الخاطرة ٢٢٥ : ابن رشد الفيلسوف المظلوم الجزء ٢٦
خواطر من الكون المجاور الخاطرة
في المقالة الماضية تكلمنا عن المضمون الروحي للمذاهب الأربعة في السنة والجماعة ، وذكرنا أن هذه المذاهب الأربعة أخذت دور الحسن عليه السلام الذي أخذ دور أمه فاطمة التي رمزها روح الكائنات النباتية (الروح الأنثوية) ، لهذا كان تعاليم مذاهب السنة أشبه بدور الام التي تحافظ على وحدة أفراد العائلة . أما الشيعة فهي الطائفة التي أخذت دور الحسين عليه السلام الذي أخذ دور أبيه علي عليه السلام الذي يمثل روح الأسد والتي دورها الدفاع عن الأمة الاسلامية ، وبما أن الإنسانية تتطور مع الزمن فنوعية الدفاع ونوعية السلاح المستخدم أيضا تتطور معها ، فتحولت من أسلحة تقتل جسد الإنسان إلى علوم تقتل فقط تلك الأفكار الفاسدة الموجودة داخل عقل الإنسان التي تجعله فرد فاسد في المجتمع .
حتى نفهم بشكل أوضح دور طائفة الشيعة ، لابد من الأفضل أن نعود إلى فقرة ذكرناها في المقالة الماضية حيث قلنا بأن رموز مذاهب السنة الأربعة في كف يد الإنسان هي الأصابع الأربع الأمامية (السبابة ، الوسطى ، البنصر ، الخنصر) ، وأن رمز طائفة الشيعة هو أصبع (الإبهام) ، ربما بعض القراء لم يستوعبوا تلك العلاقة بين أصابع كف يد الإنسان مع المذاهب الاسلامية ، فللأسف علماء المسلمين اليوم وبسبب التعصب الديني والمذهبي قد صنعوا دين اسلامي منغلق على نفسه وكأنه لا علاقة له بكل ماحدث من قبله ولا بعده ولا علاقة له ببقية العلوم . ولهذا نجد أن كثير من الرموز الإلهية التي وضعها الله في تاريخ تكوين الأمة الاسلامية لم يحاول أحد من العلماء أن يعلل وجودها ، فجميعهم نظروا إليها وكأنها أرقام أو أسماء أو أشكال قد ظهرت بالصدفة ولا تحمل داخلها أي معنى يفيد في توضيح حقيقة ما يحدث . وسنذكر هنا أمثلة بسيطة لها علاقة بموضوعنا لنشرحها بعد قليل : لماذا عدد مذاهب السنة والجماعة أربعة فقط ؟ لماذا نسبة عدد أتباع الشيعة تمثل فقط خُمس عدد أتباع السنة؟ لماذا (ذو الفقار) سيف علي عليه السلام الذي أهداه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أصبح رمز من رموز علي عليه السلام ؟ لماذا أكبر مذهب في الشيعة هو مذهب الإثنا عشرية ؟ لماذا مذهب الموحدون سمي بمذهب الدروز رغم أن (محمد بن اسماعيل الدرزي) بالنسبة لأتباع هذا المذهب هو زنديق ولهذا قتلوه ؟ لماذا كل مذهب شيعي له إمام مهدي مختلف عن بقية مذاهب الشيعة ؟ لماذا معظم علماء الحضارة الإسلامية في العلوم المادية والفلسفة أصلهم غير عربي من شمال وشرق الأمة الإسلامية ، بينما العرب كان معظمهم علماء دين فقط ؟
هذه الإستفهامات وغيرها الكثير هي عبارة عن حقائق وضعها الله كرموز لتساعدنا في فهم حقيقة ما حدث أثناء تكوين الأمة الاسلامية ، ولكن حتى نستطيع فهم هذه الحقائق يجب أن ننظر إلى الأمة الأسلامية كمرحلة من مراحل تطور الإنسانية لها علاقة مباشرة بجميع المراحل التي قبلها ، فجميع الأحداث المادية والإنسانية التي حصلت في الكون منذ ولادته وحتى اليوم هي أحداث لرواية واحدة كتبها الله عز وجل ، وليست أجزاء منفصلة مبعثرة بشكل عشوائي ، وجميعها كان لها هدف واحد وهو تكوين الإنسانية روحيا وجسديا . فكل خلية موجودة في جسم الإنسان فإن وجودها ليس صدفة ولكن تم وضعها ضمن مخطط إلهي مهد لتكوينها منذ ولادة الكون قبل مليارات السنين وليس فقط منذ ظهور الحياة على سطح الأرض . علي عليه السلام يقول (وَتَحْسَبُ أنَّكَ جِرْمٌ صَغِيرٌ وفيك انطَوَى العالمُ الأكبرُ) . لهذا عند دراسة أي شيء أو أي حدث يجب أن نربطه بكل ما حوله وإلا لن نصل إلى مضمونه وسبب وجوده . وهذا ما أحاول أن أفعله في أبحاثي ، فكل شيء أو حدث عندما أتكلم عنه أحاول أن أوضح علاقته مع كل ما يحيط به سواء في الزمان أو في المكان لأصل إلى فهم دوره الحقيقي في تطور التكوين الإنساني منذ ولادة الكون وحتى الآن .
فظهور مذاهب السنة الأربعة وطائفة الشيعة أثناء تكوين الأمة الإسلامية لم يكن سببه إجتهاد عقلي كما يظن العلماء المسلمين فهناك العديد من الأئمة كان من الممكن أن يتكون من فتاويهم واجتهاداتهم مذاهب أخرى ولكن مسلمي السنة اختاروا فقط أربعة من أولئك الأئمة ، فهذه المذاهب الأربعة لم تظهر صدفة ولكن هي تعبير روحي من التكوين الروحي للإنسانية وليس من اجتهاد عقلي ، ولهذا تقبل المسلمون هذه المذاهب ورفضوا الأخرى . ففكرة وجود علاقة بين المذاهب الإسلامية مع كف يد الإنسان التي تكلمت عنها في المقالة الماضية لم تأتي من خيال خرافي ولكن من دراسة شاملة لتطور التكوين الإنساني ، فكف يد الإنسان وعدد أصابعه الخمسة وطريقة شكل توضعها في الكف ليس صدفة ولكنها تعبير روحي لتلك الروح التي تكمن داخل جسم الإنسان . فمن دراسة رموز كف الإنسان نستطيع فهم أشياء كثيرة من حولنا تساعدنا على فهم التكوين الروحي للكون وتطوره ، فعقيدة قراءة الكف التي ظهرت قبل خمسة آلاف عام ولا يزال حتى الآن يؤمن البعض بها ، هي في الحقيقة عقيدة فلسفية تساعد في فهم التكوين الروحي للإنسانية ، وليست وسيلة للتنبؤ بمستقبل كل شخص كما يستخدمها الدجالون .
حتى نفهم علاقة طائفة الشيعة مع إصبع الإبهام ، لا بد لنا أن نعود إلى سفر القضاة الذي تحدثنا عنه في شرح القانون الإلهي (الإثنا عشرية) . في الإصحاح الأول من هذا السفر نجده يتحدث عن حاكم كافر يدعى أدوني بازق ، اسم أدوني يعني (سيد ، مالك) واسم بازق يعني (مبرق) أي الذي يُبهر العين فيخدع الإنسان ويعجب به . فاسم أدوني بازق هو رمز الشيطان الذي أغوى حواء وآدم وأخرجهما من الجنة إلى الثقب الأسود البدائي ، فكان دور الشيطان بقوة الجذب الهائلة التي يملكها أن يحطم روح آدم وحواء ليفنيها لولا أن الله تاب على آدم وتلقى منه كلمات (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ٣٧ البقرة) . وكما يذكر سفر القضاة في الأصحاح الأول ، أن أدوني أذل سبعين ملكًا (رمز روح آدم وحواء) بقطع أباهِم أيديهم وأرجلهم (أباهم : جمع ابهام ) فالإبهام هنا هو رمز الجسد (المادة) الذي تستخدمه الروح كأداة لتعبر عن نفسها وتقوم بوظائفها ، فعملية قطع الإبهام التي قام بها أدوني بازق (رمز الشيطان) لها معنى أن روح آدم وحواء في الثقب الأسود كانت مجرد روح بلا جسد ، فإنتصار المؤمنين اليهود على أدوني بازق يعني ظهور إصبع الإبهام ثانية أي ظهور المادة ، فالإبهام هو رمز تلك القوة التي فجرت الثقب الأسود بسبب ظهور المادة التي تمتلك حجم .وكما ذكرنا في مقالات ماضية أن هذه القوة هي رمز روح الأسد ، لهذا نجد أن عثنيئيل أول قاضي من القضاة الإثنا عشر يتزوج إمراة اسمها (عكسة) وهي بنت شخص أسمه (كالب) وهو رمز روح الكلب التي كانت قد ظهرت من روح الشيطان لتساعده في عمله (هذا الموضوع شرحناه بشكل مفصل في الجزء ١٥) .
ونجد أيضا في سفر يشوع (١٠ : ١ -٢٧) أن مع أدوني بازق كان هناك أربعة ملوك تحالفوا معه ولكن يشوع استطاع قتلهم . فهؤلاء الملوك الأربعة هم أصابع اليد الأمامية وهم رمز بقية الاجزاء من روح الشيطان التي حلت في روح حواء وأدت إلى تشويه تكوينها الروحي ، ولكنها استطاعت بعد ذلك تطهير نفسها فأصبح رمزها الأصابع الأمامية الأربعة في كف يد الإنسان .
فعدد الأصابع كرمز روحي هو ستة وليس خمسة ، لهذا نجد أن مفصليات الأرجل (العقرب مثلا) في مقدمة الرجل الأولى الأمامية يحوي على ملقط يتألف من قسمين . فكل قسم هو في الحقيقة رجل ، وهذا يعني أن العقرب يحوي على (٦) أرجل وليس (٥) . والذي حصل أن الأصبع السادس في العقرب الذي يمثل الحاسة السادسة قد تحول إلى حاسة مادية وأصبح جزء ثاني من الأصبع الخامس ليكون بمثابة أداة قتل ، ولهذا خسر مقدراته الروحية .
العقرب كحيوان يعتبر أحد رموز روح السوء وهو رمز بدائي لروح الكلب ، لذلك الحكمة الإلهية أعطته أسماء تعبر عن رمزه الروحي في اللغة اليونانية واللغة العربية ، في اللغة اليونانية يدعى سكوربيوس ، كلمة (سكوربيوس) في اليونانية مصدرها فعل ( سكوربيزو ) ومعناها يشتت، يبعثر. وكلمة (عقرب) في اللغة العربية تُسمع وكأن مصدرها ( عاق - رب ) أي عاق الرب ، اي منعه من القيام بعمله. وكلا اﻹسمان لهما نفس المعنى ،فروح الخير العالمية هدفها تصحيح الأشياء وتوحيدها بهدف الوصول إلى الكمال ، أما روح السوء العالمية فهدفها هو أن تعيق المخطط الإلهي عن طريق تشتيت وبعثرة اﻷشياء لتمنعها من اﻹتحاد. الملقط الموجود في الرجل الأولى في العقرب يعتبر أول أداة قتل ميكانيكية ظهرت في الكائنات الحية على سطح اﻷرض ، ولكن بعد ذلك تطور هذا الملقط ليأخذ شكل الظفر في أصابع الثديات (الصورة).
الرجل السادسة في العقرب والتي كان أداة قتل إنتقلت إلى فم الكلب ، أما في الأسد فنجدها لا تزال في أظافره وتحولت إلى مخالب ، فغريزة القتل في الكلب هي في كائنه العلوي (الرأس) ، ولهذا يعتبر الكلب رمز روح السوء، أما في الأسد فظلت في أظافره أي في كائنه السفلي ، كدليل على أن الأسد لا يقتل إلا إذا كان جائعا ، فالأسد يقتل دفاعا عن نفسه من الموت جوعا وليس بسبب رغبة روحية سببها غريزة القتل ، ولهذا نجد أن طبيعة موضع أظافر الأسد في أصابعه مختلفة عن بقية الثديات ، فالأظفار في أصبع الأسد وجميع أفراد الطائفة القططية لها اظافر متحركة فعندما تسير ترفعها إلى الأعلى لكي لا تحتك بالأرض فتخسر رؤوسها الحادة ، ولكن عندما تهاجم فريستها يعود الظفر إلى مكانه ليأخذ قوته .
أما الكلب فهو يقتل بهدف تحقيق رغبات غريزة القتل الموجود في تكوينه الروحي ، فالذئب الذي هو من عائلة الكلاب ، نجد أنه عندما يدخل قطيع من الذئاب في حظيرة ماشية نجدها تقتل أكبر عدد ممكن من الخراف ، رغم أن خروف واحد يكفي لإشباع جميع افراد القطيع . ويمكن ملاحظة الفرق بين الأسد والكلب في طريقة القتل بسهولة ، فعندما نقترب من كلب يهجم علينا بفمه ليعضنا بأسنانه أي أنه يستخدم كائنه العلوي ، ولكن عندما نقترب من قطة نجدها ترفع يدها لتدافع عن نفسها بمخالبها وليس بأسنانها أي انها تستخدم كائنها السفلي . ولهذا كانت القطة والأسد من الحيوانات المقدسة عند معظم الشعوب في الحضارات القديمة .
الحكمة الإلهية وضعت رمز سلاح الأسد في الأصحاح الاول من سفر القضاة في الأية (٩) حيث تذكر أن بني يهوذا ضربوا الكفار (بحد السيف) ، هذه العبارة في النسخة اليهودية مكتوبة بهذا الشكل (ضربوهم بفم السيف) والفم كما نعلم له شفتين أي أن السيف الذي استخدمه بني يهوذا كرمز كان مفقر ذو رأسين مشابه لملقط العقرب أو بشكل أصح مشابه لأصبع الأسد ، لهذا كان سيف علي عليه السلام الذي أهداه النبي له يحمل صفة (ذو الفقار) أي له رأسين وليس رأس واحد ، فسيف علي عليه السلام هو رمز يعبر عن نوعية تلك القوة الروحية التي يحملها علي عليه السلام والتي رمزها روح الأسد ولهذا كان ألد أعداء علي عليه السلام هو معاوية بن ابي سفيان الذي مصدر أسمه كلمة (كلب) كونه كان يرمز لروح الكلب .
هذه الرموز الموجودة في بداية سفر القضاة تشرح لنا بداية التكوين الإنساني التي بعد مليارات السنين ستعطي جسد الإنسان الذي شكله يعبر عن تكوينه الروحي . وهذا التكوين الروحي أيضا عبرت عنه الأمة الإسلامية أثناء تكوينها ، فأخذت مذاهب السنة الأربعة رموز الروح الانثوية أي الروح النباتية (الأصابع الأربعة الأمامية)، بينما أخذت طائفة الشيعة دور روح الأسد لتعبر عن رمز علي عليه السلام ، ولهذا نجد اليوم أن نسبة عدد أتباع الشيعة إلى نسبة عدد أتباع طائفة الشيعة في الأمة الاسلامية يعادل خُمسها تقرييا (٨٠% سنة ، ٢٠% شيعة) وهي نفس النسبة العددية بين الأبهام والأصابع الأمامية الأربعة . فهذه النسبة بين السنة والشيعة ليست صدفة ولكن هي من ضمن المخطط إلهي . لهذا ذكرت في مقالة ماضية أن كون طائفة السنة أكبر بكثير من طائفة الشيعة لا يعني أن هي الصحيحة فقط وأن الشيعة على خطأ ، فالسبب الحقيقي مختلف تماما . فطائفة الشيعة رغم أن نسبتها قليلة ولكنها لعبت دور هام في تكوين الحضارة الاسلامية ولولا وجودها لما استطاعت الأمة الإسلامية تكوين حضارة ، فكما هو معروف أن اليد التي لا تحوي على إصبع الإبهام تخسر الكثير من قدرتها في عملها . وهنا يجب أن نفرق بين علماء الشيعة الذين قاموا بدور علي والحسين عليهما السلام أي بدور روح الأسد ، وبين علماء الشيعة الذين ظنوا أنهم من شيعة علي ولكنهم في الحقيقة كانوا يقومون بدور معاوية رمز روح الكلب . فالمشكلة اليوم أن السنة ينظرون فقط إلى علماء الشيعة اتباع روح الكلب وكأنهم هم أصل الشيعة .و الشيء نفسه يحصل من الشيعة فينظرون إلى علماء السنة أتباع روح الكلب وكأنهم هم أصل المذاهب السنية ، هذا العمى في البصيرة عند مسلمي اليوم في جميع الطوائف هو سبب كل ما يحدث من دمار وحروب أهلية في البلدان الإسلامية .
حتى نفهم دور الشيعة في تكوين الحضارة الإسلامية يجب أن نعرض بعض الرموز التي تركها الله لنا في معتقدات الشيعة . فإذا تمعنا فيما حدث في تطور طائفة الشيعة نجد أنها تألفت من فرق عديدة وكل فرقة لها بعض معتقداتها الخاصة بها ، وسنذكر هنا بعض أهم هذه الفرق لنأخذ صورة واضحة عنها :
١- الكيسانية (منقرضة) : هذه الفرقة تعتقد انّ محمد بن علي عليهما السلام (الجيل الثاني) من زوجته خولة بنت جعفر الحنفية ، هو المهدي وأنه لم يمت وأنه يقيم في جبل رضوى من جبال تهامة ، وأنه سيعود بعد الغيبة .
٢- المحمدية (منقرضة) : طائفة شيعية تنسب نفسها إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب المشهور بأسم محمد النفس الزكية ( الجيل الرابع)، ويعتقدون أنه الإمام والمهدي المنتظر ، وأن محمداً ذا النفس الزكية لا يزال حياً في جبل حاجر بنجد، وأنه سيظهر ويملأ الأرض عدلاً .
٣ - الناوسية (منقرضة) : يعتقدون أن جعفر الصادق (الجيل السادس) حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره وهو المهدي المنتظر .
٤ - الواقفية (منقرضة) : وهي إحدى الفرق الذين وقفوا على الإمام موسى الكاظم (الجيل السابع)، فلم يقولوا بإمامة من بعده، حيث زعموا أن موسى الكاظم لم يمت وأنه حي وأنه هو المهدي الذي ينتظرون خروجه حيث أنه دخل في غيبة .
٥ - الإسماعيلية : يشترك الإسماعيلية مع الاثناعشرية في مفهوم الإمامة، إلا أن الانشقاق وقع بينهم وبين باقي الشيعة بعد موت الإمام السادس جعفر الصادق، إذ رأى فريق من جمهور الشيعة أن الإمامة في ابنه الأكبر الذي أوصى له إسماعيل المبارك (الجيل السابع) ، وأنه هو المهدي المنتظر.
٦ - القرامطة (منقرضة) : هم فئة من الإسماعيلية بايعت محمد بن إسماعيل ( الجيل الثامن) إماما لهم ، وكانت تعتقد بأنه لم يمت وأنه هو المهدي المنتظر وعند عودته سوف تملأ الأرض عدلا.
٧ - النفيسية (منقرضة) : فرقة كانت تعتقد بأن الإمام جعفر بن علي الهادي أخو محمد علي الهادي ( الجيل الحادي عشر) هو الإمام وليس الحسن العسكري ، وأنه المهدي المنتظر .
٨ -الجنينية (منقرضة) : هي فرقة شيعية يُدَّعى أنها كانت موجودة وأنها كانت تعتقد بأن الإمام الحسن العسكري كانت له جارية قد حملت منه بجنين ذكر (الجيل الثاني عشر)، وأنه ما يزال جنينًا في بطن أمه حتى الساعة، وأنه سيظل جنينًا إلى قرب وقت الظهور في نهاية الزمان، حيث سيولد حينها فيكون الإمام محمد المهدي .
٩ - الإثنا عشرية : وهي أكبر المذاهب الشيعية ، يعتقدون بأن الإمام محمد ابن الحسن العسكري (الجيل الثاني عشر) هو المهدي المنتظر الذي غاب عن الأنظار وأنه سيعود ليملأ الأرض عدلاً.
١٠ - العلوية : وهي مذهب يشابه مذهب الإثنا عشرية ولكن حدثت فيه بعض الإختلافات .
١١ - الدرزية : يستند هذا المذهب على معتقدات من المذهب الإسماعيلي، ولكن أيضا تعتمد على معتقدات فلسفية يونانية.
١٢ -الزيدية : هم طائفة تنسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (الجيل الرابع) ، هذه الطائفة تختلف في الكثير من معتقدات الشيعة فهي لا تؤمن بالعصمة باستثناء عصمة النبي محمد وترفض مبدأ غيبة المهدي ورجعته وكذلك لا تؤمن بتوارث الإمامة .
١٣- الثلاث عشرية (منقرضة) : هي طائفة شيعية كانت تعتقد أن عدد الأئمة هم ثلاثة عشر ، فهي تضيف زيد بن علي بن الحسين إلى قائمة أئمة الإثنا عشرية .
من يتمعن بنظرة سطحية في هذه الإختلافات في مذاهب الشيعة ، سيظن بأن الأمور فيها عشوائية ، فللأسف كثير من علماء السنة يسخرون من هذه الإختلافات ويستخدمونها ليثبتوا أن الشيعة على خطأ في معتقداتهم ، فعلماء السنة يظنون أن سبب هذه الإختلافات هو إجتهادات عقلية. ولكن الأمر مختلف تماما فهذه الإختلافات ليست من إنتاج عقلي ولكن من إحساسات روحية سببها التكوين الروحي وليس للعقل أي دور فيها . ولكن إذا تمعنا في تلك الإختلافات الموجودة في الفرق الشيعية بنظرة شاملة تبحث عن مضمون هذه الإختلافات سنجد أنه يوجد ثلاث نقاط هامة وهي : عصمة الأئمة ، إختلاف الأئمة ، المهدي المنتظر . وسنحاول شرحها بشيء من التفصيل :
١ - عصمة الأئمة : للأسف علماء السنة وكذلك علماء الشيعة أيضا ، نظروا إلى هذا الموضوع نظرة مادية ففهموا معنى العصمة بمعناه الحرفي وليس مضمونه ، فمفهوم العصمة لم يظهر في طائفة الشيعة كنتيجة من اجتهاد عقلي ، ولكن ظهر كإحساس روحي وظل في معتقدات الشيعة حتى الآن ليبقى كرمز يدفع العلماء سنة وشيعة إلى دراسته ليساعدهم على فهم علاقة معتقدات الإنسان مع التكوين الإنساني الروحي ، فالعصمة كعقيدة التي ظهرت عند الشيعة هي رمز ومفهومها يختلف نهائيا عن مفهوم العصمة التي يتحدث عنها الشيعة والسنة . فالمقصود من العصمة التي ظهرت في معتقدات الشيعة هي تلك التصرفات التي قام بها المسلمون سنة وشيعة والتي نتجت من إحساسات روحية مصدرها الحقيقي من التكوين الروحي السليم فتحولت إلى شيء رمزي يعبر عن حقيقة إلهية تساعد في فهم التكوين الإنساني ، فالعصمة هنا ليس لها علاقة بسلوك فردي نتج من تفكير عقلي ، ولكن له علاقة بسلوك جماعي ، فكما ذكرنا في مقالات ماضية أن تكوين الأمة الإسلامية يمثل آخر مرحلة من مراحل طفولة الإنسانية . وكما نعلم ان نسبة كبيرة من تصرفات الطفل في هذه المرحلة تعتمد على الفطرة الإلهية التي وضعها الله فيه وليس على تفكير عقلي قام به الطفل . لهذا عندما نحاول تفسير سلوك ومعتقدات الشعوب القديمة يجب أن ننظر إليها كما ننظر إلى سلوك الأطفال ، وأن نعلم أن تصرفاتهم ليست إلا تعبير روحي يساعدنا في فهم التكوين الروحي للإنسانية ويساعدنا أيضا في فهم نوعية تلك التطورات التي تحدث فيه مع مرور الزمن . لهذا فإن أي محاولة في تزوير كتابة التاريخ أو السخرية مما حصل مع شعوب العصور الماضية هو في الحقيقة نوع من العرقلة في فهم التكوين الروحي للإنسانية . فظهور عقيدة عصمة جميع الأئمة الذين جاؤوا من نسل فاطمة وعلي عليهما السلام كونهم في تكوينهم الروحي أقرب الناس إلى التكوين الروحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، هي عقيدة رمزية ، فهولاء الأئمة هم رمز الفطرة الإلهية في أنقى أشكالها والتي وضعها الله في الإنسان منذ ولادته . فكلما كان سلوك الإنسان مشابه لرغبات فطرته التي وضعها الله فيه كلما كانت أفعاله معصومة عن الخطأ . فالأئمة الإثنى عشر هنا هم رمز لجميع الفئات الإثنا عشرية التي تتألف منها كل أمة ، فكل فئة هي سبط ، تماما مثل أسباط يعقوب عليه السلام الإثنا عشر . لهذا نجد في بداية سفر القضاة يذكر ان يهوذا حارب أدوني بازق ، فالمقصود هنا ليس يهوذا ابن يعقوب ولكن سبط يهوذا الذين جاؤوا من نسله بعد مئات السنين من وفاة يهوذا .
هكذا الأمر بالنسبة للأئمة الإثنا عشر فكل إمام هو رمز لفئة معينة ، ومحصلة ما تفعله كل فئة كفعل جماعي هو معصوم عن الخطأ لأنه ناتج من التكوين الروحي للإنسانية . فمثلا إن اختيار المسلمين لاربع مذاهب سنية وطائفة شيعية هو من التكوين الروحي وليس من التكوين العقلي وهذا الاختيار معصوم عن الخطأ .أيضا إن إيمان الفرق الشيعية بالعصمة للأئمة (بالمفهوم الذي شرحناه قبل قليل) هو من التكوين الروحي وهو معصوم عن الخطأ ، وخلافة أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة الرسول ليكون خليفة يدير شؤون الأمة الاسلامية (سياسيا) ، هو أمر معصوم عن الخطأ رغم أن علي عليه السلام كان هو الإمام الديني بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالحضارة الإسلامية ظهرت كنتيجة لإحساسات روحية أصلها من التكوين الروحي للأئمة الإثنا عشر ، وهي معصومة عن الخطأ ، جميع أخطاء الأمة الإسلامية نتجت بسبب خروجها من إحساسات تعارض التكوين الروحي لتلك الفطرة الإلهية التي وضعها الله في التكوين الروحي للإطفال . فظهور مبدأ عصمة الأئمة عند الشيعة هو من الله ولكن تم تفسيره بشكل خاطئ .
٢ - إختلاف الأئمة : كنظرة أولى نجد أن عدد الأئمة يتوقف عند الجيل رقم (١٢) ، والحديث الشريف يذكر ( لَا يَزَالُ الْإِسْلَامُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً ) ، وكما شرحنا قانون الإثنا عشرية في مقالات ماضية ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو بمثابة يعقوب عليه السلام ، والأئمة الإثنى عشر هم بمثابة أبناءه الإثنا عشر ، حيث خرج من كل واحد منهم (روحيا وليس بالولادة) سبط ، فكل واحد من هؤلاء الإثنا عشر يمثل زاوية رؤية خاصة به في دراسة الشيء والحدث ، فكل إمام هو في الحقيقة رمز لنوع واحد من العلوم ، فمفهوم الإمام المقصود منه هنا هو إمام في علم وليس في الدين . لهذا نجد أن جميع الأئمة الذين ظهروا بعد تكوين الأمة الإسلامية والموجودين في قائمة الأئمة الإثنا عشر لم يشاركوا في معارك ، ولكن معركتهم كانت فكرية وسلاحهم كان العلم وليس السيف .
٣ - حقيقة المهدي : من خلال ما ذكرناه قبل قليل ، نجد أن كل فرقة لها المهدي الخاص بها ، هذا الإختلاف ليس تناقض ، ولكنه يعطينا المعنى الحقيقي لشخصية المهدي ، فكل إمام هو جزء من المهدي ، فالمهدي في الحقيقة هو الذي سيستخدم جميع علوم الأئمة كسلاح ليعيد الإيمان بشكله الصحيح إلى نفوس الناس أجمعين وليس فقط المسلمين ، وهذا المهدي هو المسيح عليه السلام نفسه ، الذي رفعه الله إليه وغاب عن الإنسانية وسيعود قبل يوم القيامة ليقضي على روح الكلب . لهذا نجد الأحاديث الشريفة التي تتكلم عن المهدي تذكر معه المسيح لأنهما شخص واحد ، وفي سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي في الإصحاح (٢١) في الآيات (١٠ -٢١) نجد هذه الآيات تتكلم عما سيحدث قبل يوم القيامة وتذكر أن مدينة القدس الروحية تنزل من السماء وهذه المدينة لها إثنا عشر بابا ، هذه المدينة هي علم المهدي. علم المهدي ليس علما واحدا فقط رقمه (١٢) ولكنه علم يحمل داخله جميع علوم الأئمة الـ(١١) من قبله ، المهدي لن يحارب الأعداء بالسيف أو الأسلحة الحربية الحديثة كما يتصوره البعض وكما هو منشور في الإنترنت عن المهدي ، فسلاح المهدي الذي سيحارب به الأعداء هو الحاسة السادسة التي هي رمز إتحاد جميع علوم الأئمة ، حيث ينتج من هذا الاتحاد علم جديد مختلف عن بقية العلوم ، ولا أحد يستطيع أن يتصور طبيعة هذا العلم الذي في الحقيقة هو علم الكتاب المذكور في القرآن والذي لا نعلم عنه شيئا حتى الآن . فكما ذكرنا في بداية المقالة أن روح الكلب حولت رمز الأصبع السادس في الكلب إلى فم يقتل به فريسته ، ولكن المهدي سيحول رمز الأصبع السادس إلى علم يعتمد قوانين ما بعد الفيزياء الكمومية والتي لا نعلم عنها شيئا لأنها تتعلق بقوانين روحية . ( حقيقة المهدي موضوع طويل يحتاج إلى صفحات عديدة لعرض شخصيته ونوعية علمه بشكل مفصل ، سنتكلم عنها في المستقبل إن شاءالله)
ملاحظة هامة يجب ذكرها وهي أن جميع مذاهب الشيعة تؤمن بقواعد الإيمان الثلاثة : الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح. وكذلك تؤمن بأركان الإسلام الخمسة : الشهادتان ، الصلاة ، الصيام ، الزكاة ،حج البيت (من استطاع إليه سبيلا) .
وسوم: العدد 832