اليوم هو اليوم العالمي لحقوق قلبي العاطفية
فراس حج محمد /فلسطين
شهرزاد الأماني الضائعة والفكرة الفلسفية المجردة، سلام من القلب إلى القلب يا ساكنة الروح والوجدان، أما بعد:
لم أنس ذلك اليوم الذي تعرفين تاريخه وتحفظينه أكثر مني، لقد كان يوما مميزا، ففيه تم الإعلان عن إقرار جبهة القلب المشتعلة وجدا أنه يوم الإعلان العالمي لحقوق قلبي العاطفية، ذلك القلب الذي انتظرك طويلا، فلست أكتب الآن لأذكرك به، فأنت بالطبع لم تنسي ذلك اليوم، كان يوما من أيام الفرح القليلة في حياتي، يوم أزاح كل ذكرى ليوم كان أشد إيلاما من كل ما سبق، يوم بلسم الجراح الناغرة، يوم تعالجين فيه كل جرح وتضمدين مسيل الذكريات التي ما فتئت تصيح مجنونة تصارع شبح الألم الرابض والجاثم على صدري.
أكتب لك الآن وأنا أغالب قهري ويأسي، تخيلي كم هو قاتل أن لا نحصل حتى على سراب الذكرى، أتذكر ذلك اليوم ليكون على غير ما يتوقع قلب أو نفس أو ذاكرة، فماذا باستطاعة روح ترفرف مقتولة سوى أن تنتظر لحظة إعلان وفاتها أو تحنيطها في سفر الأموات والراحلين إلى غير رجعة.
كم كنت أتمنى يا شهرزاد لو كنت معي الآن وأنا أستمع لأغنية كلثومية، أتدرين ماذا كانت تشدو، كأنها تغني لنا وحدنا، كانت تصدح بكل إتقان: "الحب كده، وصال ودلال ورضا، وخصام، أَهُ من ده وده الحب كده"، كم كنت أخاف من هذه الأغنية، أتذكر يوم كنت سابحا معك في أحلى لحظات الوصال والحب، كنت لا أرى لهذا الشدو الحزين أي معنى، لم أكن أتخيل أن يأتي الليل وتتلبد الغيوم، ويموت النور وتنتحر الزهور، لتخلفي وراءك حزنا بحجم سماء الله التي تظللني وتظللك.
لعلني في هذا الليل المدلهم أبكي على ما قدّمت وأضعتُ من طقوس الحب يا شهرزاد، كيف لم أحافظ عليك كما ينبغي، لماذا قتلتُ لحظاتك المسروقة حتى لو كانت من بين ركام الإهمال؟ إنها أهون من أن أعلن الوفاة، وأنشر خبر موت قلبي في الصفحات الإلكترونية وعلى جدار السفر، متوهما نسيانك، وها أنا أقرّ وأعترف أنني كنت غبيا في ذلك الإعلان.
هل يجدي الآن أن أنتظر منك أن تسامحيني، وأنا البادئ، والبادئ أظلم، أعلم أنني كما قلت: "مشكلتك"، أعرف أنها مشكلتي، وأدرك جيدا أنك حلّ تلك المشكلة، وأعلم يقينا أنك الداء والدواء، فهل ستغفرين ضعفي وتكونين لي وحدي دوائي من كل داء؟
أعترف يا شهرزاد أنني لم أستطع أن أتحمل أكثر، فلقد كنت قاسية أكثر مما ينبغي، بعد أن كنت معي كما ينبغي، كنت عاشقة ومحبة، وكنت نبع حنان ورأفة، ما الذي غيّرك؟ ما الذي أبعد دمك عن أن يجري ويسري في عروقي؟ لا تقولي إنني أنا السبب، فلستُ أبغي بعدك والخلاص من شقائي، فأنت لو شئت لكنت نعيمي، كما أنت الآن شقائي المرّ، فارحميني أيتها المسكونة بالحب، أم أن قلبك قد غيّر عاداته، وجاءت اللحظة التي كنت تنتظرينها لأميت نفسي بعيدا عن رحابك وفضائك.
أرجوك، فأنا ما زلت كما أنا فلا تتركي قلبي يشقى أكثر، ولا تقتليني مرتين، يكفي أنك هناك بعدا وهجرا وصدا، ناداك قلبي، واستعطفتك روحي، فلا تكوني العاصفة التي تدمر كل أغنية ووردة ولحظة رتبتها لتكوني معي.
الليل والنهار وقلبي وأغنياتي وفرحتي والأمل في انتظارك، فلا تمري عن كل ذلك وكأنك لم تَرَيْ صدأ الجروح وقيحها، أو كأنك لم تسمعي الأنة تلو الأنة تنطق بحروف اسمك كل غادية من نهار وغسق من ليل، فالنجوم ما زالت بانتظارنا يا غاليتي ويا سيدة كلماتي وسيدة البوح والروح، فأنت ما زلت سر الحرف، فلا تجعلي ربيعك المنحوت في ذاكرتي خريفا وبردا قارسا، عودي إليّ فالشعر ينتظرك، ليعيد كتابة أجمل أحرف من ضياء اسمك المعنون بأغنية الطيف والمجبول بأعذب نسمة من سنا الفجر المتفتح على ضفاف عينيك المسبلتين، فابتسمي ليزهر الربيع من جديد.