قطوف وخواطر 581
قطوف وخواطر:
أرقامها من 581 إلى 600
عبد المنعم مصطفى حليمة
"أبو بصير الطرطوسي"
581- ناسٌ لا تستطيع أن تحبَّهم.
من الناس من لا تستطيع أن تُحبَّه، ولا أن تُقبل عليه؛ فهو إن أحببته وأقبلت عليه أدبر ونأى عنك، وإن أدبرت ونأيت عنه، أقبل عليك .. وهو ـ إن كنت تحبه ـ عذاب لك في الحالتين: في حالة الإقبال والإدبار سواء .. لأن النتيجة إما أن تُدبر أنت أو يُدبِر هو .. وأي حب أتعس من حبٍّ تكون نتائجه في جميع أحواله الإدبار والإعراض .. وهذه الخصلة وإن كانت موجودة في بعض الرجال إلا أنها في النساء أكثر!
ما أسهل أن نتعلم كيف نكره .. وما أصعب أن نتعلم كيف نحب!
* * * * *
582- في جسدي عدة جروح.
في جسدي عدة جروح، بعضها أشد وأوغر من بعض: جرح قديم جديد اسمه فلسطين .. وجرح آخر اسمه العراق .. وجرح آخر اسمه سورية الجريحة .. وجرح آخر في القارة السمراء اسمه الصومال الجريح .. والسودان المستضعَف والمحاصر، والمؤامرات التي تُحاك ضده لتقطيع أوصاله .. وجرح آخر في البلقان والقوقاز اسمه الشيشان والبوسنة والهرسك .. وجرح آخر اسمه أفغانستان وكشمير .. وجرح آخر اسمه طغاة الحكم والكفر والظلم والفساد في بلاد المسلمين .. وجرح آخر اسمه الأسرى من المسلمين والمسلمات المغيبين في غياهب سجون وزنازين الطغاة الآثمين .. ثم بعد ذلك أجد في قلبي حنيناً قديماً وشديداً للأندلس السليبة.
وفي كثير من الأحيان تختلط دماء وآلام الجروح بعضها مع بعض حتى بِتُّ غير قادر على تمييز جرحٍ عن آخر، ودم جرح عن آخر كأنها أصبحت جرحاً واحداً .. ونزيفاً واحداً، ودماً واحداً.
ثم لو أردت أن أنصرف لأعالج جرحاً من تلك الجروح .. صاحت بي بقيّة الجروح لا تسهو عنا .. النزيف لا يزالُ مستمراً .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم إليك أشكو ضَعفي وقِلّة حيلتي، وهواني على الناس .. فإن لم يكن بك علي غضَب فلا أبالي ...
* * * * *
583- لا تَتخلّوا عن التَّكْفِير.
أعني بالتكفير؛ التكفير الشرعي من غير غلوٍّ، ولا جنوح إلى إفراطٍ أو تفريطٍ، فهذا التَّكفير إن صادف أعيانه لا تتخلوا عنه، لما يلي:
أولاً: لأنه حكم الله تعالى، والعباد لا بد لهم من أن يحكموا على الأشياء بحكم الله تعالى.
ثانياً: لأن التّكفير سبب يُعين على التمايز بين المؤمنين والمجرمين، وإحياء عقيدة الولاء والبراء .. فهو بذلك سبب لواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثالثاً: لأن التكفير يُغيظ الطواغيت الآثمين، وأذنابهم وأبواقهم من المنافقين المتزلفين .. وإغاظة هذا الفريق من الناس مطلب من مطالب الشريعة، كما قال تعالى:) لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (الفتح:29.
* * * * *
584- البديل عن الأسرة.
لمّا حاربوا قِيَم الأسرة، والحياة الزوجية الآمنة الدافئة .. كان البديل عند هؤلاء القوم هو صخبُ الشَّوارع، والبارات .. التّسافد ـ كالبهائم ـ في الأزِقّة والأسواق .. غلبة أبناء الحرام على أبناء الحلال .. فلا الأبناء يعرفون آباءهم ولا الآباء يعرفون أبناءهم .. فُشُو الأمراض القاتلة التي لم يكن يعرفها سلفنا من قبل .. فُشو القلَق، والكآبة، والأمراض النفسية .. غياب الاستقرار النفسي، والحب الحقيقي .. وفُشو الغدر والخيانة .. لأن الكل يبحث عن إطفاء الغريزة .. وبأي طريقة كانت .. إذ لا هم لهم إلا ذلك .. فأنّى لهؤلاء أن يعرف الوفاء والإخلاص إلى نفوسهم سبيلاً.
ومع ذلك فريق كبير من بني قومي لا يتعظون .. إذا تراهم يسيرون كالمجانين وبخطا سريعة نحو هذه النتائج المدمرة لجميع مظاهر الحياة الأسرية والاجتماعية، صدق رسولُ الله r إذ يقول:" لتَتَّبعنَّ سننَ من قبلكم شِبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسولَ الله، اليهود والنَّصارى؟ قال: فمَن "؛ أي من يكون غيرهم ....؟!
* * * * *
585- الإملاءُ للكافر.
كثير من الناس يظن أن الغِنى الفاحِش الذي يتمتع به الكافر، والفقر الذي ينزل بساحة المؤمن علامة على سعادة الأول وشقاء الآخر، وعلامةٌ دالة على رضى الله تعالى عن الأول، وسخطه على الآخر!
وهذا خطأ من أوجه:
منها: أن الإملاء بالمال والنّعم على الكافرين وهو مقيمين على كفرهم، يكون للاستدراج، وليزدادوا إثماً على إثم، وظلماً على ظلم، حتى إذا أخذهم الله تعالى يأخذهم أخذة عزيز مقتدر .. لينالوا جزاءهم الأوفى يوم القيامة، كما قال تعالى:) وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (آل عمران:178. وقال تعالى:) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (الإسراء:16. هذا في الدنيا قبل الآخرة، وغير الذي ينتظرهم في الآخرة.
وقال تعالى:) وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً (؛ فيُفتنون في دينهم، فيجتمعون على الكفر، فيحسبون هذا الإملاء والاستدراج للكافرين بالمال والنعم علامة على استحسان ما هم عليه من كفر وضلال ) لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (الزخرف:33. وفي قصة قارون وطغيانه وما آتاه الله من الملك عبرة لمن أراد أن يعتبر.
ومنها: أن الكافر يُعطى على حسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى ربه، فليس له إلا العذاب، كما في الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة، يُعطى عليها في الدنيا ويُثابُ عليها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُعطى بها خيراً ".
ومنها: أن الله تعالى يُعطي المال لمن يحب، ولمن لا يُحِب، أما الإيمان والآخرة فلا يُعطيهما إلا لمن يُحِب، كما في الحديث:" إن الله يُؤتي المالَ من من يُحِب ومن لا يُحِب، ولا يُؤتي الإيمان إلا من أحب، فإذا أحبَّ الله عبداً أعطاه الإيمانَ ". وقال r:" إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيراً، فقهه في الدين، وألهمه رشده ".
ومنها: أن الله تعالى يحمي عبده المؤمن من الدنيا وفتنتها، كما يحمي أحدنا مريضه من الطعام والماء ليشفى، ففي ظاهر الأمر الحرمان، لكن في باطنه الخير والشفاء، والفوز بالنعيم المقيم .. فالله تعالى إذا أحب عبداً غار عليه من أن تفتنه الدنيا، فتشغله عنه وعن عبادته فيحميه منها، كما في الحديث:" إذا أحب اللهُ عبداً حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماءَ ليشفى ". وفي رواية:" إن الله عز وجل يحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام والشراب ".
وقال r:" ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان، يُسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: يا أيها الناس! هلمّوا إلى ربكم؛ فما قلَّ وكفَى، خيرٌ مما كثُرَ وألهى ".
ومنها: إذا أحب الله عبداً ابتلاه، ثم أعانه على الصبر، ومن البلاء النقص في المال والثمرات، كما قال تعالى:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة:155.
وفي الحديث، قال r:" إذا أحب الله قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزعَ فله الجزع ".
* * * * *
586- عندما يكونُ شاهِدُ الزُّورِ شَيخاً!
امرأةٌ ترعى أطفالها أحسنَ رعاية، وأحسنَ ما ترعى أمٌّ أطفالها .. تعطيهم من روحها ونفسها أكثر مما تُعطي نفسها .. يستطيع طليقها المنافق أن يأتي بطائفة من الشيوخ ـ بعضهم لحاهم تصل إلى سرّتهم ـ ليشهدوا معه شهادة زور، أمام المحاكم الوضعية .. بأنها تسيء معاملة الأطفال .. لينتزعوا منها أطفالها بغير حق .. ليس حرصاً منهم على رعاية وسلامة الأطفال .. فهممهم دون ذلك بكثير .. وإنما حرصاً على الفُتَات الذي يأتي باسم الأطفال!
وفي الحديث، قال r:" مَن فرَّق بين والدةٍ وولدها فرَّق اللهُ بينه وبين أحبَّته يومَ القيامَة ".
قلت: يا سبحان الله .. شيوخٌ يأمّون الناسَ في الصلاة .. تعلو جباههم أثر السجود .. يسعون لشهادة الزور من تلقاء أنفسهم .. ومن دون أن يُدعَوا إليها .. ليظلموا امرأة مسكينة في فلذات كبدها!
كيف لو كان لهؤلاء الشيوخ سطوة ودولة .. وكلمة .. لأعدموا ورجموا حينئذٍ أناساً أبرياء لا يعلم عددهم إلا الله باسم المشيخة والدين .. وليس وراء ذلك ـ على الحقيقة ـ إلا الكذب والزور .. والطمع ببعض حظوظ النفس، والدنيا!
أعلمتم الآن: لماذا إلى الساعة لم يمن الله علينا بدولة إسلامية .. تكون الكلمة فيها لأمثال شهداء الزّور هؤلاء؟!
* * * * *
587- الولدُ ابنُ لُغَتِه.
الولدُ ابنُ لغته أكثر مما هو ابن بيته أو أبويه؛ فمن كان يُحسِن العربية فهو عربي، وإن كانت أصوله أعجمية، ومن كان لا يُحسِن العربية فهو غير عربي وإن كانت أصوله عربية .. وينتمي لأبوين
عربيين.
وبلاد الغرب التي تحررت من عِقدة العصبيّة للجِنس والعِرق، والقومية ـ في زمنٍ اختلطت فيه الأعراق والأجناس ـ أدركت هذه الحقيقة، فتراهم يُجنّسون ويُوطِّنونُ من يُحسِن لغتهم، وبخاصة إن كان يجهل لغته الأم، لإدراكهم أن المرء ـ في النهاية ـ هو ابن لغته .. وأن اللغة هي التي ستشكل عقيدته، وأفكاره، وثقافاته، وعاداته، وشخصيته، وتحدد انتماءاته وولاءاته.
وفي الحديث الضعيف:" يا أيها الناس إنَّ الربَّ واحدٌ، والأبُ واحدٌ، وليست العربية بأحدكم من أبٍ ولا أمٍّ، وإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ". والحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه ولفظه قد جريا على لسان السلف الصالح.
قال ابن تيمية:" هذا الحديث ضعيف، لكن معناه ليس ببعيد، بل هو صحيح من بعض الوجوه ".
* * * * *
588- يوم عاشوراء يوم فألٍ.
يوم عاشوراء من شهر محرم يوم فألٍ للمستضعفين المظلومين .. فيه نصر الله موسى u ومن آمن معه من المستضعفين .. على الطاغية فرعون، ومن شايعه من جنوده المستكبرين .. فنجَّى الله موسى ومن آمن معه من الغرَق، وأغرق فرعونَ وجنده .. فشرعَ النبي r لنا صيامَه احتفاء بهذا النصر، وشكراً لله U على نصره لعباده المؤمنين.
وإني لأرجو أن يكون هذا اليوم يوم فألٍ لكل مظلوم مستضعف يخوض معركة مع طاغية ظالمٍ في هذا اليوم .. بأن ينصره الله تعالى .. ويُظهره، ويعليه على من ظلمه.
وقد رُوي أن جاريةً لسعيد بن المسيّب رأت كأن موسى u ظهر بالشام، وبيده عصا، وهو يمشي على الماء، فأخبرت سعيداً برؤياها، قال: إن صدقت رؤياكِ فقد مات عبد الملك بن مروان. فقيل له بمَ علمت ذلك؟ قال: لأن الله تعالى بعث موسى ليقسم الجبارين، وما أجد هنالك إلا عبد الملك بن مروان، فكان كما قال.
589- أحَسَنُ العمَل.
أحسنُ العمل هو الذي يتحقق فيه شرطان: سلامةُ القصد والنيّة، وحُسْنِ المتابعة للسُّنَّة، إذ لا يُغني أحدهما عن الآخر، ولا يُقبَل العمل إلا بهما معاً .. فمن أتى بعمل خاطِئ، لا يتشفَّع له سلامة القصد والنّية، ومن فسدت نيته وطويّته، لا يتشفع له العمل الصائب، وهو المراد من قوله تعالى:) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (الملك:2. أي أيكم يأتي أصوبَ العملِ، وأخلَصَه معاً.
* * * * *
590- أحسَنُ الصدقات.
أحسَنُ الصدقات، من تتوفر فيها هذه الصفات:
أولها: أن تكون من كَسْبٍ حلالٍ.
ثانيها: أن تكون خالِصةً لوجه الله تعالى.
ثالثها: أن تُخْرَجَ سراً عن أعين ومسامِع الناس، بحيث لا تدري شمالُ المُتَصدِّقِ ما تنفق يمينه.
رابعها: أن تَخرُجَ مِن يدِ مَن يخشَى الفقرَ، ويرجو الغِنَى.
خامسها: أن تُلامِسَ كَرباً عند المتصَدَّق عليه، فتكون سبباً في تفريجه عنه.
سادسها: أن لا تَتْبَعُها ـ ولو بعد حين ـ أدنى صورةٍ من صور المنِّ والأذَى.
فهذه أحسَنُ الصدقات .. ودرهم واحد ـ يُتصَدَّق به على هذا النحو ـ يسبق مائة ألف درهمٍ ويزيد.
* * * * *
591- أزهدُ النَّاسِ بالنّعمةِ صاحِبُها!
أزهدُ الناسِ بالنّعمَةِ صاحبُها .. وهو لا يعرف لها قدْرَها إلا عندما يفتقدها .. ثم هو لو فقدها بكاها .. وفي كثير من الأحيان يطلبها فلا يجدها .. عقوبة له على تفريطه .. وعلى كفرانه وجحوده للنعمة .. ولفضل المنعِم عليه .. فيندم ولات حين مندم!
وقد تأملت فرأيت عجَباً: رأيتُ أزهدَ الناس بالحرم المكي أهله ومن يسكن بجواره .. وأن أزهد الناس بنعمة الصحة .. والفراغ .. والمال .. صاحبها .. وأن أزهد الناس بالعِلم مَن يسهل له طلبه .. وتتوفر له أسبابه .. وأنّ أزهد الناسِ بالعالِم هم أهله .. صدق الله العظيم:) قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (عبس:17. وقال تعالى:) وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (سبأ:13.
* * * * *
592- عندما يَستعينُ السَّفِيهُ بالسَّفِيهِ.
السفيه هو الذي لا يُحسِن التصرف فيما يملك .. ولا فيما له عليه سلطاناً .. كما لا يحسن تقدير عواقب الأمور ومآلاتها، ولا حسن الاختيار والتمييز بين ما ينفعه وما يضره .. فيضع الأشياءَ في غير موضعها الصحيح .. ويُفسِد ويُؤذي ـ نفسه ومن حوله ـ من حيث يحسب أنه يُحسن صنعاً .. فإذا استعان على قضاء حوائجه بسفيه مثله .. واجتمع السَّفَهُ مع السَّفَه، اجتمع عليه ـ حينئذٍ ـ الضَّرَرُ والشرُّ كله، وأضاف على الفساد فساداً .. وعلى الخراب خراباً .. وجعل الديار ـ بعد أن كانت عامرة بأهلها ـ بلاقع وبوارا .. وخسر كل شيء .. إلى أن يخسر في النهاية نفسه .. وكان مثله مثل من يستعين على إطفاء ناره بتزكيتها بالوقود، والحطَب .. وأَنَّى لهذا أن تُطفأ ناره!
نعوذ بالله من إمارة ومعاملة ومشورة السفهاء .. وقد صدق من قال: عدو عاقل، خير من صديق سفيه.
* * * * *
593- فرَحُ الكَذِبِ ساعةٌ، وفرَحُ الصِّدقِ إلى قِيامِ السَّاعة.
قد يفرح الكذّاب ببعضِ سَقَطِ المتاعِ الذي يجنيه عن طريق الكذب .. وببعض المنافع المستعجلة والمؤقتة التي ترتد عليه بسبب الكذب .. ولهذا ـ وأمثاله ـ نقول: لا تفرح .. ففرح الكذب ساعة يعقبه ندم إلى قيام الساعة، وحَزَن الصدق ساعة، يعقبه فرَح إلى قيام الساعة .. وما تربحه بالكذب حالاً .. تخسر مئات أضعافه لاحقاً .. وما تخسره بالصّدق حالاً تربح آلاف أضعافه لاحقاً .. فالكذب ما كان ـ ولن يكون ـ يوماً سبب فلاحٍ ولا منجاة لصاحبه .. والصدقُ ما كان ـ ولن يكون ـ يوماً سببَ خسرانٍ ولا هلاك لصاحبه .. وفي الحديث:" عليكم بالصِّدق؛ فإن الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإن البِرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرجلُ يصدق ويَتحرَّى الصدقَ حتى يُكتبَ عند الله صِدِّيقاً. وإياكُم والكذب؛ فإن الكذبَ يهدي إلى الفجورِ، وإن الفجورَ يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذبَ حتى يُكتب عند الله كذَّاباً ".
* * * * *
594- لا تسألوا اللهَ النَّصْرَ!
لا تسألوا اللهَ النَّصرَ .. ولا تستشرفوه .. ولا تتباكوا عليه .. ولا تستعجلوه .. ولكن انظروا أين أنتم من نصركم لله .. أين أنتم من دينِ الله .. فإن تحقق نصركم لله .. جاءكم نصر الله تعالى وإن لم تسألوه .. فلا أحَدَ أصدق من الله قِيلاً ولا وعداً .. والله تعالى قال:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد:7. فنصر الله لنا مشروط بنصرنا لله تعالى .. فإذا انتفى المشروط انتفى الشرط .. والبحث عن الشرط من غير مشروطه عبث وسفَه لا يليقُ بالعقلاء!
ونحوه الحديث:" احفظ الله يحفظك "؛ فإن لم تحفظ الله، فالله لا يحفظك .. ولو سألته بأن يحفظك من دون أن تحفظ حقه عليك .. أسأت الظن والطلب والأدب .. وبالتالي فإن السؤال الأهم والملح، الذي يجب أن نجد له جواباً صادقاً، هو: هل نحن نصرنا الله تعالى حقاً .. هل حفظنا الله تعالى حقاً .. هل حققنا في أنفسنا وواقع حياتنا شروط الاستخلاف والتمكين .. وهل ارتفعنا بأنفسنا إلى مستوى قيم ومهام وأخلاق هذا الدين .. ثم ـ بعد ذلك ـ لو منَّ الله تعالى علينا بالنصر هل نستطيع أن نحافظ على بريقه ومكاسبه من دون أن نسيء إليه، وإلى دين الله ...؟؟!
هذا هو الجانب الأهم في القضية، فإن جاءت الإجابة بالإيجاب .. فاحمدوا الله تعالى، ولا تقلقوا حينئذٍ على النصر، ولا تستبطئوا قدومه .. فهو حينئذٍ أقرب لأحدكم من أنفه .. ولسوف يأتيكم ـ بإذن الله ـ طوعاً وسِراعاً، علمتم بذلك أم لم تعلموا .. وإن جاءت الإجابة بالنفي .. ثم نأى النصرُ عنكم .. وابتعد .. فلا تلومن حينئذٍ إلا أنفسكم، وابكوا على خطيئتكم .. واحذروا أن تسألوا الله النصرَ وأنتم على هذا الوصف والحال .. فما عند الله تعالى يُطلَب بطاعته لا بمعصيته .. قال تعالى:) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ (آل عمران:165.
* * * * *
595- هذا حُكمي في زوجَتِك يا صاحبي ..!
طلّقها مرتين، وهمَّ بالثالثة .... ثم جاءني يستشيرني فيها!
نفسها فيه كأشدّ ما تكون نفس امرأة في رجل .. لكنها إذا أقبل عليها بإحسانٍ نأت عنه، وترفَّعت، وأدبرت، ونخَرت .. وتكبَّرت .. وكفرت المعروف والإحسان!
لو قِيس لسانها بقدر انفلاته وتطاوله على زوجها، لكان طوله مئات الأمتار .. لا بضع سنتمترات!
قتلها أهون عليها ـ ألف مرة ـ من أن تقول له: شكراً على معروف .. لأنها لا تعترف له بمعروف .. ولأن كلمات الشكر ليست من لغتها .. ولا هي داخلة في مفردات قاموسها .. فهي ممكن أن تضع له ـ ولغيره ـ خطة عمل وخدمة على مدار شهرٍ كاملٍ تلزمهم بها .. من دون أن تقول لهم: شكراً!
والأصعَبُ عليها من هذا كله، أن تقول له كلمة حبٍّ .. أو تعترف له ـ مباشرة ـ عما في نفسها نحوه من تعلق .. وحتى تعترف له بشيء من ذلك فهي تحتاج إلى حكَمٍ من أهله، وحكَماً من أهلها!
إن تشاجرا ـ وما أكثر المشاجرات بينهما ـ كان لزاماً عليه استرضاؤها .. والأوبة إليها .. والإنحناء عليها .. وهي ما عليها حينئذٍ إلا أن تقابله بمزيد من النفور والإدبار والتمنّع .. وإن لم يفعل مرة .. يظل البيت ملتهباً بنارها وغضبها شهراً .. إلى أن يعود إليها تائباً مستغفراً!
تتمنَّع عنه كأشد ما يكون التمنّع وهي راغبة فيه كأشد ما يرغب شيء بشيء!
تريده في بيتها رجلاً خادماً .. لا زوجاً قيِّماً!
هي في جسدها امرأة .. وفي روحها .. كأشد وأغلظ رجلٍ عرفته بادية العرب!
لشدة غيرتها .. وحسدها .. لم يبقَ لها لحم على عظم .. ثم هو لا يستطيع أن يُظهر أمامها أي عاطفةٍ له نحو أمه أو أبيه .. أو رَحِم!
وهذه لو جاز القول بطلاقها أكثر من ثلاثٍ .. لقلت بطلاقها ألفاً!
هذا حكمي في زوجتِك يا صاحبي .... وفي كل من ابتُلي بزوجةٍ كزوجتك!
* * * * *
596- عندما تَتضَاعف الضريبة.
تتردد الشعوب في دفع ضريبة العِزّةِ والكرامة .. بحجة أنها ستكون باهظة ومكلفة كما يُخيّل إليها، علماً أنها تدفع عشرات أضعافها كضريبة للذل والاستكانة والهوان.
ولهؤلاء نقول: إن لم تبادروا إلى دفع ضريبة العزة والكرامة اليوم ستدفعونها غداً مضاعفةً .. وإن لم تدفعوها غداً ستدفعونها بعد غدٍ أضعافاً مضاعفة .. وهكذا كلما طال التماطل .. وأمد السداد .. كلما تضاعفت الضريبة وتغلّظت، وأُخذت من أعز ما تملكون: من دينكم، وعِرضكم، وأرضكم، وكرائم أموالكم .. وذلك لسببين:
أولهما: أن الطاغوت يزداد تمكيناً وقوةً .. وتثبيتاً لدعائم ملكه وحكمه .. فالزمن عامل مساعد له على ذلك .. وبالتالي فإن معالجته ومعالجة نظامه الفاسد بعدئذٍ ستكون أكثر كلفة وتضحية بالنسبة للشعوب.
ثانيهما: أن للظلم، وإقراره، والتعايش معه .. ضريبته التي يقتاتها يومياً من الشعوب .. وهذه الضريبة تتضاعف وتتغلظ كلما تغلظ وتضخم الظلم كماً ونوعاً .. وكلما طال أمد مكثه وبقائه .. وهو مثله مثل المرض الخبيث الذي تمتد آثاره الخبيثة في سائر الجسد .. إذا ما أهمل وأعطي فرصته الزمنية الكافية.
* * * * *
597- الفِعْلُ ورَدّةُ الفعلِ.
ما من فِعل إلا وله ردة فعل .. فمن قُلِعت عينه .. فلا تتسرع البكاء عليه قبل أن تتبين فعله الذي أدى إلى قلع عينه .. فقد يكون قد سبق له أن قلع عيني من قلَع عينه .. فقُلِعت عينه كردة فعلٍ على فعله وبغيه!
الطُّغاةُ وقوى الاستكبار العالمية .. يمارسون شتى أنواع الظلم والقهر، والبطش .. والاستعباد .. والتنكيل للشعوب المستضعفة .. ثم هم مع ذلك لا يريدون أن تكون لهذه الشعوب المستضعفة أي ردة فعل .. تقلل من حجم ونوع ضحايا ظلم الطغاة المستكبرين .. ولو فعلوا شيئاً من ذلك .. تسارع الطغاة .. وتسارعت معهم أبواقهم من المثقفين المأجورين .. في التحليل لظاهرة ردة الفعل .. وفي التهديد والوعيد .. والاستنكار .... والشجب بشدة .. على ردة فعل المستضعفين .. وكأن المفروض على المستضعفين أن يستسلموا لسكين الجزار، وسوط الجلاد أمَدَ الدهر .. من دون أدنى حِراك أو اعتراض!
* * * * *
598- كيف يُودّعون عامهم ..!
كلما ذهب يومٌ منك .. ذهبَ بعضٌ منك .. واقتربتَ مسافةً ـ الله أعلم مقدارها ـ نحو حتفك، وقبرك .. ونهايتك .. وهذا مدعاةٌ لك للقلق .. ومحاسبة النفس .. والاستغفار .. والبكاء على النفس وما قد فرطت به نحو ربها .. ونحو الناس .. والمبادرة إلى استدراك ما قد فات .. وما يمكن استدراكه .. قبل فوات الأوان، وحصول الندم، ولات حين مندم!
إلا أن الأمرَ عند هؤلاء القوم الذين يحتفلون بيوم رأس السنة الميلادية على طريقتهم الماجنة الفاسقة الطائشة .. على خلاف ذلك تماماً؛ فتراهم يودعون عامهم المنصرم بكل فرح وبهجهة .. وفسوق .. وفجور .. وطرب .. ويستقبلون عامهم الجديد بنفس الأسلوب!
من قبل ـ ولا يزالون ـ عبدوا الأداة " الصليب " التي قتل عليها ـ كما يزعمون زوراً ـ المسيح عليه السلام .. واليوم يحتفلون بطريقة ماجنة مجنونة على انصرام عام من أعمارهم .. وكأنهم قد كسبوا إلى حياتهم عاماً جديداً إضافياً!
صدق الله العظيم:) فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج:46
* * * * *
599- فجُورُ طالبِ العِلم.
عندما يُقبِل العالِم بكليته على طالِب العلم .. تعليماً .. وتأديباً .. ويعطيه من وقته وجهده الشيء الكثير الكثير .. ثم لأدنى كبوة أو هفوة أو خطأ قد يكون للعالم له فيه أجر .. يُقابله الطالب بسوء الظن .. وسوء القول .. والخُلق .. وينقلب عليه .. متنكراً لجميل وفضل شيخه عليه .. فهذا طالبُ عِلمٍ فاجر .. فيه خصلة من خصال النفاق " وإذا خاصم فجر " .. وفيه خصلة من خصال النساء اللاتي يكفرن الإحسان والمعروف .. اللاتي يكفرْنَ فضل ومعروف وإحسان الزوج عليهن لأدنى خطأ أو خلاف!
وهؤلاء عددهم في زماننا هذا ليس بلقليل ... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * * * *
600- يكذبون عليَّ وأنا حيّ!
أفاجأ بين الفينة والأخرى، أن بعض الجهات الإخبارية والإعلامية .. والتي منها بعض المنتديات الحواريّة .. يقوّلونني ما لم أقل .. وينسبون لي زوراً وكذباً ما لم أقل .. وما لم ينسجم مع منهجي وأسلوبي .. ابتغاء الفتنة بين الشباب المسلم المجاهد .. والصَّدّ عن سبيل الله .. وابتغاء الطعن بنا وبمنهجنا .. والتشكيك بمدى مصداقيتنا والتزامنا بهذا المنهج الذي نحن عليه، والذي ـ بفضل الله تعالى ـ لا نعرف الحيدة ولا الالتفات عنه منذ أكثر من أربعة عقود ... نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام.
أقول: يكذبون عليّ وأنا حي .. فكيف بعد الممات؟!
اللهمّ إني أعوذ بك من شرورهم وظلمهم وزورهم قبل الممات وبعد الممات .. اللهمّ أنتَ الخليفَةُ في هؤلاء القوم، فاكفناهم بما شئت وكيف شئت .. إنك سميع قريب مجيب .. وصلّى اللهُ على محمد النبيّ الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * * * *
601- .... يتبع في الصفحة التالية إن شاء الله.