قبل فوات الأوان
د. محمد أحمد الزعبي
الخاطرة الثالثة : ( قصة البلاغ 66 المتعلق بسقوط مدينة القنيطرة في حرب حزيران 1967 )
تنبع أهمية التوقف الطويل والعميق عند هذا الموضوع والذي كنت الشاهد الرئيسي فيه، بحكم وضعي الحزبي ( الأمين العام المساعد لحزب البعث ) والحكومي ( وزير الإعلام ) إبان صدور هذا البيان ،
بسبب كونه يلقي ضوءاً على كثير من الممارسات اللاحقة لحافظ الأسد ، ولا سيما انقلابه العسكري عام 1970 ( الحركة التصحيحية !! ) على قيادة حركة 23 شباط 1966 ، وزج كافة أعضاء هذه القيادة قرابة ربع قرن من الزمن في سجن المزة العسكري دون سؤال أوجواب ، الأمر الذي أدى الى وفاة كل من الدكتور نور الدين الأتاسي ( الأمين العام لحزب البعث ، ورئيس الجمهورية العربية السورية )واللواء صلاح جديد ( الأمين العام المساعد لشؤون القطر السوري ) . إن قصة هذا البلاغ هي كالتالي :
1. كانت البلاغات العسكرية المتعلقة بحرب حزيران عام 1967 تأتي إلى مديرية الإذاعة والتلفزيون التي كان يرأسها المرحوم عبد الله الحوراني من غرفة العمليات العسكرية التي كان يتواجد فيها وزير الدفاع (المرحوم حافظ الأسد ) .
شكا إلي السيد عبد الله الحوراني ، أن البلاغات العسكرية التي تصله من غرفة العمليات تنطوي على أغلاط لغوية وبالتالي فإنه لايمكن إذاعتها دون تصحيح هذه الأخطاء . اتصلت على الفور بوزير الدفاع، واقترحت عليه أن أرسل لهم إلى غرفة العمليات إعلامياً متمكنا من الناحية اللغوية هو السيد أحمد اسكندر الأحمد، يقوم بالتصحيح اللغوي للبلاغات العسكرية قبل أن ترسل إلى الإذاعة والتلفزيون ، فوافق المرحوم حافظ الأسد على ذلك الاقتراح ، و تم وضعه موضع التنفيذ فوراً .
2. استمرت البلاغات العسكرية تتوالى بصورة طبيعية وروتينية من غرفة العمليلات العسكرية إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون إلى أن وصلنا البلاغ رقم 66 موضوع هذه الخاطرة . جاءني السيد عبد الله الحوراني مدير الإذاعة والتلفزيون ليخبرني عن أنه قد وصلهم بلاغ من غرفة العمليات يشير إلى سقوط مدينة القنيطرة ( عاصمة هضبة الجولان ) بيد الجيش الإسرائيلي ، وأن إذاعته ستحدث بلبلة وفوضى وحالة من الإحباط بين موظفي الإذاعة والتلفزيون . أخذت منه البلاغ ( رقم 66 ) ووضعته في مغلف خاص ، وسلمته إلى مدير مكتبي السيد عزيز درويش ، وطلبت منه أن يذهب به إلى مبنى القصر الجمهوري حيث يجتمع كبار قياديي الحزب ، ويسلمهم الرسالة ـ البلاغ . سلمهم عزيزدريش الرسالة ، وبعد أن قرؤوها ، اتصل بي أحد هؤلاء الكبار ليبلغني أن " الرفيق حافظ " قد أبلغهم بسقوط القنيطرة ، وأن علي أن أذيع هذا البلاغ . عاد عزيز درويش بالبلاغ ، وتمت إذاعته .
3. أحدثت إذاعة البلاغ 66 حالة من الفوضى بين موظفي هيئة الإذاعة والتلفزيون ، اضطرتني ان أتدخل معهم شخصيا لكي يهدؤوا ويتابعوا عملهم ، ولا سيما أن المعركة مع إسرائيل ماتزال مستمرة ،
حيث استجابوا لتدخلي وتابعوا عملهم .
4. بعد مرور حوالي نصف ساعة من إذاعة البلاغ ، اتصل بي هاتفيا وزير الدفاع ( حافظ الأسد )
ليبلغني بوجود إشكالية تتعلق بالبلاغ المذكور ، وعندما استوضحته عن هذه الإشكالية قال : يبدو رفيق محمد ان القنيطرة لم تسقط بيد الجيش الإسرائيلي ، فسألته : ولماذا بعثتم إلينا إذن ببلاغ سقوطها ( البلاغ 66 ) فقال : لقد اتصل بي ضابط من الجبهة ( لم يذكر إسمه ولا رتبته )وأبلغني أن القنيطرة قد سقطت وانا صدقته ، وارسلنا إليكم البلاغ على هذا الأساس (!!) ، أردف حافظ موضحاً : واقع الحال رفيق محمد أن المدينة مطوقة من الإسرائيليين ، وهي من الناحية العسكرية بحكم الساقطة ، وكل ماهنالك أنهم لم يدخلوها بعد . قلت له : سوف نقوم هنا بإعداد بلاغ جديد لتسوية هذا الخطأ ، وسأقرأ عليك نص البلاغ حالما ننجزه لأخذ موافقتك عليه وإذاعته كبلاغ عسكري ، فأنعم وبارك .
5. قمت بالاشتراك مع السيد عبد الله الحوراني ، بصياغة البلاغ الذي أخذ بعد موافقة حافظ الأسد عليه الرقم 67 . ولقد كان مضمون هذا البلاغ الترقيعي ، ان قتالاً داميا وشرساً يدور داخل مدينة القنيطرة بين الجيشين السوري والاسرائيلي . وكان هدفنا من هذا البلاغ ، إشعار الناس أنه إذا مادخلت إسرائيل القنيطرة ( كما نص البلاغ 66 )، فقد دخلتها بعد مقاومة الجيش السوري لها ، وإن لم تدخلها ( كما كان واقع الحال عند إذاعة البلاغ 66 ) فإن مقاومة الجيش السوري هي من أخرجها بعد أن دخلتها .
( يعرف الكاتب أنه بصياغته للبلاغ 67 كان يخرج ( بضم الياء )حافظ الأسد من ورطة البلاغ 66،ولكنه ـ أي الكاتب ـ لم يكن يشك في ذلك التاريخ بوطنية هذا الرجل ، بل ولم يكن يخطر على باله يومئذٍ ذلك الدور المشبوه الذي لعبه لاحقا في حياة جمهوريتنا العربية السورية ، والذي ورثه لولده بشار بعد موته عام 2000 م والذي مايزال يلعبه حتى هذه اللحظة ) .
6. قال لي المرحوم اللواء أحمد سويداني ، رئيس الأركان في الجيش السوري إبّان حرب حزيران 1967 والذي كان هو المشرف الميداني على العمليات القتالية في " الجبهة " ( الجولان ) ، أن الضباط الذين كانوا يعملون معه في إدارة العمليات ، قد تركوا واجباتهم العسكرية وعادوا بسياراتهم إلى دمشق بعد سماعهم للبلاغ 66 وبقي هو وحده فترة ( لاأذكر طولها ) في غرفة عمليات الجبهة وحيداً ، ثم قرر العودة إلى دمشق ، حيث كانت الدبابات الآسرائيلية ــ كما أبلغني ــ ماتزال على بعد أربعة كيلومترات من مدينة القنيطرة . ( قال لي هذه المعلومات حين كنت وإياه نتجول بسيارته ليلاً في شوارع دمشق، وقد كان يفتح راديو السيارة خوفا من وجود تسجيل في سيارته ، وكان مايزال رئيساً للأركان العامة ) .
7. إن كل ماذكرناه أعلاه بصدد البلاغ 66 ، وما لم يحن ذكره بعد بخصوص نفس الموضوع ، ولا سيما مايتعلق بملابسات الموقف من قرار مجلس الأمن 242 إنما يلقي الضوء ، بصورة لالبس فيها ، على أكاذيب " الممانعة " ، وبالتالي مايحلو للبعض أن يطلقه على " سورية الأسد !! " في أنها " دولة الممانعة الوحيدة !!" في المنطقة العربية ، فيالها ممانعة ، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب !! .
( لمشاهدة هذه الخاطرة أنظر :
1. الحوار المتمدن 22.08.2011
2. الرأي 23.08.2011
3. الشرق العربي 23.08.2011
4. القدس العربي 23.08.2011 )
ــــ انتهى ــــ