خواطر في عيد البصائر
أ.د مولود عويمر*
في مثل هذا اليوم (27) من شهر ديسمبر عام 1935 ولدت جريدة البصائر ولادة عسيرة، وهي الرابعة في أسرة صحافة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولدت بعد موت أخواتها الثلاث: الشريعة والسنة والصراط التي اغتالهن مجرم طائش اسمه الاستعمار.
وقد حزنت الأم جمعية العلماء وإخوانهن من المصلحين حزنا شديدا على هذه الجريمة الشنعاء، وحزنت معهم كل العائلة الإصلاحية في الجزائر والعالم العربي.
وقررت الأم أن لا تلد بعد ذلك حتى لا يأكل الغول بناتها. لكن بعد مرور قرابة عامين شعرت الأسرة الإصلاحية بالفراغ والوحشة، فقررت الأم أن تلد من جديد حتى لا يقال عنها أنها عاقرة، ولتجعل بناتها قربانا للحرية وتحرير النفوس والقلوب والعقول، وتشهد العالم على ظلم الاستعمار وجبروته، وتهز بها خمود النائمين وتقلع بها جذور الخائنين.
ورفع التاريخ صوته فقال: أنا من الشاهدين. وقالت الحياة: لك الخلود يا البصائر لا تموتين ما دمت قائمة، فقولي ما شئت، وعش ما شئت، ولن يمسك أبدا العدو بسوء، و لن أخذلك أبدا، ولن تموت إلا إذا خذلك أبناؤك وأحفادك.
وصدقت الأيام، ومرت الأعوام وراية البصائر ترفرف في سماء التجديد والإصلاح نجما ثاقبا يقتدي بنوره الناس في ظلمات البر والبحر.
وعاشت صامدة تقارع الظالمين وتفضح الخائنين، وعاشت محبوبة يتغنى بها الشعراء ويمجدها الأدباء، ويتنافس على مطالعتها القراء.
وها هي البصائر ما زالت واقفة شامخة رغم ظلم أعدائها وخصومها الشديد، ورغم عمرها المديد، فقدت فيه إخوتها ابن باديس والإبراهيمي والعقبي والميلي...الخ.
وفقدت خلاله أبناها الورتلاني وبوكوشة وشيبان وحماني...، لكنها اليوم، توقد شمعتها السابعة والسبعين بين أحفادها المخلصين مطمئنة، لتواصل معهم بعزيمة وثبات وتجديد مسيرة الإصلاح والتنوير.
*أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 2