خواطر من وحي... انقلاب التفحيح ...
عقاب يحيى
ورقد الانتظار فينا عقوداً.. فعل فعله العميق وحفر أخاديد الأحلام التائهة في مجاري اللوّات، والمعيقات، والأنا التي ترفض الاعتراف بالأخطاء وتحمّل عوامل القصور، والضعف، والفشل، وحتى الانقسام لعوامل خارجية تحضر فيها المؤامرات الكبرى والصغرى ومن كل الأنواع قوية، غطاء هروبياً يتصوّر أصحابها أنهم بذلك يلوون عنق التاريخ والحقيقة، ويقنعون النفس والشعوب بما يبررون...
وبدءاً من الذات. من المسؤولية الخاصة لمختلف المواقع والمسؤوليات التي شغلناها والتي فرضت الظروف وجودنا في بعضها، وكانت باستمرار أكبر من وعينا الفردي والجمعي.. يجب الوقوف عند ذلك وإجراء مراجعات لا تتوقف لأن الحياة متطورة، ولأن فشلنا، ومهما كانت العوامل الخارجية قوية حتى السحق، يرجع في منطلقه لبنيتنا. لوعينا. لمدى صدقنا وإخلاصنا. لتقدير موازين القوى والممكن.. وكثير من عوامل كانت تقذفنا ـ رغم التضحيات الجسام، وما يعتبره كثيرنا أنه العمر الذي قدّمناه، نحو سلسلة الضعف والتهميش .. والدوران في التكوير الذاتي وقيء الذكريات، وحكايا الماضوية ..
ـ بعضهم ضمّ الخيال إلى الواقع حين اتخذ قراره بمعارضة انقلاب الطاغية.. وصدّق الحكايا المتواترة عن انقلاب وشيك ضد الانقلاب.. وبعده.. وكان ذلك قمة السخرية من مجموع الحقائق الفاقعة؟... ذلك أن حزباً، و"جيشاً عقائديا"، وقيادات، وسلطة.. وهو موجود لم يستطع أن ينهي ظاهرة الأسد النامية، العلنية.. فكيف سينجح في ذلك وقد نجح الانقلاب، واعتقلت جلّ القيادة، وسار معظم" القطيع ـ التنظيم" في ركاب المنتصرين ؟؟.... وحوصر من اتخذ موقفاً معارضاً، وطورد.. ولوحق في حياته ولقمة عيشه.. بينما كانت المثقلات اقوى من وقع الجديد.. تلك التي تعود إلى التفكير العميق بحلفية الذي جرى.. وبمحاولة الإجابة على أسئلة متشعبة عن الأحداث والسيرورات وقصص الروايات المتناثرة في صفوفنا... والعسكر، والطائفة، والطائفية والحزب، وجماعة فلان، ومجموعة فلان... وبناء البديل، والاصطدام بالسائد... وكثير من تلاوين السنوات التي كانت تعزز موقع النظام وبناء مملكة الرعب والإخضاع والتطويف التي يشيدها.. بينما تتراجع الأماني خلف سطور التبرير، وتنزاح المعارضة عن الفعل وتمثيل حدّ ادنى من أمل البديل.. فيسود مناخ الاستنقاع ، ويدخل الشعب مداجن التوليف لاغتيال حقوقه، ومن خلفها خصيصة شعب سورية وعشقه للشأن العام وممارسة دور يخرج عن حدود البلد للأمة، والعالم.. والنظام يقهقه.. انتصارات.. ويكرّس التوريث ظاهرة فاقعة في علم الاستفشار، وقهر الشعوب... وتغييبها...
لذلك كله لم يك مستغرباً ان ينفجر خزين السوري بالطريقة التي نشهد، وأن يُخرج السوري دفعة واحدة احتقان العقود بحثاً عن الذات وفضاءات الحرية والتغيير..
كما لم يكن مفاجئاً أن يستخدم نظام الجريمة والفئوية اقصى مديات عنفه، وهو الذي أدمن احتقار المواطن، ونام على وسائد أجهزته الأمنية التي تفيد بأنهم أوصلوا الشعب إلى الخضوع التام، وانتزاع الكبرياء والكرامة.. فكانت ثورة الحرية والكرامة عنواناً تعبيرياً يستحق هذه التضحيات ....
ـ لذلك كله، ايضاً، يصمم السوري، رغم الدمار، والخراب.. ونهر الدماء.. والمأساة الشاملة على المضي في ثورته حتى النصر.. والنصر لن يكون فقط باشتلاع نظام الطغمة من شروشها وحسب بل في التأسيس لدولة الحق والعدل والتعددية...لسورية التي تستحق الوفاء...