هل الكتابة وهم آخر يا شهرزاد؟
هل الكتابة وهم آخر يا شهرزاد؟
فراس حج محمد /فلسطين
يا لشقاء النفس ويأسها ويا لبؤس حالها! إن كلمات الرثاء المفجعة الموجعة لن تستطيع أن تحمل ما في النفس من بلاء، كيف للكلمات الواهية أن تحمل المعاني الكبيرة، تضيق عن استيعابها فيبقى المعنى في اللاوعي جارحا، لا يخرج كما يريد صاحبه فيظل تعبا وقلقا، فلم يكن بمقدور الكتابة أن تحمل أوزاره وأدواءه.
سؤال أطرحه على نفسي في اليوم عشرات المرات، ما نفع الكتابة يا شهرزاد؟ ما نفع كل الحروف النابضات التي حملتها أشجاني حتى ذابت حنينا وصارت ترجو أن تبتعد عني لتتخلص من أوهامي؟ ما نفع الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تزجيها الروح حارة كل ليلة ولم تلق الاستجابة المنتظرة؟
يا شهرزاد لقد حولتني الكتابة شخصا مصلوبا في الوهم منتظرا قادما لعله لن يكون حلما مرسوما ذات غفوة شهية في منام كريم تسعدني طيوفك وعطورك الأنثوية فيه. ومع ذلك لا أستطيع أن أتراجع، فالكتابة هي وحدها من أناجي روحك فيها غائبة وحاضرة بعيدة وقريبة واصلة وهاجرة، ففي كل أحوالك كانت الكتابة رفيقتي وعدتي وعتادي وكل ما أملك! فلست على استعداد أن أخسر آخر حصون أوهامي التي تجعلك شبحا يتراءى لي كل ثانية في حروف اللغة الثماني والعشرين، فكلها صارت تشبه حروفك، حروفك هي وحدها سيدة المعاني والمباني والبقية جوقة تعزف ألحان السنا لتقدمها قربانا لكل حرف سكن في مبنى اسمك الشفاف وزنا ومعنى، يا لك من سيدة في الروح غيابا وحضورا!!
تزداد النفس وجعا مع كل حرف تخطه الأنامل المرتعشة عندما تمررين رهيف نسائمك المنسابة من بين أسطرها، تبدين كنجمة متلألئة يغمر نورها نواحي الأوراق المستكينة، تتبلجين وتخطرين في سماءات الجنون كأنك بعض رؤيا، لم أعد أرى شيئا يا شهرزاد جاء النور وفاض عن حد الاحتمال، وتحولت الكتابة إلى ظل باهت، فما نفعها إذن إن كنت أكبر من حروف المعجم ومن معاني الأفكار!!
أعلن هنا أنك الفاتنة والمفتونة في آن، جرعتني حتى الثمالة خمرة الأماني فربت العواطف عن حد اشتعالها وترنمت تهذي بحبك كل ثانية تقول: ما أروع الروح التي تغفو بسلم بين جنبيك الحريريين المهفهفين المسبلين على أبنوسات من مرايا الصفاء اللؤلي الشفيف كأنه قطعة من ماس، يا لوجع النفس أن تكوني هكذا وتفرين من بين أصابعي سرابا ووهما.
فتنت الروح يا سيدة الروح، فهل لي أن أتخذ الكتابة تعويضا نفسيا قاهرا عن تلك الخسارة في بعد يفتت الأمل إلى ذرات من مجامر اللهيب ليشعل الجوى شوقا غير منتهٍ؟! إنها حالة من وهم لا تبرح تعذب النفس بكرة وأصيلا!!
إن الكتابة يا شهرزاد هي مجمرة أخرى من مجامر الوهم، ولكنني لن أتوقف عن خوض غمار الوهم حتى النهاية المحتومة، فإما الحب وإما الموت حبا لا بديل، ولا خيار، ولا تبديل لخيار القلب، وإن أشقته الأحلام، وتخايلت له أوهاما جائعة لبعض ماء من سراب الحقيقة!!