وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ
يلوذ الإنسان المؤمن بربه سبحانه إذا سُدَّت في وجهه الأبواب ، وتضاءلت حسب ظنه فائدة انتظار انبلاج ظلمة الشدائد . وإقبال طلعة الفجر الوضيء بنور الأمل . فلا بد للإنسان من العمل على تربية نفسه على تقبل مايراه مزعجا لنفسه منغصا لحياته ، فإن الحياة الدنيا ليست بدار خلود حتى يهلك المرء نفسه حسرة وأ لما . فَتَقَبُّل الشدائد أمر محمود لمَن عرف حقيقة الحياة الدنيا ، وأنها ماكانت إلا رحلة قصيرة ... قصيرة جدا إذا ماقيست بزمن الخلود الأبدي والذي لن يكون إلا في الدار الآخرة . لاأحد يقول للنوازل والمصائب تعالي ... أقبلي ، فهذا غير وارد ، وإنما أن يوطن الإنسان نفسه على الصبر إذا ما ابتلي بمصيبة مهما كانت . عندئذ يجدر به أن يكون صدره رحبا ، وصبره جميلا . ليتفاعل مع بيئة التمحيص بقدرة فائقة ، وبإيمان لايتزعزع ، وثقة بالله لاتتخلى عنها نفسه مهما بلغت شدة الأزمات . وبنجاحه وخروجه من دائرة التمحيص ينال بلا ريب وسام التميز الذي يستحقه أهل الصبر وأولي الرضا بما قدَّر المولى تبارك وتعالى . ومن رحمة الله بخلقه أن الشدائد لاتدوم والعناء لايستمر ، وأن مكاره الحياة غير قابلة للبقاء ، وهكذا يكون الفرج بعد الشدة ، والفلاح بعد المعاناة والمكابدة ، ولأمر الله تبارك وتعالى مكان في قلوب الصابرين المفلحين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) . وهذه المنزلة العالية تستقبل الزاهدين بما في الحياة الدنيا من بهرج زائل ونعيم غير مقيم . ومن وراء هذه الأكمة يبزغ نور الخلاص من الأعباء ، وتشرق شمس النهار ، أي شمس الخلاص الذي لاريب فيه .
لايخفى ما للمسلم من منزلة وثواب إذا صبر واحتسب على مايصيبه في حياته مصائب ، ولا حصر للآيات الكريمة التي تدلل على ذلك ، ولا للأحاديث الشريفة ، حيث يطمئن المؤمن إلى فضل الله وكرمه على كل مَن صبر في دنياه ، بل يتمنى أهل الموقف يومئذ لو أنهم كانوا من البلاء في الدنيا لِما يرون من المثوبة لأولئك الصابرين . وحسبنا قول الله تعالى : ( ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ. أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ. (سورة البقرة ) 156/157/ البقرة .
وسوم: العدد 942