الراعي والنّاي
محمد عميرة – القدس
أبعد من حدود قريته بمثلها أوقف الراعي الأسمر قطيعه وجلس تحت ظلّ صفصافة .
ليس أمام ناظريه إلا سهولٌ وجبالٌ وأودية ، ثم لمــّـا بدا له أنه وحيدٌ عزفتْ روحـُه لحنَ فرحٍ سريعٍ ...
أخرج من تحت إبطه نايا ً وعزفتْ نفسـُـهُ عليها لحنين خالدين ...
اللحن الأول كان ينادي الزّمان بأن يتوقف ، فيسمع القطيع ذاك اللحن السّحري فيتوقـّف عن الطعام منصتا خاشعا كما العابدُ في محرابه ...
واللحن الثاني لم يستطع القطيعُ تفسيره ولا حتى الأطيار والأشجار والأزهار ولا الراعي نفسُه ...
لكن ْ لما انتبهت فراشةٌ ملونةٌ كانت على زهرة زرقاء تحت ظلّ تلك الصـّفصافة طارت ووقفت على إحدى ثقوب النـّاي مـُرفرفة ً فازداد اللحن سحرا وجمالا .
هذا اللحن ليس وراء حدود المعقول ... الآن فهمتُ لحني الذي كنتُ أحسبه لا يـُفـَـسـّـر - قال الراعي في نفسه - .
ثم لما صحا من نشوة الخلود السّحري وجد أن قطيعه قد سبقه إلى الحظيرة ، فعاد وحيدا مبتسما طوال الطريق .