إنسان وقمر
محمد عميرة – القدس
هذه توطئة لخاطرة قديمة كان فيها القمر بدرا ووقتها في الثاني من أيلول ...
حينما ألتقط صورة لي في استوديو ما وأخرج فإنني بكل خطوة أبتعد فيها عن ذيـّـا ك الأستوديو أبتعدُ عن ماضــيّ ... فقد أصبحت في تلك الصورة ماضيا ثم أستمر في طريقي نحو المستقبل المجهول ماضيا ... أقول ذلك لأنني كتبت في استوديوهات الحياة مرّة خاطرة( إنسان وقمر ) - وكانت من أول كتاباتي المتواضعة - وكان القمر وقتها بدرا واليوم أحببت أن أقدمها لكم بعد تلك السنين ولكن القمر غير موجود الآن ... معتبرا ذلك مني دعوة لطيفة للقمر كي يطل ... وإن شاء الله يكون قمر خير على المسلمين ...
إنسانٌ وقمر
كأن شعاع قمر الليلة الثانية من أيلول يغازلني عندما فتحت ستارة النافذة التي يداعبها نسيم الليل العليل ... فيا ليته غزل ... إنه أغرب من الغزل ... فقد جعلني أرمي باللحاف عني ، وأقوم متحمسا حماسا لا أدري كنهه ؛ لأكتب خاطرة في الليل وقمره وسكونه ... ولكن كثيرا من المعاني في النفس لا تخرج بسهولة ، فيحتار القلم .
أردت النوم ... لكن القمر يقول لي صامتا : لا تنم تأمل فيّ ... فقلت له : انا لستُبناعس ، وإن بدا لك كسلُ جفوني ، وقد تأملتك قبل الليلة كثيرا، فزدتني حيرة على حيرة.
وما وجه الحيرة ؟ سأل القمر الصامت .
قلت : حيرتي فيك أنت ... تبدو لي من بـُـعد قمرا كوجه الملاك ، وأنت جبال ، ووديان ، وتراب ، وانت ساكن ، ومتحرك ، وكامل وناقص ... منير ومعتم تجمع متناقضات كثيرة ، ولكنـّك أنت أنت تدور ... وتبحث في حلقة روتينية فارغة ...
قال القمر : وأنت أيها الإنسان على الكوكب الذي أحوم حوله تجمع متناقضات كثيرة ولكنك تختلف عني في شيء مهم ... قلت : وما هو هذا الإختلاف المهم ؟
فقال : إن الله خلقني مسيـّرا في هذا الكون وفق قانون محكم لا أحيد عنه ... فأنا ليست لي إرادة التـّصّرف في متناقضاتي التي تجمعني في مسيرتي حول كوكبك ... وأمّا أنت - أيها الإنسان الحائر- فإن الله خلقك وخلق كثيرا من الخلق ، ولكنـّه - سبحانه وتعالى - خصـّـك حريّة التـّصّرف ... فأنت مُخيّر، ولك إرادة .
قلت : أنا مخيّر في الأمور التي أسيطر عليها : كفعل الخير والشر مثلا ، ومسيـّـر في الأمور التي لا أسيطر عليها كنبضات قلبي مثلا فلا أستطيع إيقافها ، وكذلك الحاجات العضوية .
قال: بما أنه يوجد أمور أنت مخيّر فيها ، فإن ذلك يحمّـلك مسؤولية الأمانة التي أودعك الله وقبلتها لذلك فإن مصيرك مرتبط بفعلك إلى الجنة أوالنار.
ومن ناحية أخرى - فإنك أيها الإنسان - مادة وروح . وبما أنّ فيك روحا ً فأنت لن تموت أنت فقط تنتقل من جسدك ومادتك إلى خارجك فتعرف أكثر؛ لأن روحك سجينةفيك ... فعندما يحدث الموت يُـفْـرجُ عن روحك من سجن جسدك ، وتدفع الضريبة على شكل سكرات الموت ، فتنطلق الروح ، وتأخذ حريتها ، وتبقى خالدة إلى الأبد : إما في النعيم وإما في الجحيم.
أمّا أنا فإنني مادة تفنى ، وتؤدي وظيفتها مسيّـرة.
قلت : هل لي أن أسألك سؤالا أخيرا ؟ قال : اسأل .
قلت : من تـُرى الأسعد حظا من الآخر في نهاية المطاف أنا ام أنت ؟
قال : أنا ليست عليّ تكاليف ، ولا أمانات ، ولستُ معرّضا للحساب ، وكما قلت لك ، فإنني عندما تنتهي وظيفتي أنتهي معها ، وهذا يضمن لي على الأقل اللاشيء . أما أنت فإما أن تكون سعيدا في الجنة ، أو شقيا في النار مـُـتمنيا أن تكون أنا ، فمن تـَـرى منـّا الأسعد ؟
قلت له : بسبب ضعفي وجهلي لستُ أدري ...
ثمّ إنـّي ودعت القمر ، وأسدلتُ ستار النافذة خلفه ... ثمّ ... أسدلت الستار الآخر على جسدي ... وحاولت ُ أن أنــــام .