنسان ، هكذا تماما سيحصل مع إختفاء الديانة اليهودية فإختفائها سيُحدث نقص في العلوم الروحية ، فالديانة اليهودية مثلا لا تؤمن بوجود يوم الحساب ولا في الجنة والنار . إذهبوا إلى كتب التوراة لن تجدوا أية واحدة تتكلم عن يوم الحساب وهذا لم يحدث بسبب تحريف التوراة ولكنه من الله لأنه يحمل حكمة إلهية . الديانة المسيحية هي اول ديانة سماوية تتكلم عن يوم الحساب ، فهنا لا يوجد تناقض بين اليهودية والمسيحية ولكن يوجد إختلاف في زوايا النظر . لأن كل ديانة لها حكمتها الإلهية ، والفيلسوف ابن رشد إعتمد على هذا الإختلاف وخرج بمعلومة فلسفية سميت (الرشدية) .
أحد الأشياء التي تجعل المسيحيين يؤمنون بشدة بأن يسوع هو (إبن الرب) كان بسبب إختلاف طبيعته عن جميع الأنبياء والرسل ، أولها أنه ولد ولادة غير طبيعية من فتاة عذراء . وكذلك علاقته مع الله كانت أيضا مختلفة عن بقية الأنبياء والرسل ، لأن جميع الأنبياء كان الله يوحي لهم بطرق مختلفة ليفعلوا ما يطلبه منهم . أما يسوع فالله ألقى كلمته وروح منه في مريم ليولد منها يسوع ولم يوحي من بعدها له بشيء (...وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ... ١٧١ النساء ) ، لأن يسوع كان يحمل في تكوينه كل ما هو مطلوب منه أن يفعله حتى آخر حياته . وهذا ما جعله يحمل بعض الصفات الإلهية ، يحي الموتى ويسخر الطبيعة في إقناع الناس للدخول في دينه الجديد ، المعجزات المذكورة في الإنجيل يجب دراستها وتفسير رموزها لتوضح لنا حقيقة طبيعة يسوع ولكن للأسف علماء المسيحيين والمسلمين يقرأوها وكأنها فقط معجزات لا غير . أيضا بعد صعود يسوع إلى السماء أصبح هو الذي يوحي لتلامذته ليصنعوا بعض المعجزات لتساعدهم في إقناع الناس بدعوتهم . فالوضع في طبيعة الديانة المسيحية مختلف تماما عن طبيعة الدين اليهودي والدين الإسلامي اللذان يتشابهان في هذه الناحية . وهذا لم يحصل بسبب التحريف الإنجيل كما يظن علماء الدين الإسلامي ولكن بسبب طبيعة يسوع نفسها . لذلك فإن رأي المسيحين بأن يسوع هو "إبن الرب" ليس تحريف ولكنه حكمة إلهية تفتح لنا زاوية نظر جديدة لمفهوم الكلمات (رب ، إله ، الله) ، وهنا سأحاول عرض هذه الأمور من هذه الزاوية لنفهم الفرق بين المقصود في آيات الإنجيل والمقصود في آيات القرآن الكريم .
إذا تمعنا في مفهوم (الله) عند الأطفال المسلمين بعمر ستة إلى عشر سنوات سنجد أن وصفهم له يشابه وصف إنسان كبير له مقدرات خارقة ، لأن الفطرة الإلهية فيهم هي التي جعلتهم يشعرون بمفهوم (الله) بهذا الشكل ، لذلك كانت مرحلة ما قبل الإسلام لها هذا المفهوم عن (الله) ، لأن الإنسانية في ذلك الوقت كانت في مرحلة روحية تعادل هذه المرحلة من عمر هؤلاء الأطفال ، لذلك كان مفهوم كلمات (الرب) عند المسيحيين مختلفة عن مفهوم المسلمين . يمكن لكل مسلم أن يقوم بهذه التجربة ليرى مفهوم (الله) عند الأطفال ليتأكد منها.
حتى نوضح معنى إختلاف زاوية النظر سنذكر مثال بسيط من سفر التكوين له علاقة بموضوعنا . في النسخة الماسورتية اليهودية لسفر التكوين ، الإصحاح الخامس يذكر أن لامك والد نوح عاش ٧٧٧ سنة ، بينما النسخة اليونانية(السبعينية) تذكر أن لامك عاش ٧٥٣ سنة ، حتى اليوم العلماء الدين المسيحي لم يستطيعوا تفسير هذا الإختلاف ، ولكن حسب رأي العلماء المسلمين أنه يوجود تناقض بين النسختين ، لأن الرقم (٧٧٧) لا يعادل الرقم (٧٥٣) ، هناك فرق (٢٤) سنة . هنا لا يوجد تناقض ولكن إختلاف في زاوية الرؤية وهذا الإختلاف ليس تحريف ولكن حكمة إلهية توضح إختلاف مفهوم طبيعة الأشياء بين اليهود واليونانيين (أي بين الشعوب الشرقية والشعوب الغربية) . فالشعوب الشرقية تستخدم التقويم القمري بينما الشعوب الغربية تستخدم التقويم الشمسي ، وعلى هذا الإختلاف يجب أن ننظر إلى أن النسخة اليهودية تستخدم التقويم القمري لذلك ذكرت الرقم ٧٧٧ كعام قمري وهو يعادل الرقم ٧٥٣ كعام شمسي المذكور في النسخة اليونانية ، أي أنه لا يوجد أي تناقض . ولكن إذا حسبناها بدقة سنجد أن ٧٧٧ عام قمري تعادل ٧٥٣ عام شمسي وبضعة أشهر ، هذه الاشهر لم تدخل في حساب النسخة اليونانية لأنها مدة حمل الجنين في رحم أمه ، وهذا يعني أن النسخة اليهودية تحسب عمر الإنسان منذ نزول الروح في الجنين وحتى خروجها من جسده عند وفاته أي أنها تنظر من زاوية روحية للأشياء، أما النسخة اليونانية فتحسب عمر الإنسان منذ خروجه من رحم أمه وحتى وفاته لذلك فهي تنظر من زاوية مادية للأشياء .
الإختلاف بين رأي المسيحيين ورأي المسلمين عن طبيعة يسوع لها نفس مبدأ المثال الذي ذكرناه تماما . فهذا المثال تم ذكره في سفر التكوين لمساعدة العلماء في توضيح الإختلاف بين الإنجيل والقرآن . ولهذا تذكر الحكمة الإلهية في سفر التكوين أنه أثناء وجود لامك والد نوح على قيد الحياة حدثت ظاهرة غريبة ( أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات ، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا .اصحاح ٦ أية ٢) هنا تظهر ولأول مرة وفي اول كتاب مقدس للديانة اليهودية مصطلح (أبناء الله) ، علماء اليهود حتى الآن عجزوا عن تفسير هذا المصطلح فرغم أنهم يؤمنون أن (الله لم يلد ولم يولد) ومع ذلك لم يحذفوها ، لأن الحكمة الإلهية هي التي أجبرتهم على الحفاظ بهذا المصطلح بشكله الحقيقي حتى اليوم. الموضوع لا ينتهي هنا ، فنجد أنه بعد ظهور هؤلاء (أبناء الرب) تركهم الله لمدة ١٢٠ عام يعاشرون نساء الناس ثم حدث بعدها طوفان نوح ليقضي على الجميع ما عدا عائلة نوح. هذه القصة ليست أسطورة خرافية كما يعتقد الملحدون ولكنها معلومة تفيدنا في فهم ما حدث في بداية ظهور الإنسان على سطح الأرض.
حتى لا ندخل بتفاصيل عديدة بعلم الأنثربولوجيا (علم الإنسان) سنذكر الموضوع بشكل مختصر جدا لنوضح تلك الأمور التي تتعلق بطبيعة يسوع .
قبل حوالي ٥٠ ألف عام ، كان يوجد نوعان من الناس ، الفرق بينهما مثل الفرق بين النمر والفهد أو بين الكلب والذئب، النوع الذي ظهر أولا سموه العلماء (إنسان نياندرتال) والنوع الثاني (الإنسان العاقل) وهو الإنسان الحالي .هنا سنعطي مصطلحات دينية على النوعين حتى نربط بين علم الأنثربولوجيا والدين ، إنسان نياندرتال هو من سلالة الأبن الأول لآدم قايين (قابيل عند المسلمين) ، قايين هو إبن الخطيئة التي أخرجت الإنسان من الجنة وكونه يحمل غريزة القتل في تكوينه قتل أخاه هابيل . فإنسان نيانتدرتال هم من سلالة الخطيئة .لذلك سنسميهم بالمصطلح التوراتي (ناس قايين ) ، أما النوع الثاني (الإنسان العاقل) فهم من سلالة شيث أبن آدم الذي كان على صورة آدم لذلك سنسميهم (ناس آدم) . ناس قايين كان لهم المقدرة على صنع الأدوات البسيطة لتساعدهم في صيد الحيوانات ، ولهم أيضا المقدرة على أستخدام الكلمات البسيطة ليتخاطبوا بها لتساعدهم في فهم بعضهم البعض ، فكان نشاطهم الفكري يتعلق فقط بحاجاتهم المادية لذلك ظلوا بدائيين جدا طوال مدة وجودهم على سطح الأرض ، الحمض النووي لأناس قايين مشابه للحمض النووي لإنسان اليوم بنسبة 99.7%. أما ناس آدم فكانت مقدراتهم الفكرية أفضل بكثير في صنع الأدوات وفي المقدرة على الكلام وفي إعطاء كل شيء أسم ، لذلك كان لديهم المقدرة على تشكيل الكلمات المعقدة أو تكوين مفاهيم أكثر تعقيدا للتعبير عن أحاسيسهم الروحية ، لهذا كان نشاطهم الفكري يتطور بشكل أسرع لتأمين حاجاتهم المادية والروحية معا . هناك شيء هام جدا في ناس آدم غير موجود في ناس قايين ، هو أن ناس آدم في كف أيديهم توجد خطوط لها شكل (١٨) في اليد اليمنى والشكل (٨١) في اليد اليسرى ، هذه الخطوط كانت علامة إلهية أن ناس آدم كانوا في تكوينهم يحملون جزء من تلك الروح التي نفخها الله في آدم . بينما ناس قايين لم يكونوا يحملوا هذه الروح في تكوينهم . ناس آدم إستطاعوا التغلب على ناس قايين فكان بعضهم يأخذون نساء ناس قايين لتكن خادمات لهم ولإشباع شهواتهم فيهن أيضا ، فكن هؤلاء النساء في بعض الحالات ينجبن منهم أولاد فبدأت عندها تدخل نسبة من مورثات ناس قايين في نسل ناس آدم . عدا عن إنتصار ناس آدم على ناس قايين ساعدت الظروف الطبيعية أيضا على إنخفاض أعداد أفراد ناس قايين وقبل حوالي ٣٥ ألف عام إنقرض ناس قايين ولم يعد لهم أي أثر كسلالة نقية . سفر التكوين يذكر سلالة قايين حتى شخص أسمه لامك وهو نفس أسم والد نوح الذي من بعده حدث طوفان نوح فلم يبقى سوى ناس آدم على سطح الأرض .
ناس قايين قبل إنقراضهم كانوا يعيشون في الشمال(القارة الأوربية من إسبانيا وحتى شرق روسيا اليوم) ، أما ناس آدم فكانوا يعيشون في الجنوب (أسيا افريقيا) . لذلك الحكمة الإلهية قسمت الإنسانية إلى قسمين : قسم غربي شعوبه فيها نسبة أكبر من مورثات ناس قايين ، لذلك كانوا مبدعين بالعلوم المادية ، وقسم شرقي فيهم نسبة أقل من مورثات ناس قايين لذلك كانوا مبدعين في الأمور الروحية ولهذا السبب ظهرت الديانات العالمية في هذا القسم ومنها إنتشرت إلى جميع بلدان العالم. لذلك نجد الأساطير اليونانية تذكر عن آلهة أوليمبوس بأنهم نزلوا من السماء إلى بلادهم ليساعدوهم في بنائها وتحسين مجتمعاتهم ، فهولاء الآلهة هم في الحقيقة منذرين أرسلهم الله إلى اليونانين ، لأن اليونانين هنا أخذوا رمز ناس قايين الذين تكوينهم لا يحوي أي شيء من روح الله . فكل صفة من أسماء الله الحسنى التي وهبها الله للمنذر ليساعد بها اليونانيين كانت بالنسبة لهم إله خاص بذاته ، فآلهة الديانات اليونانية القديمة ليست أساطير خرافية ولكن هي من عند الله ، الله عز وجل هو الذي أمرهم بتقديسها لتساعد هذه الزاوية من الرؤية في فهم ما يحدث في المخطط الإلهي . ولكن هذه الديانات فيما بعد تحولت إلى ديانات وثنية عندما دخلها التشويه فخسرت هويتها ومنفعتها للناس .
لذلك كانت الحكمة الإلهية في طبيعة الديانة المسيحية أن تحافظ على هذه الزاوية من الرؤية ليظهر للشعوب الغربية بأن يسوع يحمل جميع صفات الآلهة التي كانوا يقدسونها . لأن أتباع الديانة المسيحية معظمهم هم من الشعوب الغربية . الحكمة الإلهية في وجود الإختلاف بين المسيحية والإسلام في مفهوم (الله) ، هي خطة إلهية تساعدنا في فهم ما لا يعرفه لا المسيحيون ولا المسلمون عن حقيقة مفهوم مصطلح (الخالق).
الإنجيل لا يتكلم عن الله الموجود في القرآن .وكلمة الله المذكورة في الإنجيل النسخة العربية تم ترجمتها خطأ من اليونانية إلى العربية ، الإنجيل اليوناني لا يستخدم كلمة الله ولكن يستخدم الكلمات (رب ، سيد ، إله) وهذا ليس كفر ، فكلمة رب تستخدم أيضا في التعبير عن الإنسان ، رب العائلة ، رب العمل ...، كلمة السيد نفس الشيء أيضا . أما كلمة إله في اللغة اليونانية فهي (Θεός) ثيوّس ، ونفس الكلمة بتغير طفيف بالتشكيل (θέος) ثيّوس، تعني (عم) اي أخو الأب . الحكمة الإلهية في القرآن تسمي الكتاب المقدس لديانة المسيحية (إنجيل) ، وكلمة إنجيل يونانية ، لذلك يجب قراءة معاني كلمات الإنجيل فقط كما هي في النسخة اليونانية وليس في أي لغة غيرها . لأن القرآن أيضا إذا قرأناه في لغات أخرى سنرى معاني غريبة عجيبة أيضا لا توافق معاني القرآن بالنسخة العربية.
ما المعنى الحقيقي لكلمة إله (Θεός) المذكورة في الإنجيل ؟ الإله هو صفة واحدة لجزء بسيط من تلك الروح التي وضعها الله في آدم ، وليس لها علاقة بالخالق الأعظم (الله) الذي خلق آدم . والحكمة الإلهية في ذكر كلمة (إله) كصفة من صفات يسوع في الإنجيل تساعد في توضيح أنه يوجد روح إلهية داخل الكون مختلفة عن (الله) الذي هو خارج الكون . فعندما طرد الله آدم من الجنة ، روح آدم هي التي قامت بتكوين كل ما هو موجود داخل هذا الكون . الله خارج الكون لم ولا يتدخل في أي شيء . بل قال (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ .٢٤ الأعراف) الأرض هنا تعني الكون بأكمله. المسلمون قد يستغربون هذا الكلام، ولكن يمكن إثباتها بسهولة : الإنسان اليوم وصل إلى درجة من العلم جعلته يكتسب مقدرة علمية تسمح له بلمسة زر في الحاسوب أن تجعل مصنع ضخم يعمل بدون تدخل أي عامل ، فكيف بعلم الله . هل من المعقول أن يجلس الله عز وجل ويراقب كل ما يحصل في الكون وعلى سطح الأرض ليتدخل في كل لحظة ، هذا تفكير عقل إنسان والإيمان بصحة هذه الفكرة يعني أن علم الإنسان قد تفوق على علم الله (حاشا لله) .الله عز وجل من اللحظة التي طرد فيها الإنسان من الجنة وضع حاسوب إلهي (كن فيكون) في روح آدم لتخلق كل شيء في داخل الكون الذي كان في بدايته عبارة عن ثقب أسود حجمه أصغر بكثير من ثقب الإبرة. هذا الحاسوب الروحي الذي هو الروح الإلهية في آدم هي الروح الكونية التي تسيطر على قوانين الكون بأكملها. ما حدث لآدم حدث تماما ليسوع ، روح آدم الكونية وضعت حاسوب روحي في رحم مريم العذراء ليولد منها يسوع ويحمل صفات أبيه آدم الذي يمثل الروح الكونية داخل الكون .
في سفر التكوين نجد الإصحاح (١٨) يذكر ان الرب نزل على إبراهيم عليه الصلاة والسلام وجلس معه وأنبأه بولادة إبنه إسحاق ، اليهود الذين يكفرّون المسيحيين يعتقدون بأن الذي نزل على إبراهيم هو الله ، ولكن القرآن الكريم يذكر هذه الحادثة بصورة أخرى (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ . ٥١ الحجر) . المقصود هنا بضيف ابراهيم هو آدم وليس الله . ذلك الجزء من روح الله في آدم هو الروح العالمية التي يدعونها في الديانة المسيحية الرب . ويسوع هو ابن هذا الرب (آدم) الذي أخذ دور هذه الروح العالمية التي تجسدت في يسوع ، والقرآن الكريم لا يخالف هذه الفكرة (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ٥٩ آل عمران) . القرآن لم يذكر أن مثل عيسى كمثل موسى أو داود ولكن آدم .
ضيف إبراهيم في التوراة هو (إل)، القرآن الكريم يستخدم هذا الأسم في بعض أسماء الأنبياء ليؤكد على صحة الفكرة . فيعقوب عليه الصلاة والسلام يدعى أيضا(إسرائيل) أي (إسرا-إل) وتعني في العبرية صراع الرب ، و(دانيل) عليه السلام أي (دان -إل) وتعني قضاء الرب . كلمة (إل) ظهرت قبل ظهور التوراة في ديانات شعوب بلاد الشام وتعني (كبير الآلهة) وتصفه كرجل له لحية بيضاء يسكن في السماء . هذه الديانات هي أيضا من عند الله وليست من إختراع فكر بشري .الأسم (إل) ككلمة موجود بالأحرف اليونانية في شكل خطوط كف اليد اليمنى في الإنسان (ΙΛ) وشكله أيضا كشكل رقم ثمانية عشر. وهذا الرقم هو القيمة الحرفية البسيطة لإسم آدم (ΑΔΑΜ) في اللغة اليونانية ، الحكمة الإلهية وضعت هذا الرقم في صوت الحمامة الستيتية (اليمامة المطوقة ) حيث نسمعها وهي تصرخ وكأنها تقول (ذِكا اوختو) وهو نفس لفظ رقم ١٨ في اللغة اليونانية ومنه أخذت هذه الحمامة أسمها العلمي (decaocto) وتعني في اليونانية (الثماني عشرية) وهذه العبارة أيضا تُسمع بالعربية (زكى أخته) أي طهرها ومعناها أن آدم طهر حواء من خطاياها . فهذه الحمامة تصرخ بأسم (الرب إل) الذي يمثل الروح الكونية وليس الله. وهذا النوع من الحمام يحمل في عنقه من الخلف خط أسود وهي رمز يعبر عن قطع رأس النبي يحيى ورأس بولس الذي حل محله . والقرآن الكريم يذكر (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ .٤١ النور) ، النور الذي ظهر على بولس وجعله يفقد بصره هو العلامة إلهية التي دفعته ليتحول من أشد أعداء المسيحية إلى أعظم تلميذ ليسوع . عدد آيات سورة النور (٦٤) هذا الرقم هو القيمة الرقمية لاسم بولس في النظام البسيط للغة العربية. بولس هو رمز الحمامة الستيتية التي نشرت تعاليم الروح الإلهية في الشعوب الغربية.
سورة النور تتكلم عن الزنى ، الديانة المسيحية هي رمز يُعبر على أن الشعوب الغربية (ناس قايين) قد طهرت نفسها من تلك الخطيئة التي سببت طرد الإنسان من الجنة لذلك نجد اتباع المسيح ولمدة أكثر من ٣٠٠ عام رغم الاضطهاد الوحشي الذين عانوا منه كان سلوكهم يُعبر عن تصحيح خطيئة حواء وآدم (الزنى الروحي) الذي سبب ظهور غريزة القتل في قايين ، لذلك نجد أن الأمة المسيحية كانت تعطي أهمية مطلقة للعفة والإخلاص في الحياة الزوجية ، لهذا نجد أن المراتب العليا في رجال الكنيسة حتى اليوم (راهب ، أسقف ، مطران ، بطريرك ) يُشترط بهم أن يكونوا متبتلين ( غير متزوجين ولم يمارسوا الجنس طوال حياتهم) ، وكذلك كانت الأمة المسيحية منذ ظهورها ولمدة أكثر من٣٠٠ عام تسلك سلوك هابيل (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ... ٢٨ المائدة) . لهذا في بداية صلاتهم يذكرون العبارة (بسم الآب والابن وروح القدس) روح القدس هي رمز حواء الطاهرة التي تحققت طهارتها بولادة يسوع من مريم العذراء ونجاح الأمة المسيحية في تلك الفترة بالتمسك بتعاليم الدين المسيحي (عفة وسلام) . الحكمة الإلهية وضعت رمز في الإسلام يؤكد صحة هذه الفكرة ، فنجد الأمة الإسلامية لا تستخدم أسم قايين الذي يرمز لخطيئة حواء في الجنة ، وبدلا منه تستخدم أسم (قابيل) الذي لفظه يُسمع وكأن مصدره من كلمة (قبول أو مقبول) كدليل على تصحيح أخطاء ما حصل في الجنة . وبسبب عدم فهم علماء المسلمين لحقيقة الدين المسيحي لهذا لا أحد من علماء المسلمين حتى اليوم إستطاع تفسير سبب ظهور أسم قابيل في الأمة الإسلامية كبديل لأسم قايين التوراتي.
الحكمة الإلهية هي التي أجبرت المسيحي الذي يؤمن بأعماقه بتعاليم دينه أن يفتخر بدينه كي لا يهجره مهما حاول علماء المسلمين إقناعه . في الماضي كان الوضع مختلف أما اليوم فكل عالم يحاول أن يدعوا المسيحيين إلى الإسلام أو العكس هو أعمى البصيرة ، لأنه يخالف تعاليم القرآن الكريم (... وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ١٢٥ النحل) ، الله وحده فقط هوالأعلم بمن ضل عن سبيله وهو فقط الأعلم بالمهتدين . فكما ذكرنا الإنجيل يتكلم عن الروح الإلهية داخل الكون ، القرآن يتكلم عن الله خارج هذا الكون ، ولا يوجد أي تناقض . التناقض حصل بسبب الترجمة الخاطئة للإنجيل اليوناني فكلمة (الله) كمعنى غير موجود في النسخة اليونانية .
حقيقة يسوع تحتاج إلى شرح طويل جدا ، ولكن هنا ذكرنا بعض النقاط وبشكل مختصر فلكل آية قرآنية لها شرح خاص بها ولكن هنا ذكرت الموضوع بشكل عام ، إن شاء الله في المستقبل القريب سنتكلم بشيء من التفصيل لنوضح أنه لا يوجد أي تناقض بين معلومات الإنجيل ومعلومات القرآن لا في ذكر الثالوث ولا في قصة ميلاد يسوع ولا في قصة صلبه أيضا ، وأن هذه الإختلافات ليست تناقضات ولكن إختلافات في زوايا الرؤية وهي حكمة إلهية وليست تحريف . ليعلم علماء الاديان أن الكتب المقدسة للديانات السماوية أجمل وأرقى بكثير مما يتصورون وأنها تنمي روح التعاون والإخاء وليس روح التمزيق والعداوة. وأن الكتب المقدسة هي كلام الله ولن يستطيع أي إنسان تحريف الحقائق الإلهية فيها لأن هذه الحقائق مذكورة بلغة إلهية لا يستطيع أن يراها أي دجال أو منافق ليحرفها. إنظروا إلى أطفال شعوب العالم لتمتلئ قلوبكم بالمحبة والتسامح ، ولا تنظروا فقط إلى المنافقين فتمتلئ قلوبكم بالكراهية والعدوانية لهذه الشعوب ، فالأطفال هم مستقبل الإنسانية ونحن الكبار جميعنا مسؤولون عنهم أمام الله .
في المقالة القادمة عندما سنتكلم عن الدين الإسلامي ستتوضح الأمور أكثر إن شاءالله.
وسوم: العدد 807