دفقة السعادة المفقودة

وأنا في تأملي الدائم لأحوال الحياة ، تستوقفني لحظات تأمل  ، فأستخرج منها النفائس ، حين أتأمل الفرحة والبشر في عيون البسطاء ، حين أتأمل الرضا  عند أناس لا يملكون من الدنيا إلا فتاتها  ، أجد ذلك عند مروري في الأسواق وأنا أقضي بعض حاجات التسوق ، ألمح راحة بال تنطق  وضحكات مرسلة تبعث من الأعماق ، لا يحبسها شيء ، فأتساءل ما سرّ هذه السعادة ّ التي تغمرهم  ؟  فأقول في نفسي : لا  شك أنها البساطة، هي  السرّ المكنون عند هؤلاء ، فحق لهم أن يحوزوا  السعادة التي لا تشرى بالمال .

ويدفعني تأملي  لأقف مع ذاتي برهة من الزمن  ، أسأل في أي مصنع يشتري هؤلاء البسطاء دفقة السعادة ؟! لا أشك أنها ولدت معهم ،   تدربوا على صناعتها في مختبر بسيط عند باعة السعادة ،  صنعت في عالم نظيف، لا تخالطه شوائب هذا الزمن المتردي ،  الذي تسوغه التكلف والتصنع المذموم.  

ويدفعني تأملي  لأسجل بعض ملامح  هؤلاء ، وأنا أراقب حركتهم وسكنتهم ، تسرقني عيني من فينة وفينة ، أن أسجل في قاموسي الأدبي جماليات إنسانية راقية ، يحرم منها أصحاب المقامات الكاذبة ، لعل أهم صفاتهم ، نفوسهم  الراقية المتعالية عن الصغائر ، كما  تجمّل معاملتهم الذوقيات الراقية ، من ابتسامة صادقة ، ومصافحة لا تكلف فيها ، مع  مشاركة إيجابية لا تسرقها الأضواء الكاشفة ، تراهم  بين القوم  كسائر الناس ، تأسر محبتهم قلوب الجميع  ، فهم ظرفاء  في معشرهم.  

ولأفك  دهشة البعض ،  أن هذه الدفقة ينالها  الغني والفقير ، ينالها الرجل والمرأة على حدّ سواء ، فلا يحرم منها رفيع مقام أو وضيع رتبة ، فالجميع بمقدورهم نيلها والعيش في بحبوحتها ، شريطة أن تتوفر لديهم  شروطها البسيطة ، إن دفقة السعادة التي نريدها  ، هي منحة وهبة ، بل هدية ربانية ، فيها نجد  الاستقرار والسكن والملاذ الروحي الآمن  ، الذي في أجوائه  تصنع الحياة السعيدة ، التي يحرم منها الأسياد  رغم البذخ ، إن هذه الدفعة الإنسانية هي التي تجلب السعادة لعالمنا المسروق  ، المنمق بالمظاهر الكاذبة ، المزين بالمساحيق ، إن دفقة السعادة هي التي  ترسل شارات الأمل للمعذبين في أسوار المادة كما ترسلها  للمعتزلين عن الحياة الحقيقية ، إن دفقة سر  السعادة المفقود التي  تبعث في نفوسنا شارات الأمل ،   لنعيش في أحضان  صفاء الروح .

وسوم: العدد 1069