بأية حال عدت ياعيد
زينب الخالدي
العيد
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ..... بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ ؟!
كان العيد يزورنا محملاً بالهدايا والمفاجآت... يمشي في حينا ناثراً أزهارالفرح والبهجة في كل مكان يحل فيه فيملأ النفوس بالسروروالسعادة التي كانت تقفز من عيون الأطفال وهم يخبئون ملابس العيد تحت وسائدهم وعيونهم تأبى أن تنام من الفرحة التي كانت ترفرف فوق رؤوسهم فلا يغمض لهم جفن بانتظاربزوغ الفجركي ينطلقوا بأحلامهم وأمانيهم في عالم طفولتهم الساحر ....
اليوم يأتي العيد وقدارتدى ثوب الحداد ، قدسرقت من عينيه السعادة ، واغتيلت على شفتيه بهجة الحياة ، وسائد الأطفال اليوم قد صارت ملطخة بالدماء ومليئة بالدموع وبالأشواك ...
العيد اليوم لايحمل للأطفال الحلوى والهدايا والألعاب ، بل القنابل والرصاص والقذائف والموت والدمار والهلاك ، يأتي حاملاً معه دمىً مشوهة الوجوه ، مبقورة البطون ، مقطعة الأوصال مسملة العيون ... يأتيهم حاملاً لهم الخوف والرعب ونعوشاً صغيرة بحجم أحلامهم البريئة ...
الأطفال اليوم لايلبسون الجديد وإنما أكفان بيضاء ... حناؤهم دماء ... غناؤهم بكاء... لياليهم ليلاء يقضونها في العراء...
اليوم لاعيد .. لابهجة .. لاطفولة ... لاحياة ...
أطفال الحجارة
هاهم أطفال الحجارة يخطّون بدمائهم عهد الشهادة ...
و يقسمون : بحجارتنا سوف نرسم حدود الوطن السليب...
سوف نعيد الضحكة إلى وجه القمرالحزين.
لن نتراجع عن حبنا للأرض التي شربت من دمائنا
فاكتست شجراً أخضر... وتزينت بالسنابل ..
فاكتبي ياأمُّ أسماءنا على خد النجوم ..
إنا هاهنا في رحم الأرض مزروعون..
إننا عشاق الأرض.. عشاق المنون ..
وسنظل نهتف في طوابير الصباح:
لن نساوم وإلى آخر نبض في عروقنا سنقاوم ..
فوصية الدم تستغيث بأن نقاوم ...أن نقاوم
بقلم : زينب الخالدي
العنقاء
إنه يسمع صوت أقدامهم تدك الأرض دكا وأصداء عوائهم وفحيح لهاثهم يتردد في الآفاق
هاهي قطعان الذئاب المتعطشة للدماء قد سال لعابها واحمرت عيونها وهي تتحفز للانقضاض
جاؤوا ليشوهواالطبيعة والجمال، ليقتلواالأزهار، ليذبحوا العصافير، ليفقؤواأعين النهار
زأر فيهم بصوته الهادر، ووقف أمامهم مارداً متحدياً بصدره العاري صامداً حراً لايخاف الموت لايخشى الظلام
يموت ليبقى الحق حياً لايموت.. ليكتب بشهادته شهادة ميلاد لبلاده .
اندحرت فلول الظلام مذعورة وانجلت غيمة الحقد ولبست السماء ثوبها الأبيض
تطهرت نفسه من دنس الدنيا فحلق في الآفاق مستبشراً فاستقبلته السماء بالنور الإلهي
وهناك حيث تلقحت حبات الرمل بقطرات دمه الزكية نمت زنبقة...اثنتان ... بل مئات فآلاف الزنابق...
لبست الأرض ثوب عرسها الأحمر القاني وتزينت بالأزهار التي رسمت خريطة الوطن الأبهى والأجمل
ومن تحت الرماد خرجت العنقاء أكثر قوة و إصراراً على الصمود لايقهرها البطش ولاتزلزلها الخطوب لتنثر أزهار الحرية المحملة بالبشائر والوعود ...
المنعطف
أخذت السيارة تزمجر إيذاناً بالانطلاق وهي تلهث بعناء وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة ، أجساد الركاب تعلو وتهبط وتترنح يميناً ويساراً وفق إيقاع حركة السيارة على الطرقات ، وعلى طرفي الشارع بدت الأشجار تتلاحق وتتزاحم وكأنها في سباق أمام ناظريها كما هي صور الماضي البعيد في ذاكرتها.
تداخلت المشاعر في نفسها وهي تسمع فيروز تغني" نسم علينا الهوا من مفرق الوادي " شيء من الحنين يُداخـِلـُها ، ولكنها تبدو وكأنها فقدت الإحساس بالأشياء ، بدت نظراتها زائغة حيرى وهي تستعيد ذكريات الأمس، البيوت تبدو حزينة ، كل شيء على حاله وكأنها لم تغب إلا يوماً أو بعض يوم.
فجأة يبدأ قلبها بالخفقان ، فهاهي مدرستها التي قضت فيها أجمل أيام حياتها، والمستوصف، والمسجد الذي كان صوت مؤذنه يعيد إليها الطمأنينة المسروقة من نفسها ، وهاهي البقـَّالة التي تعودت أن تشتري منها الحلوى في طريق عودتها من المدرسة
وهاهوالمنعطف القاتل المؤدي إلى بيتهاوالذي يبدو كأفعى تتربص بفريستها يظهر أمامها... هذا المنعطف الذي غّيركل حياتها ، واغتال فرحتها حينما خرجت مودعة بلدها وأهلها وأجمل أيام عمرها والدموع قد تحجرت في عينيها... وهاهي تعود إليه بعد عشرة أعـوام لتودع أخاها الوحيد وتشيعه إلى مثواه الأخير.