شفق أحمر
شفق أحمر
إبراهيم جوهر - القدس
شفق أحمر حضر على شرفتي وفي غرفتي.
بدأ نهاري في لحظات سحره الأخيرة بشفق أحمر ؛ شفق بلون الدم.
باق على موعد بزوغ شمس النهار ساعة ونصف الساعة، لكني بدأت بنشرة أخبار طغى الدم على كلماتها فكان للحروف طعم دموي كريه؛
شفق دموي بدأت به نهاري. انتظرت الشفق الذي بدأت ملامحه تتشكل على شرفتي التي تجرأت فمشيت في أجوائها، فكانت خيوط شفق حمراء تتجمع وتتشكل بسرعة.
الشمس في بداية بروزها كانت حمراء هذا النهار . رأيتها قبلا أرجوانية برتقالية حانية، فلماذا جاءت اليوم حمراء؟!
شفق غزة، وليلها الدموي في الليلة الفائتة نشر لونه على الدنيا...
بتّ ليلتي على أنباء القصف والموت والدمار التي وصلتني من خلال الشاشة.
بقربي كان عمر العبد اللات يصدح، وموسيقى تتعالى، وأصوات غناء نسائية لا أعرف صاحباتها...كان الحفل نشطا، وأصوات المفرقعات تشق حزن الليل...
هل درى أهل الفرح بليل غزة؟
هل علموا نبأ الموت؟
كانوا في حيّنا يمتنعون عن نشر الغسيل على الحبال حين يموت أحد أبناء المكان.
ما الذي طرأ على مشاعرنا؟ لماذا تبلدت؟!
الموت صار روتينا عاديا لا غرابة فيه.
الموت الأحمر في الشفق الأحمر والليل الأسود ؛ معادلة صالحة لإنسان العصر المسيّج بالقلق واللا معنى...
الخميس ؛ عطلة سنوية في موعد إعلان الاستقلال. عطلة رأس السنة الهجرية. يوم (العسل) لموظفي المدارس وطلبتها! ويوم الدم الأحمر ...
تناولت إفطاري بصحبة (الجزيرة) و (وائل الدحدوح) و (شيرين أبو عاقلة) و (إلياس كرام)؛ لقمة ونظرة فغضب...
لقمة مغموسة بالدم والخوف والقهر.
(في الأزمات أميل إلى التهام الطعام؛ ألتهمه بوفرة. لماذا نميل إلى مثل هذا ؟!!)
اليوم عطلة رأس السنة الهجرية التي ترافقت مع عطلة (الاستقلال) ولا أجمل من (المسخّن) وجبة للغداء!
أليست الأجواء ساخنة؟ فلم لا تكون الوجبة (مسخّنة) ، وهذا ما كان.
توجهت من فوري في هذا الصباح لإحضار البصل والدجاج. البصل عنصر أساس في وجبة (المسخن) .
(كان يوم الخميس يوما للعسل! واليوم يصير يوما للبصل؛ بصل بصل...بصل بلون الدم، ولون الدموع)
مساء أتوجه إلى المسرح الوطني (الحكواتي) ؛ اليوم موعد ندوتنا الأسبوعية التي ستناقش كتاب الكاتب (جميل السلحوت) الصادر مؤخرا بعنوان (كنت هناك).
الندوة لا تتوقف في يوم الاستقلال ورأس السنة. الندوة حياة ؛ ليست وظيفة يحسب الموظف موعد يوم العطلة!
تباينت الآراء، وحضرت القدس في الكلام.
دم في غزة،
روح القدس نستحضرها في المسرح الوطني،
بصل في يوم العسل. شفق أحمر في كل مكان.