كائنات إعلانية

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

جميلٌ شكله أو شكلها، شعره أو شعرها، لباسه أو لباسها ، ذكر هو أو أنثى هي، يستويان  أمام عينيك: بشرا سويا وسيما ، فصيحا حصيفا ، تغالب عيناك أذنيك ماذا ترى وماذا تسمع ؟؟

بعد دقائق ستعلم دقائق الأمور : شعر المذيع الجميل قد صفف وجفف بيد فنان ماهر ،وجهه قد لمسته ريشة عبقري مخضرم ، لباسه من ملبوسات المحل الفلاني  ، فإذا أعجبك شيء مما رأيت فالإعلان يحفظ  لك المكان والعنوان !!!

 تخرج إلى الشارع فتجد الناس أشكالا وألوانا ، تقرأ على صدورها وظهورها إعلانات شتى  من الملبوس  والمأكول والمشروب ،تقرأ حروفا وكلمات ، وأسماء لشركات وماركات ،  وترى صورا لفنانين وفنانات ، فترى من أمامك عبارة عن  لوحة إعلانية متحركة ، وتراك مستهدفا لتقرأ وترى ، الحافلات تحفل بالناس من الداخل، وتحمل الإعلان للناس من الخارج، تحمله صورا وكلمات وشعارات، تنقله لكل من رآها، ومن ذا الذي لا يراها إلا من كان أعمى ؟؟!!

  تنظر إلى البنايات فتشعر  كأنها بُنيت من الإعلانات والدعايات : مؤسسات ، شركات ، محلات ، عيادات ، وكل ما هو  آت لا يأتيك إلا من خلال الإعلانات !!

 ماذا ترى أمامك سوى  كتل من الإعلانات سواء أكانت على الورق أو البشر  و الحجر ؟؟

لكلِّ حاسة من حواسك ولكلِّ غريزة من غرائزك ثمة إعلانات ، الروائح تستهويك  وتستجديك ، سيلبي البطن نداء الأنف ، ستتراسل الحواس وتتفاعل ،  ما ترى.. ما تسمع.. ما تشم ..ستجد لها إعلانا فاسعَ واقترب، واشتر واقتن ،و كلُّ  ذكائك في أن  تغتنم الفرص وأن تعرف كيف تُقتحم المواسم وتُكتسب الغنائم !!!! 

أولادنا أكبادنا إعلانات تمشي على الأرض فلا يقرؤون ولا يلبسون، ولا يأكلون ولا يشربون ولا يقتنون إلا ما جاء به الإعلان هنا أو هناك !!!

الإعلان يسير بك ويُسيرك ويُصيرك كائناً إعلانياً مُستهلِكاً ومُستَهلَكاً !!!

 كلُّ إعلان يغريك بأفعل التفضيل فالأجود والأفضل والأزكى والأجمل والأسرع والأرخص والأكثر والأشهر والأقوى هنا، لا داعي للتفكير والتردد ، خذ واستزد ، اشتر الأولى والثانية مجانا، الكتاب الأكثر قراءة و مبيعا ، الفيلم والمسلسل والمسرحية الأكثر مشاهدة وتحميلا ، حتى الأموات نالهم الإعلان فثمة خبراء في التغسيل والتكفين وقراءة القرآن والدعاء والإستغفار وربما في الندب والبكاء ، وخدمة التوصيل مجانا ، قف يا أيها الإنسان  وتأمل

الإعلان يلاحقك وتلاحقه  حتى في عقر بيتك   تجد زوجك   و أولادك قد تحولوا إلى مندوبي مبيعات ، حتى كلمات الحب والاحترام والتبجيل لا تأتيك إلا تقديما لإعلان !!

أمامك إعلان وخلفك إعلان، وظيفتك.. رزقك.. زوجك ، غذاءعقلك وروحك و بطنك، رفاهيتك ،دواؤك ، حياتك كلها تستقبلها بإعلان ،وتودعك ناعيةً بإعلان !!

ما أنت يا  إنسان إلا صاحب إعلان تُرَوِج له أو يُرَوَج لك !!! إعلانك عنوانك !!   فاحمل  إعلانك واتبعني حيناً لأتبعك  أحيانا !!!

الإعلان  مبالغة وإطراء ، لا صدق في وصف ، لا حقيقة في حقيقة بعضه ، إعلانات يضرب بعضها بعضا ، بعضنا يعلن وبعضنا يلعن ، كم منا كان ضحية إعلان ، فلم يبق في الجيب مال يكفي  كي نعلن   أن الإعلان بعضه ضار بالصحة و بالقلب والجيب ، مفسد للعلاقة الزوجية ، سرق منا نفوسنا وفلوسنا وجعلنا كائنات إعلانية !!!