رحلة مدرسية إلى القُرى المهجّرة

مسلسل الحياة

محمد عميرة – القدس

[email protected]

كالعادة تأتي الحافلة في الثامنة صباحا ويصطف الأولاد بإشراف المعلمين والمعلمات فيصعدون للحافلة بفرح وسرور وقد اشتروا ما يحلو لهم من البقالة غير الأكل الذي أعدته لهم أمهاتهم للتزود للرحلة .

كان يوما مشمسا مناسباً للرحلات وخاصة حين تكون الرحلة في منتصف آذار حيث تفـتـّحُ أزهار اللوز  وتـُظلـّـلـُنا السماء الزرقاء وكأنما نسيرُ على بساط ٍ أخضرً باستحياء كونَ الثوب الأخضر جديدا .

بدأ الأولاد بقراءة دعاء السفر بتوجيه المشرف وشرع بإعطائنا لمحة تاريخية عن أرض الأنبياء عروس الشام منذ عام 1917 وحتى يومنا هذا .

وانطلاقا من قرية صورباهر مررنا بأول قرية مهجّرة وهي المالحة ثم بقرية لفتا وهي أكبر القرى المهجرة مساحة وتصل حدود أراضيها إلى شارع صلاح الدين في القدس والتلة الفرنسية وما تزال فيها عائلات من قرية لفتا مثل عائلة دار أبو ليل وأبو طاعة .

وكان اللفتاويون آنذاك من أغنياء الناس نظرا لمساحة أراضيهم الزراعية ، ثم مررنا بقرية كالونيا ثم القسطل ومعناها بالعربية (القلعة) وتقع على قمة الجبل وحولها خندق صخري بعمق 170 سم حفره المجاهدون آنذاك ، وقد كتب على القلعة بالعبرية ( بيت المختار) ،  ويقطن الآن في القسطل  يهود اليمن وغادرناها الساعة العاشرة .

وبعد القسطل  مررنا بقرية صوبا وفيها مدينة ألعاب لم نعرّج عليها وهي أكبر القرى المهجرة من حيث عدد السكان ، وقد أنشأ سكانـُها بعدما هـُجـّروا قريتين قريبتين منها وهما بيت نقوبا وعين رافة ومن قرية صوبا رأينا قرية أبو غوش وهي الوحيدة الباقية حتى اليوم وفيها سكان عرب .

وبالنسبة لتسمية قرية عين رافة بهذا الأسم هو أنه مرّ راهبٌ بفلاح من هذه القرية وطلب منه ماءً فلم يكن مع ذلك الفلاح إلا قدرا يسيرا من الماء فأعطاه للراهب ، فسأله الراهب : هل هذا كل الماء الذي معك ؟ فأجابه : نعم ، فلما رأى الراهب أن الفلاح قد آثره وأعطاه كل الماء الذي لديه قال له : سأدلك على عين ماء مهجورة وقد فعل ، وسميت هذه القرية نسبة لتلك الحادثة باسم الراهب رافا .

ثم توجهنا إلى قرية صَطاف تناولنا طعام  الإفطار على مشارفها ،  وفيها عين ماء ، ومقابلها ناحية الشرق يبدو لنا مستشفى (هداسا عين كارم) وكأنه قصر ٌ أبيض وسط مروج ٍ خضراء َ عرجتها الجبال .

ثم مررنا بعين كارم وهي من القرى المهجرة غير المُدمرة وما زال البناء عربيا لكنّ السكان يهود .

وعين كارم مكان ٌ مقدس ٌ بالنسبة للمسيحيين لأنه أيام هيرودوس حين أمر بقتل الأطفال هربت سيدتنا مريم عليها السلام بابنها عيسى عليه السلام إلى عين كارم وكان طفلا ، وعاش طفولته في هذه القرية قبلما ترحل به إلى الناصرة . .

ويقال بأنه يوجد مغارة اسمها مغارة الجماجم حيث كانت مملوءة بجماجم الأطفال الذين أمر هيردوس بقتلهم .

وفي طريق العودة مررنا بقرية الولجة التي احتلت عام 1948 وعرجنا على جبل به مبنى تذكاري أقامه اليهود تخليدا لذكرى الصداقة بين الشعب الأمريكي والإسرائيلي وهو مبنى شبه هرمي دائري مكون من 53 عمودا بعدد االولايات المتحدة الأمريكية .

وهناك تغدينا ورق دوالي وشربنا العصير وكانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف قبل العصر .

كثيرا ما يذهب الناس للرحلات ودوما تبدو الرحلات قصيرة مهما طالت ثم نعود لبيوتنا ، وكذلك الحياة رحلةٌ قصيرة ثم نعود إلى دارنا الآخرة ... فلنتزوّد لها .