خاطرة
خاطرة
زينب الخالدي (*)
قفا نبك من ذكرى حبيبي ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
قبل قرون خلت وقف امرؤ القيس يبكي على الأطلال.. وفي العصر الحديث وقفت فدوى طوقان على أطلال الوطن تبكي فجيعته:
على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدار بين الردم والشوك
وقفت وقلت للعينين:
قفا نبك
كلاهما يبكي حبيباً فقد.. كلاهما يذرف دمعاً تذوب فيه حشاشات النفس وآهات الروح.. هو يبكي حبيباً ارتحل عنه إلى موطن آخر وترك وراءه أطلالاً سودها غبار الزمن فكانت رمزاً لموطن يسكن ويرحل عنه طواعية.. وهي تبكي حبيباً من نوع آخر رحل عنه رحيلاً اضطرارياً؛ فخلف وراءه الدور التي تهدم بعضها وبقي بعضها الآخر شاهداً يروي حكاية الظلم والقهر، تقف فدوى على الأطلال تبكي ونقف معها نشاركها البكاء، وتتذكر أنه لا وقت للبكاء، وتقسم ونقسم معها بأنا لن نقهر مرة ثانية، ولن يكون للبكاء في مآقينا مرور أو توقف.
على أبواب يافا ماتت الكلمات واخضرت الحجارة.. وقفنا على أطلالها نلملم ما تبعثر من خطا أعمارنا، من شقائنا من حزننا الشديد، من لزوجة دمائنا على جدران بيتنا العتيق، كتبنا الرسائل بأنا إلى ديارنا إلى ذكرياتنا عائدون، حتماً للأرض سنعود وسنعيد الحياة إلى الهضاب والجبال إلى الوديان والرمال إلى الزنابق والورود من جديد.. سنعود إلى حينا إلى طفولتنا إلى شخباطتنا وذكرياتنا وتمرغنا في التراب الندي الذي اكتنز ذكرياتنا واختزن قصصنا وحكاياتنا.. سنعود إلى كرومنا وبياراتنا إلى عيدنا وعيديتنا.. إلى غفوة السنديانة على كتف الوادي تروي حكاية السنين حكاية الأميرة الأسيرة خلف الأسوار تنتظر قدوم فارسها، وتحلم بالغد الآتي ترجو لقاء أحبتها الذين غابوا وطالت غيبتهم.. فهل يتحقق لها هذا الحلم؟
(*) كاتبة وشاعرة أردنية.