نهر

عبد اللطيف الحسيني

عبد اللطيف الحسيني

[email protected]

إلى دارين : ابنتي .

كأنّي أتنفّسُهُ , أتنفّسُ جحيماً حينَ أذكرُهُ , كأنّ أفعىً نفخَتْ في ترابٍ فجاء على شكل منعطف يرمي الصبيةُ فيه شغباً ألتقطُهُ قبلَ أنْ يُرمى .

أيّها النهرُ : أينَ خبّأتَ كلَّ هذي الظّلال التي مرّتْ بكَ أو مررْتَ بها فسحبْتَها إلى شهيقكَ .

أيّها النهرُ: ها أنا  أمدُّ يدي لتمشيَ عليها مَرَحَاً لا يعدِلُهُ مرحُكَ حينَ تجلسُ الفتياتُ بجانبكَ  .

: ها يدي زورقٌ  يمشي على مائِكَ الوهميّ الفيّاض .

اهطلْ علينا أنتَ الذي لا ماءَ عندكَ , أيُّها النهرُ : ها أنا نهرُكَ وقد أصحبتُ جَدّي الذي يخبّئ رأسَهُ بيديهِ حين تأتيه شتائمُ الصبية , و كأنهُ – كأني – المُتهمُ بشرب كلّ هذي المياه .

مَنْ  أَوقفَكَ قبالتي لأراكَ يتيماً .. خاسراً كأنّكَ – كأنّي -  قادمٌ من معركةٍ طُعنتْ من الخلف فيها ؟.

لا تحدّثني عن خساراتِكَ أيّها النهرُ , فلي منها ما يملأُ كلّ جوانبي .

كنْ كما عهدْتُكَ : يخافُ هديرَكَ  مَنْ يمرُّ بكَ هارباً وأنتَ تلاحقُ , لتلتهمَ ظلالَهُ .

كنْ كما عرفَكَ الصبيُّ : ماءٌ ميّتٌ أو عشبٌ يخجلُ من ذبولِهِ في الربيع .

......

هذي المياهُ التي لا تراها في النهر , إنها دموعي  كي يرمي الصبية سفنَهم الورقيّة فيها .

-     ملاحظة : مقطع من نصّ غير منشور من مخطوط معدّ للطباعة : نحن الذين نسكن في الشمال .