ضبابُ الخريف
محمد عميرة – القدس
أطفأ الرجلُ الضبابيّ سيجارته ُ في حجر ٍ مجوّف ؛ فكانت بقاياها كجثة ٍ ملتوية ... ثمّ تصاعد دخانٌ لولبيّ بلا شكل ثابت يحاول الصعود نحو قطع ٍ من ضباب ٍ ثناثرن َ في سماء ٍ زرقاءَ وكأنما يبحثن في السماء عن كفّ ٍ تشير ... كان على هذا الحال في بداية التسعينات حين هجمت ذات القرون على عاصمة المجد والعز ّ ، وكان الناس حينذ ٍ ينبشون في أوراق التراث الخضراءَ عن خروج رجل من الشّرق حاملا ً لواء استرداد ذلك العز ّ من الغرب ...
ثم ّ تساءل : ألم تنقض كل العلامات الصغرى ، والفتن أحاطت بالناس من كل جانب كإحاطة الجدُر ؛ فقطعت أوصالهم ، كما قطعت أوصال الأرض السليبة ، وجعلت الناس جثثا ً بلا أفئدة .
قام ببط ء ٍ من تحت الزّيتونة التي وارته من شمس مؤتمر خريف ٍ طويل بطول قرن ... قرن ِ تنين ٍ غاصب .
ثمّ سرَحَ في شعوب ٍ منسية كبقايا قصائدنا المعلقة ؛ بل في شعوب ٍ ممزّقة كقطع الضباب المتناثرة في زُرقة ِ السماء المتسعة في خريف أيامنا .
لكن ... ليت شعوبنا كالضباب تتحد ُ وتملأ الأرضَ ماءا ً وبركة وخيرا ً لتحيا وتحيي الأمم .
ثم ّ عاد إلى حيث لا يعلم ليكملَ ما تبقى من زمن الإنتظار ... إنتظار موسم حج ّ آخر .