العربي العبقري ونجومه الخماسية
العربي العبقري ونجومه الخماسية
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
إنه يصرخ بأعلى صوته , يعقبه وصلة ضاحكة وقهقهة مستمرة , يسكت فجأة , يقطب حاجبيه
يفترش الأرض في مكان معزول عن العالم ,لقد وصل إلى هذا المكان بعد أن مشى طويلا جدا , ومنذ زمن بعيد , لعله يأخذ قسطاً من الراحة لمتابعة المشوار
افترش الأرض وجلس متربعا
الهموم تغمره لن تترك فيه مكاناً أبداً
مع أن الشمس كانت تنشر أشعتها الدافئة عليه , وعلى اليابسة , لكنه اشتاق لرؤية النجوم رفع رأسه للأعلى , آه تلك درب التبانه , ثم ضحك ولكن أين هي ؟
السماء زرقاء صافية , يضحك على نفسه , ثم يقول لا أنا أكيد رأيت نجوما فوقي ينظر مرة أخرى
يقول تذكرت
لا تزال عالقة في خيالي إنها النجوم الخماسية المرسومة أسفل حذاء القائد
يتنهد بحسرة كبيرة ثم يقول:
عبقريتي ضاعت بين هذه النجوم , فلم تترك مكانا في جسدي إلا وحلت ضيفا عليه , إنها طبعة دائمة تغور في أعماقي وتسكن في داخلي وقلبي وإحساسي
ومع هذا فإن قيادتنا الحكيمة حريصة علينا جدا , جعلت هذه النجوم على أجسامنا حتى تمنع الشياطين من الدخول , حتى لا يحصل لنا مس من الشيطان , إنها العبقرية حقا , وليست كعبقريتي أنا
هاه هاه هههههههههههههههه
صحيح أنني لم أنتبه في الماضي , أن الألم الذي كاد يقتلني عند طباعتها , كان خير لي في أن ألمي يكون وقتا قصيرا , في المقابل, لو لم يضعوها على جسمي لكانت قد دخلت الشياطين كياني وأصبحت ألعوبة بأيديهم ,ومنفذا لأمرهم في الدنيا والآخرة , وسيكون مصيري الجحيم والعياذ بالله
إنه يسمع أصوات كثيرة , أصوات متداخلة , يداخل نفسه الخوف منها ’ القشعريرة تصيب جسده , شعر جسمه يقف من شدة الخوف , هواء ساخن يشعر فيه , يلفح أذنيه صوت أنفاس وراءه , يخاف أن يلتفت للوراء , لقد جف حلقه , يحاول أن يستعيذ من الشيطان لكن الكلام لا يسعفه , ذاكرته انمحت من كل المعوذات
أصوات نساء تنطلق من هناك , صخب كبير , ونواح بكاء أطفال , يصاحبها قهقهات هستيرية مستهزئة من تلك الأصوات المستغيثة , بكاء أطفال , أنين رجال
كانت أصابعه تحفر في التراب كأنها تبحث عن وسيلة تحمي صاحبها
تشعر بجسم رطب وبارد تحت ملمسها تنبه العبقري , يسحب يده بسرعة مذعورا
هم بالهروب من المكان , بعد أن استجمع قواه , ولكنه عاد لهدوئه مرة أخرى
بدأ يحفر مكان إصبعه بهدوء , واستخرج من ذلك المكان دودة صغيرة , إنه يعرفها ويعرف فصيلتها ويعرف سكنها ومعاشها وحياتها
وشغل عقله وروحه مع هذا المخلوق الصغير لكي يبعد تلك الأصوات عنه
فقال لها
عندما كنت صغيراً لم أكن أفكر فيك إلا انك دودة وسخة حقيرة , أينما وجدتك علي أن أدوسك بحذائي وأمسحك مع التراب
ولكن هل ترين أنه كان معي حق ؟
فشكلك مقرف للغاية , ولا تملكين آذان ولا عيون , ولا تأكلين إلا التراب , وتملكين أعضاء ذكرية وأنثوية في نفس الوقت ولا تحتاجين لزوج أو رفيق عمر , وتعيشين في المزابل والأماكن الوسخة والقذرة
فهل لحياتك معنى ؟
إلا السحق بالأحذية
تتحرك الدودة بحركتها اللولبية , بين النجوم المرسومة بباطن كفه , محاولة الخروج والعودة لموطنها الترابي , يمنعها بإصبعه تلتف عليها , تحاول الهبوط للأسفل تدافع عن نفسها , لا تملك وسيلة إلا الهرب بحركتها اللولبية تلك
حتى هذه الدودة الضعيفة الفاقدة لكل مقومات الحياة , تحاول جاهدة الحصول على حريتها للعودة للمكان الذي كانت تعيش فيه , تأكل التراب طعامها المفضل , وتعيش تحت الأرض مضحية بنظرها وسمعها لتحمي نفسها من النعال والسحق وأذى المخلوقات التي هي أقوى منها
يتنهد العبقري ويقول
من المحيط إلى الخليج , لن تجدين نفسك غريبة بعد الآن , وقد تكونين السيدة الأولى أو السيد الأول فيها , لأنك تستعملين كل قوتك للعودة لحريتك التي أفقدتك إياها عندما أمسكتك ووضعتك في قبضة يدي , ولن أسحق دودة بعد الآن لأنها تستحق الحياة
ويخيم الظلام على تلك الدودة , مع انه نورها الذي اعتادت عليه في حريتها
ويتابع العبقري مسيره ويصرخ بأعلى صوته
لا ينفع الصراخ , ولا ينفع العويل ولا يجدي الغوث نفعا
حتى نثبت للعالم أجمع أننا لن نكون أبدا مجتمعا من الدود